Skip to main content

الأصحاح الثاني - عدد 6-7

الصفحة 6 من 20: عدد 6-7

فأجاب الغلام الموكل على الحصادين وقال هي فتاة موآبية قد رجعت مع نعمي من بلاد موآب، وقالت دعوني ألتقط وأجمع بين الحزم وراء الحصادين. فجاءت ومكثت من الصباح إلى الآن. قليلاً ما لبثت في البيت ( ع 6و7)

لنلاحظ الإجابة الجميلة التي رد بها "الغلام"، فهو لم يتكلم عن معاملاته مع راعوث، ولا عن توجيهاته لها، ولكنه فقط يتكلم عن من هي، ويعطي تقريراً أميناً عن سلوكها وتصرفاتها. فما زال يدعوها «الفتاة الموآبية» وإن كان ينبر على كونها تركت موآب وجاءت إلى بيت لحم، كما أنه يذكر أنها قد التصقت بنعمي، التي لم تكن سوى شهادة فاشلة، ولكن إذ لم تكن قد اتحدت ببوعز بعد فمازالت هي «فتاة موآبية».

عند رجوع الإنسان إلى الله رجوعاً حقيقياً فإنه يتقدس - أي ينفصل عن العالم - بواسطة الولادة الجديدة (1بط 2:1، 2تس 13:2). وهو بذلك لم يعد «في الجسد» (رو 5:7) ولكنه ليس بعد في الروح (رو 9:8)، ولا هو «روحي» (1كو 15:2)، بل قد يكون جسدياً لم يتحرر بعد من سلطان الخطية،(رو 14:7، 1كو 3:3) بمعنى أنه قد يكون مولوداً ثانية، ولكن لم يخلص بعد من سلطان الخطية، لذلك لم يختم بعد بالروح القدس (رو 14:7، 1كو 1:3)، أو ربما يكون قد ختم، ولكن مازالت للجسد جاذبياته، كالحكمة الإنسانية، والقدرات الشخصية، وما إلى ذلك، وهذا ينم عن ذهن وإرادة جسديان.

لقد احتمى الإسرائيليون في دم خروف الفصح، ثم عبروا البحر الأحمر، الذي فيه رمز لموت وقيامة المسيح لأجلنا، وبذلك اشتركوا رمزياً في كل النتائج العجيبة لعمل المسيح، كما اعترف الله بهم كشعبه في حوريب. إلا أنهم كانوا لا يزالون يحملون عار مصر (يش 9:5). ولم يدحرج عنهم هذا العار إلا عندما دخلوا طواعية مع التابوت في الأردن وخرجوا من الجانب الآخر. بمعنى أن هذا العار لم يرفع عنهم إلا عندما خصصوا لأنفسهم - عن إدراك - موت وقيامة المسيح، ثم نتيجة لذلك اختتنوا - أي طبقوا عملياً موت المسيح على حياتهم (2كو 1:4-12) - حتى أصبح في إمكانهم أن يقولوا «متنا مع المسيح وقمنا أيضاً معه». هذا ما يريد الروح القدس أن يقود كل مؤمن إليه، وهذا هو المركز الذي تخبرنا به رسالة أفسس كمقامين مع المسيح وجالسين فيه في السماويات (أف 6:2)، وهذا معناه الاتحاد الكامل مع المسيح - الإنسان الممجد في السماء.

كان لابد أن تصل راعوث إلى هذه الحالة، ولكن إلى أن تخضع نفسها خضوعاً كاملاً لبوعز بأن تتحد معه كانت لا تزال تحمل نسبتها إلى أجدادها، فحتى ذلك الحين كانت تدعى «الفتاة الموآبية». نعم «فتاة» فهي لم تصل بعد إلى البلوغ، ومع ذلك فشهادة حسنة أعطيت عنها إذ أنها «رجعت مع نعمي من بلاد موآب».

تتكرر هنا كلمة «رجعت» كما في ص 22:1. والكلمة هنا بمعناها الحرفي تعطي انطباعاً عنها كما لو أنها لم تكن تنتمي أصلاً لموآب، مع أنها موآبية فعلاً، فقد ذهبت عنها روح الكبرياء والاستقلالية التي لموآب (إش 6:16) وعلمت الآن أنها لن تنال شيئاً إلا بالنعمة فقط. وفي اتضاع طلبت أن يسمح لها بأن تلتقط، واتضاع كهذا هو ثمين جداً عند الروح القدس، حتى أنه يعيد ذكره. لم تطلب راعوث أن تلتقط فقط، بل أيضاً أن تجمع بين الحزم، فالالتقاط هو الخطوة الأولى، ففيه التقدير لقيمة طعام بيت لحم. ثم يأتي بعد ذلك «الجمع». ويظل هناك، ما هو أبعد وأبعد، ألا وهو «حزم الشمائل». كانت راعوث مثلها كمثل النفس التي تطلب الأفضل دائماً، وتريد أن تفهم العلاقة بين الأمور الموهوبة لنا من الله. كانت لها الأشواق لأن تدخل إلى أفكار الله الصالحة، وعرفت أنها لن تجد مرغوبها إلا حيث توجد الحزم، خلف الحصادين.

أليس حري بنا أن تكون أشواقنا أن نوجد في المكان الذي فيه من سبقونا في الاختبار، وقد تعمقوا في معرفة الرب يسوع المسيح وفهم أفكار الله، فصاروا كعبيد بوعز الحقيقي يجمعون الحنطة.

والروح القدس يلاحظ نفس المؤمن الحديث ليرى هل هو يشتاق حقاً إلى كلمة الله، ومدى إقباله على الأماكن التي يجد فيها إشباعاً لهذه الرغبة التي تمثل ظاهرة صحية. فالجوع دائماً دليل الصحة، ومتى كان المؤمن الحديث لا يشعر بالجوع إلى كلمة الله فهذا يكون مؤشراً لضعف الحالة الروحية.

كان هذا الجوع شديداً عند راعوث، حتى أنها من الصباح الباكر - ويسوغ أن نقول من وقت ميلادها الثاني - كانت ممتلئة غيرة، فتلتقط وتجمع باجتهاد، قليلاً ما لبثت في البيت.

وهكذا يعطي الروح القدس تقريراً للرب عن مدى ارتباط حياتنا بالأمور التي تخصه، فهذا هو مقياس حرارتنا وغيرتنا الروحية. ونستطيع أن نفهم هذا من مواضع أخرى في كلمة الله، ففي 1تسالونيكي 3:1 مثلاً. نقرأ «متذكرين بلا انقطاع عمل إيمانكم وتعب محبتكم وصبر رجائكمربنا يسوع المسيح».

عدد 8
  • عدد الزيارات: 34682