الأصحاح الأول
حدث في أيام حكم القضاة أنه صار جوع في الأرض ( ع 1)
من العبارة الأولى من هذا السفر «حدث في أيام حكم القضاة» نتعرف على طبيعة الفترة التي وقعت فيها أحداثه. كانت فترة حكم القضاة طويلة، بدأت عقب موت يشوع (قض 6:2-23) واستمرت حتى أواخر أيام صموئيل، عندما طلبت الأمة لنفسها ملكاً (1صم 8). وبالرغم من أن العبارة الأولى من السفر لا تعطي تحديداً واضحاً لزمن وقوع أحداثه، ولكنها تكشف بوضوح الحالة التي كانت فيها الأمة حينئذ.
من دراستنا لسفر القضاة نلاحظ أنه من الناحية التاريخية ينتهي عند الأصحاح السادس عشر، أما الأصحاحات من السابع عشر حتى الحادي والعشرين فهي تسجل وقائع حادثتين تظهران كيف أن الوثنية والزنا كانا طابع تلك الأيام.
لقد قصد الله أن يكشف لنا بوضوح أن هذه الحالة لم تسُدْ فقط في نهاية حكم القضاة بسبب التشويش ولسيطرة شعوب أخرى عليهم، وما مارسته تلك الشعوب عليهم من ضغوط، بل إن هذه الحالة سادت عقب موت يشوع والشيوخ الذين طالت أيامهم بعده. كما كان الخراب هو الحالة العامة بين الشعب، ولم يكن قاصراً على فئة منهم. إن الغلام اللاوي في قضاة 17و18 كان حفيداً لموسى، وهو الذي أدخل العبادة الوثنية إلى سبط دان، تلك العبادة التي ظلت قائمة هناك حتى سبي الأسباط العشرة بعد تلك الأحداث بستة قرون. كما أن الأحداث التي ترد تفصيلاتها في قضاة 19-21 وقعت في وقت كان فيه فينحاس حفيد هرون رئيساً للكهنة، فأين غيرته لمجد الله التي أظهرها في البرية (عد 1:25-13)؟ من هذا نفهم أن تلك الحادثتين في نهاية سفر القضاة وقعتا في بداية أيام حكم القضاة. وفي هذه الأصحاحات الخمسة الأخيرة من سفر القضاة تتكرر أربع مرات عبارة «في تلك الأيام لم يكن ملك في إسرائيل» (ص 6:17، 1:18، 1:19، 25:21) وفي مرتين منها يعلَّق عليها بالقول «كان كل واحد يفعل ما يحسن في عينيه».
وهل نتعجب بعد هذا إن حدث جوع في الأرض في تلك الأيام؟ صحيح أن حدوث هذه المجاعة لم يكن الأمر الطبيعي، فقد سبق أن قال الله للشعب عن هذه الأرض إنها «تفيض لبنا وعسلاً»، «أرض ليس بالمسكنة تأكل فيها خبزاً»، أرض «من مطر السماء تشرب ماءً، أرض يعتني بها الرب إلهك، عينا الرب إلهك عليها دائماً من أول السنة إلى آخرها» (تث 3:6،9:8، 11:11 و12) ولكن الله قال أيضاً في نفس الأصحاح الحادي عشر وفي مواضع أخرى من سفر التثنية إنهم إذا زاغوا عنه فإنه «يغلق السماء فلا يكون مطر، ولا تعطي الأرض غلتها، فتبيدون سريعاً عن الأرض الجيدة التي يعطيكم الرب» (تث 17:11). لذلك كان لابد للرب في أحكام بره أن يرسل عليهم الجوع عندما تحولت الأمة عنه، وعبدت آلهة أخرى وسجدت لها. إنه يفعل ذلك ليوقظ ضمائرهم ليرجعوا إليه.
- عدد الزيارات: 26848