الأصحاح الثاني - عدد 2
فقالت راعوث الموآبية لنعمي دعيني أذهب إلى الحقل وألتقط سنابل وراء من أجد نعمة في عينيه. فقالت لها اذهبي يا بنتي. ( ع 2)
لقد ذاع الخبر بأن الله قد أعطى شعبه خبزاً. ونعمي وراعوث آمنتا بهذا الكلام. وهاهما قد أقبلتا إلى بيت لحم، نعمي امرأة ثكلى، وراعوث امرأة غريبة. فوجدتا الخبر صحيحاً. فالإيمان بكلمة الله وصلاحه لا يُخزي إطلاقاً. وقد وصلتا في ابتداء أيام الحصاد، ولكن كيف يكون لهما نصيب في الخبز وقد فقدتا ميراثهما، فهما لم تحرثا ولا زرعتا. ولكن الله مرة أخرى دبر في نعمته ما يلزم لذلك. ما أجمل ما نقرأه في سفر التثنية عن اهتمام الله بالغريب والفقير. فعندما تكلم عن الحصاد أوصى بأن الحزمة التي تُنسى في الحقل تكون نصيباً للغريب واليتيم والأرملة. كذلك في لاويين 9:19و10 ، 22:23 أعطى الرب للمسكين والغريب زوايا الحقل ولقاط الحصيد ونثار الكرم. لم يكن للمسكين والغريب أية حقوق في ذلك، فالغريب بالطبع لا محل له لأن يشترك في ميراث شعب الله. كذلك المسكين فقد حقه في الميراث أيضاً، إذ أن الله أعطى الميراث لكل بني إسرائيل. لذلك فلا مبرر لأن يصير أحد مسكيناً. وإن حدث هذا فمعناه أنه أخطأ حتى أنه وقع تحت تأديب من الله، فكيف لإنسان كهذا أن يطالب بأية حقوق.
لقد أعطى الله هذه الوصايا لأولئك الذين من محض صلاحه جعل لهم حقولاً وكروماً، حتى يظهروا عطفه نحو الناس الذين لا حقوق لهم من أي وجه، ويبينوا نعمته ورحمته وصلاحه.
ولنلاحظ أن المبادرة بفكرة الذهاب لالتقاط السنابل لم تأت من جانب نعمي، بل من جانب راعوث، مع أن نعمي كانت تعرف كلام الله ووصاياه أكثر من راعوث. ولكن راعوث كانت تتوق من قلبها لأن تعرف أكثر عن الخير الذي منحه الله لشعبه. فمع محدودية معرفتها كانت عندها رغبة ملحة لأن تبحث عن هذه الخيرات. فكان أنها التقت ببوعز. إن الشرط الأول للنمو الروحي للمؤمن هو الإخلاص والبساطة في الرغبة في معرفة الحق، وهذا ما ظهر بصورة جميلة في راعوث، التي ضحت بكل آمالها الطبيعية لكي تتبع نعمي وتلتصق بها وبكل ظروفها.
عندما يحصر الحق نفساً فإنها تتمسك به، رغم كل المقاومات، تشتري الحق ولا تبيعه، ومن هنا يبدأ النمو السريع، «لأن كل من له يعطى ويزداد».
إن تكريس المرأة وإخلاصها هو ما يرفع من قدرها، فهذا ما يليق بالمرأة. فإن لم تكن لها صفة الإخلاص فإنها تكون قد سقطت عن الفضيلة. والمرأة التي تسقط مثل هذا السقوط، فتفكر في نفسها فقط، كما فعلت حواء مع آدم، وكما فعلت الكنيسة بالنسبة للمسيح، فلابد أن تنتهي إلى البوار. هكذا أيضاً الإخلاص للحق - لكل ما نتعلمه أنه صالح وحق - هو أول مؤشر صحيح لأهليتنا للشهادة والخدمة. أما إذا لم يكن لدينا مثل هذا الإخلاص للحق فإن أعمالنا وأقوالنا سيشوبها النقص، إذ ليس هناك مرجع يحكمها، ولا أساس راسخ تثبت عليه. إن الإنسان يصدق دائماً أكاذيب الشيطان ويتبعها، كما رفَّع الإنسان نفسه في طريق العداوة للمسيح. لذلك لكي نكون شهوداً لله في وسط هذا العالم يلزمنا أن تكون لنا الشجاعة التي بها نقف في جانب الحق. ولكن إن تراخينا في هذا الأمر فلا يمكن أن تكون لنا الشهادة المؤثرة، بل إننا في الحقيقة نكون سبب إهانة لهذا الاسم الذي نعترف بأننا عبيد لصاحبه إذا كنا نحاول أن نكون شهوداً له دون تكريس وإخلاص. إذ أننا في هذه الحالة لا تكون لنا الشجاعة القلبية التي تتمسك بالشرط الأول من شروط الخدمة. فقد تكون لنا المحبة، كما عبرت عن ذلك قبلة عرفة، ولكنها عواطف غير مؤسسة على الحق وحده. فإذا تبعنا تلك العواطف فستقودنا إلى طرقنا الخاصة. لذلك فإنه من الضروري التشديد على أهمية التكريس والإخلاص للحق.
كم هو جميل أن نرى شباباً يرغب في أن يلتقط في الحقل أثناء الحصاد. وهل هناك حقل للحصاد أعظم من كلمة الله؟ إننا يجب علينا أن نشجعهم حتى يحصدوا منها. فمتى كانوا يتبعون الحصادين عن قرب فلابد لهم أن يجدوا خيراً جزيلاً. فالحصادون هم المؤمنون الذين عرفوا أعماق الحق، لذلك فهم ينسلون لهم من الشمائل حقاً صافياً، هو بالنسبة للشباب الملتقط طعام في حينه، وغذاء في أوانه.
إن قبول هذه الحقائق ببساطة الإيمان من كل القلب يعطينا من المعرفة عن الله القدر الكافي لأن نستند على نعمته. لذلك لم تقل راعوث في قلبها "إني لست بمستحقة، لذلك لا مجال لي لأن ألتقط في ميراث شعب الله"، بل إنها ركنت إلى نعمة الله وإحسانه، مع أنها كانت مدركة تماماً لعدم استحقاقها، ولكنها عظمت الله بتصرفها، فالله يتمجد عندما نثق أكثر في محبته ونعمته.
إلا أن بعضاً من حديثي الإيمان لا يقتنع بأن يأخذ مكان الملتقط باتضاع، بل كثيراً ما نراهم يريدون أن يأخذوا مركز الحصادين - كمعلمين ومبشرين - الذين يجب أن يكونوا «بسبب التمرن قد صارت لهم الحواس مدربة على التمييز بين الخير والشر» (عب 13:5 و14). ولكن ليس هذا هو الطريق الصحيح لأن نأتي إلى معرفة حقيقية للرب يسوع. فهو السيد ولكنه متواضع القلب، ويعلمنا أننا يجب أن نكون كذلك مثله (مت 29:11) فهو يعلم الودعاء طرقه.
وأيضاً نجد من خلال قصة راعوث شرطاً آخر للنمو الروحي. هو الطاعة المجردة بلا جدال. لم تجد راعوث طريقاً للبركة سوى الالتقاط، فلم تبحث عن طريق آخر. ومع أن عملاً كهذا كان مهيناً للنفس، وبالرغم من أنه لم يكن أمامها خيار آخر غيره، إلا أنها لم تتصرف بالاستقلال عن حماتها، التي كان لها التأثير الروحي المقدس على حياتها. إن روح الخضوع هو علامة أكيدة على وجود عمل الله في الداخل. فالله عندما يرى طاعة المؤمن المجردة، ممتزجة بتكريس للحق، فعندئذ يمكن أن يعطى نمواً روحياً، ويرقى به حتى تكون لنا الشركة الشخصية مع الرب.
- عدد الزيارات: 34691