Skip to main content

الأصحاح الثاني - عدد 13

الصفحة 12 من 20: عدد 13

فقالت ليتني أجد نعمة في عينيك يا سيدي، لأنك عزيتني وطيبت قلب جاريتك، وأنا لست كواحدة من جواريك ( ع 13).

في هذا العدد نرى كم كان لكلمات بوعز من أثر مشجع لراعوث، فالمكافأة ليست هي غرض ولا هدف الإيمان الحقيقي، ولكنها تشجعه وتقويه. كما أن الإيمان يميز أنه أخذ كل شيء بالنعمة، فيطلب أيضاً مزيداً من هذه النعمة. هذا هو طابع الإيمان الحقيقي.

ولكن في مقابل ذلك فإن الجسد لا يريد النعمة إطلاقاً. فإن قبول النعمة هو عين الاتضاع. وعندما يدرك الجسد أنه ليس مصدر للمعونة سوى النعمة فإنه يرفض المعونة بزعم أنها أعظم من أن تصدق، أو لأنه غير مستحق لها. وهذا في حقيقة الأمر انتفاخ وليس تواضعاً. فهذه هي كلمات الجسد، الذي محور أفكاره واهتماماته هي الذات. لذلك يقيس نعمة الله بمقاييسه الخاصة.

ولكن النعمة تشجع النفس، وتوحي إليها بأن تثق فيها ثقة مطلقة، ثم تشبع النفس شبعاً كاملاً. فالإيمان يغلب العالم، ويلقي رجاءه في ثقة تامة على الله، ولا يتشكك في نعمته مطلقاً. بل يصدق الله تماماً ويقبل كل كلمة من كلمات نعمته، ثم يطلب أيضاً المزيد من النعمة، وبهذا يتمجد الله، إذ هو إله كل نعمة، وبهذا أيضاً يظهر الإيمان معرفته بالله كالوهاب الأعظم.

هكذا تلاقت نعمة بوعز مع إيمان راعوث، فهي صدقت كلماته، بالرغم من أنها كانت تعلم وتعترف بأنها لم تكن سوى نعمة مطلقة، ولكنها آمنت أنها الآن قد وجدت نعمة في عينيه، كما آمنا نحن بنعمة الله تجاهنا، وأصبحنا نقيم في النعمة منذ أن آمنا «بمن أقام يسوع ربنا من الأموات، الذي أسلم من أجل خطايانا، وأقيم لأجل تبريرنا» (رو24:4و25).

كانت راعوث مغتبطة بما نالته، ولكن بلا كبرياء، فقد ميزت سلطان بوعز واعترفت به. وهذا ما يفعله الرب معنا دائماً، فهو لا يتكلم إلى العقل كثيراً، بل إلى القلب والضمير، ليحرك العواطف في القلب، ولينبهنا إلى حالتنا التي نحن فيها بالضمير. وحسن لنا أن نتعلم ذلك، فلا قيمة لاقتناع العقل، وإنما المهم هو أن يُستحضر الضمير إلى نور محضر الله الفاحص، وأن توجه عواطف القلب نحوه.

وكما ذكرت آنفاً، لقد اعترفت راعوث بسلطان بوعز، فدعت نفسها جاريته، ثم تضيف «وأنا لست كواحدة من جواريك» فقد كانت تعرف بنات موآب من هن، إذ كانت هي قبلاً واحدة منهن، ولكنها ترى الآن بنات بيت لحم اللواتي كن يخدمن بوعز في حقله، فما أبعد الفرق، فقد كن جميعهن عذارى لا علاقة لهن بالعالم.

قصت عليَّ مرة إحدى الأخوات أنها عندما آمنت بالرب حديثاً ذهبت يوم الأحد إلى اجتماع السجود. فرأت الأخوات وقد أرخين جميعاً شعور رؤوسهن، وقد غطين رؤوسهن جميعاً. كما لاحظت تصرفاتهن أثناء العبادة، فقالت في نفسها: إن هذا شعب مقدس، فلا مكان لمثلي في وسطهم. فأنا لست من هؤلاء. وهذا عين ما رأته راعوث. ولكن هذه الأخت لم تستطع أن تترك هذا الاجتماع، إذ لمست أن بوعز الحقيقي موجود هناك، وكانت رغبة قلبها أن تبقى معه.

متى كانت الأخت تريد أن تتكرس بالتمام للرب، وأن تكون «جاريته» فلا شك أن ذلك سيظهر في تصرفاتها وفي ملابسها، ستكون مهتمة أن تسر الرب في مظهرها الخارجي، وسوف تتزين «بلباس الحشمة...مع ورع وتعقل، لا بضفائر أو ذهب أو لآلئ أو ملابس كثيرة الثمن. بل كما يليق بنساء متعاهدات بتقوى الله بأعمال صالحة» (1تي9:2،10). وبالتأكيد سترخي شعرها وتغطي رأسها (1كو 11).

كانت نعمة ولطف هذا الرجل، جبار البأس، الذي من بيت لحم، قد ظهرت لتلك الموآبية المسكينة من خلال كلماته وأفعاله، وكأن كل اهتمامه أصبح مركزاً عليها، فلمست نعمته غير المتوقعة قلبها، لكنها لم تسيء فهم صلاحه، فلم ترفع الكلفة بينها وبينه، ولم تتجاوز حدودها لا في كلماتها ولا في أفعالها. فقد تنازلت نعمته جداً حتى وصلت إليها، فلم تزدها إلا اتضاعاً في نفسها، وتعظيماً له، حتى أنها «سقطت على وجهها وسجدت إلى الأرض» معترفة بعدم استحقاقها، فهي ما كانت سوى غريبة لا يمكن أن تقارن بواحدة من جواريه. وبمزيد من الإعجاب قبلت بكل تواضع كل ما عمله معها. إن هذا كافٍ لأن توضع بجدارة في مصاف كثيرات من فضليات الأناجيل.

عدد 14
الصفحة
  • عدد الزيارات: 34688