في نبوات أشعياء وإتمامها والتعليق عليها - تأثير ملكوت المسيح
تأثير ملكوت المسيح
النبوة: “يقضي بالعدل للمساكين ويحكم بالإنصاف لبائسي الأرض ويضرب الأرض بقضيب فمه ويميت المنافق بنفخة شفتيه. ويكون البر منطقة متنيه والأمانة منطقة حقويه. فيسكن الذئب مع الخروف ويربض النمر مع الجدي والعجل والشبل والمسمن معاً وصبي صغير يسوقها. والبقرة والدبة ترعيان. تربض أولادهما معاً والأسد كالبقر يأكل تيناً. ويلعب الرضيع على سرب الصل ويمد الفطيم يده على حجر الأفعوان. لا يسوءون ولا بفسدون في كل جبل قدسي لأن الأرض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطي المياه البحر. ويكون في ذلك اليوم أن أصل يسى القائم راية للشعوب إياه تطلب الأمم ويكون محله مجداً" (أشعياء11: 4-10).
الإتمام: “ثم رأيت السماء مفتوحة وإذا فرس أبيض والجالس عليه يدعى أميناً وصادقاً وبالعدل يحكم ويحارب... وهو متسربل بثوب مغموس بدم يدعى اسمه كلمة الله” (رؤيا 19: 11- 13) "وحينئذ سيستعلن الأثيم الذي الرب يبيده بنفخة فمه ويبطله بظهور مجيئه” (2تسالونيكي 2: 8).
التعليق: كان المسيح له المجد عادلاً وباراً في جميع أحكامه التي أصدرها من عرش مملكته الروحية السماوية. وكان يحكم على أقوال الآخرين كما كان ينتظر منهم أن يحكموا على أقواله ولذلك قال لليهود: “لا تحكموا حسب الظاهر بل احكموا حكماً عادلاً" (يوحنا 7: 24). وكان مقسطاً قويماً في قضائه فلم يحابِ بالوجوه ولم يميز غنياً على فقير. وتنبىء عنه أنه "لا يقضي بحسب نظر عينيه ولا يحكم بحسب سمع أذنيه. بل يقضي بالعدل للمساكين ويحكم بالانصاف لبائسي الأرض” (أشعياء 11: 3و4). وهو الذي يقيم العدل، ويعلن البر، ويثبت الحق، حتى أن المرائين يكونون معروفين عنده ويرفضهم يوم الدين قائلاً لهم: بما أنكم استوفيتم أجوركم من الناس الذي أرضيتموهم فلا أجر لكم عند الله الذي خالفتم إرادته. فاذهبوا عني يا فعلة الإثم لأنه لا كيل لكم عندي ولا تقربون. "كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم يا رب يا رب أليس باسمك تنبأنا وباسمك أخرجنا شياطين وباسمك صنعنا قوات كثيرة؟ فحينئذ أصرح لهم إني لم أعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلين الإثم” (متى 7: 22و23). فأمثال هؤلاء سيدين المسيح سرائرهم (رومية 2: 16) لأنه لا يمكن أن يقبل المدعين بناء على ظاهر دعاويهم وادعاءاتهم ولأنه "علم ما كان في الإنسان"(يوحنا 2: 25). إن قضاءه يكون بالبر الذي هو ملازم له على الدوام والذي هو زينته في مواكب نصرته والذي هو مجده في عرشه وسيفه الذي يحارب به ويغلب والذي يتقلده في حروبه الروحية (مز 45: 3). فالمسيح كله بر وعدل وحق. ولذا فقد أمر رعيته، بلسان سليمان الحكيم، أن يتمنطقوا بالحق. ومع ذلك فهو لم يزل يحامي ببره عن المساكين المتضايقين. ومن آيات شرف المسيح وعدله وبره وحقه أنه تنازل ورضي كرماً منه أن يكون ملك المساكين: "اللهم أعط أحكامك للملك وبرك لابن الملك. يدين شعبك بالعدل ومساكنيك بالحق... يقضي لمساكين الشعب. يخلص بني البائسين ويسحق الظالم” (مزمور 72: 1- 4). فالمسيح يرفع ببره صوت الاحتجاج عالياً ضد المتكبرين مضايقي شعبه لأنه يضرب الأرض ويضرب مضايقي شعبه الساكنين على الأرض: “تميل أذنك لحق اليتيم والمنسحق لكي لا يعود أيضاً يرعبهم إنسان من الأرض” (مزمور 10: 17و18). وهؤلاء المتكبرون المضايقون سيضربهم المسيح بقضيب فمه وسيف روحه. عندما أتى الأعداء ليقبضوا على المسيح ليلاً في بستان جثسيماني قال لهم "أنا هو" فارتدوا إلى الوراء خجلاً، وسقطوا على الأرض وجلاً. ولقد هيج المسيح ضمائر معلمي اليهود في مسألة المرأة التي أمسكت في زنى وكشف ريائهم وأذكرهم خطاياهم السرية وتركهم يحاسبون أنفسهم فانصرفوا من حضرته خجلين. وكما أبكم أعداءه المنافقين على الأرض فكذلك سيبكمهم ويخجلهم حين يجلس على العرش الأبيض النقي في يوم ظهوره وملكوته. قال بولس الرسول أن المسيح سيبيد إنسان الخطية بنفخة فمه (2تسالونيكي 2: 8).
وبما أن المسيح أنبأ في أشعياء 9: 6 أنه يكون رئيس السلام فقد عاد هنا إلى تبيين نوع السلام المقصود فقال ما يأتي معناه:
1- أنه سلام وحدة وتآلف: أشار النبي بقوله: “ويسكن الذئب مع الخروف" إلى أن المتوحشين الذين تؤثر فيهم نعمة المسيح يرجعون عن شرورهم ويعيشون بالسلام مع أضعف الناس ويشاركونهم في سرائهم وضرائهم ويتألمون لآلامهم كبولس الرسول الذي بعد أن قتل وسجن وجلد مسيحيين كثيرين أيام توحشه وتعصبه صار بعد إيمانه لطيفاً مع المؤمنين جداً حتى اشتد به الوجد فصاح قائلاً: “من يضعف وأنا لا أضعف؟ من يعثر وأنا لا ألتهب؟" (2كو 11: 29) فالمسيح سلامنا أتى لكي يبيد الأعداء ويقوي روح السلام بين أتباعه عموماً ويوفق بين عموم الناس ويُدخل الجميع إلى حظيرة الإيمان فلا يعود الخروف يخاف من الذئب. وأولاد النمر الشرهون سيربضون مع الجداء في وادي السلام. والأسد يذل ويأكل تبناً كالثور ويربض مع خراف المسيح في مراعي الإيمان الخضراء. ومتى جاء المسيح في مجده يحل الأمن محل الخوف والسلام محل الخصام والنور محل الظلمة والخير محل الشر والاتحاد محل الفساد. ونتعلم من هذه النبوة أن حالة القداسة التي كانت لآدم قبل السقوط ستعود ثانية بواسطة المسيح إلى جميع المؤمنين بالفداء وسيبطل المثل السائر القائل: "الإنسان ذئب لأخيه". وكما كان السلام سائداً بين جميع الحيوانات في فلك نوح هكذا سيصير السلام في العالم بواسطة الإيمان بالمسيح رباً وفادياً. ذلك لأن المسيح يجذب الأشرار الأن بحبال الإنجيل إلى حظيرة الإيمان فتتغير طبائعهم ويسكن الذئب مع الخروف بسلام.
2- أنه حفظٌ وأمان: لا يستطيع أحد أن يؤذي قطيع الرب يسوع المسيح لأن عينيه تكونان عليه ولأن قطيعه المبارك متمسك بالخير (1بطرس 3: 13).
ولقد بنى المسيح كنيسته على صخرة الإيمان الذي أغلق أبواب الجحيم. والراعي في كنيسة المسيح وإن كان ضعيفاً في طبيعته الروحية ككل الناس فهو مع ذلك قادر على أن يسوس كنيسته المحتوية على أناس كثيرين كانوا وحوشاً وأصلالاً سامة قبل إيمانهم وجميعهم يحبونه ويخضعون لأوامره الروحية (متى 16: 18).
إن المقصود بهذه النبوة الناس لا الحيوانات لأن صهيون جبل قدس الرب ليست مسكن الوحوش والحشرات السامة بل مسكن الناس ومركز كنيسة المسيح، بل هي التي ظهر فيها المسيح وأكمل خلاصه، وفيها مدينة الله الحي (عب 12: 22 و32) لأن الوحي للناس لا للوحوش. "ويكون في ذلك اليوم أن أصل يسى القائم راية للشعوب إياه تطلب الأمم ويكون محله مجداً". لنا في هذا العدد نبوة فرعية، أنبأتنا عن تقدم ملكوت المسيح المرموز إليه بأحوال مملكة يهوذا في نهاية مُلك حزقيا وانهزام سنحاريب العظيم، وأنبأتنا عن دخول الأمم إلى ملكوت المسيح بعد إزالة الحواجز التي كانت بين الأمم واليهود، وأنبأتنا عن رفع الحجاب ومصالحة الاثنين اللذين هما اليهود والأمم لنفسه تعالى ومزجهما ببعضهما وجعلِهما إنساناً واحداً جديداً صانعاً سلاماً (أف 2: 15- 18)، وأنبأتنا أن جميع الأمم سيرون المسيح مرفوعاً راية للشعوب وبطلبونه (رومية 15: 12). ومفتاح أسرار هذه النبوة إنما هو "أصل يسى" العرق النابت من الأرض اليابسة (أشعياء 53: 2) و"أصل وذرية داود كوكب الصبح المنير” (رؤيا 5: 5و22: 16) الذي رُفع راية للشعوب على خشبة الصليب لخلاصنا كما قال له المجد "وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إلي الجميع"، والمرفوع إلى الآن بالكرازة بالإنجيل في كل أركان العالم براً وبحراً. فحين ولادته جاء إليه مجوس من المشرق وعبدوه (متى الأصحاح 2)، وجاء إليه الرعاة المتبدّون وآمنوا به (لوقا 2: 8-10)، وطلبت إليه المرأة الفينيقية أن يشفي ابنتها أيام خدمته الجمهورية (مرقس 7: 24- 30)، ولما صعد إلى أورشليم في العيد طلب اليونانيون أن يروه (يوحنا 12: 21). فهو الذي يكون عليه رجاء الأمم ويكون محله أي كنيسته مجداً لأن الله هيكلها والخروف سراجها ولأن روح الله ساكن في المؤمنين.
- عدد الزيارات: 71895