في نبوات أشعياء وإتمامها والتعليق عليها
الباب الرابع
بيان تمهيدي لا بد منه
لا يخفى على القراء الكرام أن المذاهب التفسيرية، المختلفة الأنواع والأساليب، موجودة في الكنيسة من بدء تاريخها. فإن جماهير المؤمنين انتقدوا العلامة اوريجانوس الإسكندري الشهير الذي عاش في القرن الثالث بعد الميلاد بأشد أنواع الانتقادات، وأعلنت الكنيسة حروماتها لتعاليمه لأنهم تأكدوا أن مذهبه التفسيري مجازيّ أما رأوه من تعاليمه القائلة: “أن ألفاظ الكتاب ترمي إلى غير معناها الظاهر البسيط". ومع كل ما قام في وجهه من الانتقادات فلم تزل روح مذهبه التفسيري (المجازي) موجودة إلى يومنا هذا. وأكثر النبوات التي فسرها أبناء هذا المذهب بطريقتهم المجازية إنما هي النبوات المتعلقة بملكوت المسيح.
ويوجد مذهب آخر تجاه هذا المذهب قال علماء التفسير أنه راجع إلى ما قبل العصر المسيحي بمئات من السنين، ألا وهو مذهب اليهود في تفسير نبواتهم. وقد دعاه اللاهوتيون "المذهب الحرفي"، أي الذي لم يخرج قط عن دائرة نصوص الكتاب ولم يقترب من دائرة المجازيات مطلقاً. وذلك بخلاف المذهب الاوريجانوسي الذي هو "المذهب المجازي- أو المذهب الباطني".
وقد رأينا أن نذكر- على الأقل في النبوات المتعلقة بملكوت المسيح- آراء معتدلة واضحة حباً بالفائدة المرجوة من نشر كتاب لاهوت المسيح هذا. وقد عزمنا بعون الله تعإلى ونعمته أن نسلك في تفسيرنا هنا طريقاً وسطاً مفيداً لعموم القراء من كل طائفة ومذهب، بدون تحيّز ألى فئات ضد أخرى أو مذهب ضد آخر، لأن غرضنا الأعلى إنما هو تمجيد الله، وغايتنا العظمى إثبات لاهوت المسيح. ولا ريب في أن كل مسيحي متفق معنا في ضرورة الجهاد الحسن للحصول على هذا الغرض وهذه الغاية، والله ولي التوفيق في البداية والنهاية.
- عدد الزيارات: 72063