Skip to main content

وإلاّ..... أي لو لم يكن المسيح هو الله

الباب الرابع عشر

استنتاجات من الوجه السلبي

إن ربنا يسوع نفسه هو الذي بدأ بهذا الأسلوب- الاستنتاج من الوجه السلبي- وذلك لتمام اليقين. فقد قال لتلاميذه: "وإلا فإني كنت قد قلت لكم” (يو14: 2) " لو لم أكن قد جئت... لم تكن لهم خطية. وأما الآن فليس لهم عذر في خطيتهم... لو لم أكن قد عملت... وأما الآن” (يو15: 22- 24).

واستعمل بولس الرسول ذات الطريقة، فإنه بعد أن تكلم بالتفصيل في (1كو15: 1ـ 8) عما ذكره لوقا بالاختصار الكلي في سفر الأعمال 1: 3 بقوله " ببراهين كثيرة " عن حقيقة قيامة المسيح، نراه يتقدم ويقول " وأن لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا وباطل أيضاً إيمانكم. ونوجد نحن أيضاً شهود زور... أنتم بعد في خطاياكم. إذاً الذين رقدوا في المسيح أيضاً هلكواً (1كو15: 14- 18). وعلى هذا القياس نقول:

لو لم يكن المسيح هو الله لرأينا نتائج لا يمكننا أن نتصورها، منها:

أولاً: الطعن في صدقه.

فأنّا نراه متعجباً منه للغاية. وقيل عنه أنه معلّم لا مثبل له، ولم يتكلم إنسان نظيره، وأنه مثال سامي الصفات فريد الآداب، ومع ذلك ادعى اللاهوتية بكيفية لا تقبل النقض. ألم يصرّح أنه هو والآب واحد (يو10: 30)؟ ألم ينسب لذاته القدرة التامة (التي لو نسبها مخلوق- أياً كان- لذاته لحسب أول مجدّف) في قوله " لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلون شيئاً (يو15: 5)؟ أو قوله " وأنا أعطيها (خرافي) حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد ولا يخطفها أحد من يدي” (يو10: 28)؟ وفي نسبة دينونة العالم الأخيرة لشخصه في قوله " كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم يا رب يا رب أليس باسمك تنبأنا... فحينئذ أصرّح لهم أني لم أعرفكم قط... اذهبوا عني يا فاعلي الاثم” (مت 7: 22 و23) عدا عن نسبة الحضور في كل زمان ومكان لشخصه كما في قوله " حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم” (مت 18: 20)، " وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر” (مت 28: 20). وشهد عن نفسه " أنه ابن الله " بكيفية تفيد أنه هو الله. فإن كان أقل مما ادعى فقد صار صدقه هباء منثوراً وبطلت حقيقته. فكيف تطاع تعاليمه ويتبع مثاله؟!

ثانياً: الاعتراض على انتظام قواه العقلية.

محتمل أن يقول المنتقدون أن ادعاء المسيح اللاهوتية لنفسه (كذا) إنما هو لاختلال في القوى العقلية، أما في كل ما هو عدا ذلك فكان صحيح العقل ومقبولا. فهل هذا الكلام معقول ومتوافق؟ فإذا كان مخطئاً في نقطة فلماذا لا يخطئ في غيرها؟ ومن هو الحكم في هذه المسألة؟

ولأجل الإيضاح لنضرب مثلا في ذلك فنقول: هل يمكن أن رئيس إحدى الشركات التجارية يؤمّن أحد الكتبة على كل أشغال الشركة وذلك الكاتب وأن يكن مقتدراً في العمل وعاقلاً ونشيطاً لكن تصيبه من حين إلى آخر نوبة جنون في عقله؟ وماذا يحصل إذا كانت تلك النوبة تأتيه بهيئة أن له الحق المطلق في امتلاك كل أموال الشركة ويقيد ذلك في الدفاتر؟ فهل يمكن أن أحد رجال الأعمال العقلاء يجازف بهذه المجازفة الخطرة؟ أو هل يعقل أن نعلّق حياتنا الأبدية على الشخص الذي وأن يكن سامي العقل وجليل الفكر لكنه ساقط في ضلال واحد ومعرّض لخدعة واحدة وخصوصاً يكون ذلك الضلال وتلك الخدعة من أشنع ما يكون؟!

ثالثاً: تكون أخبار معجزاته قصصاً خيالية.

فإن تجاسر المنتقدون ونسبوا بعض معجزات المسيح لأسباب طبيعية فلا يقدرون أن ينسبوا جميعها كذلك، لأن معجزتي بركة الخبز والسمك حتى يفيض عن ألوف الآكلين قفاف وسلال مملوءة كيف يمكن أن تتم بسبب طبيعي؟ أو كيف يمكن أن تكون مسألة تسكيت البحر بسبب طبيعي؟

قد ادعى البعض أنه عندما قال المسيح "اسكت ابكم " كانت الريح على وشك السكوت وحصل ذلك صدفة لكن فاتهم أنه ليست الريح فقط هي التي سكتت بل البحر أيضاً خمدت أمواجه فصار هدوء عظيم، الأمر الذي لا يتم بحسب ناموس الطبيعة إلا بعد سكوت الريح بزمن- وغير ذلك من المعجزات.

فحقاً إن لاهوت المسيح هو المفتاح الذي يفتح كل قفل سواء كان في ما يتعلق بالمعجزات أو بغيرها. أما من جهة كلام الناس المنتقدين فقد تجاسروا جهلاً منهم أن يربطوا الخالق بحزم محدودة من نواميس الطبيعة. نعم إن الأرغن الذي يخرج نغمات معلومة بقوانين محدودة هو آلة شجية، لكن الأرغن من ذاته لا يعطي النغمات الموسيقية، بل عقل الموسيقي الذي يقدر أن يخترع توقيعات جديدة ومبتكرة على آلات الطرب هو أعظم وأسمى من الأرغن بما لا يحد. فهكذا أعمال الخلق والقيامة لا تعرقل بقوانين محدودة ولا يمكن أن تأتي معجزة إلا بيد الله القدير.وفكر السيد المسيح كان على وفاق تام مع الآب.

رابعاً: تكون حكاية قيامته خرافة في خرافة.

إن حقيقة قيامة المسيح قد تقررت في الزمان والمكان اللذين حصلت فيهما، ورافقتها ظروف وأحوال كافية لأن تفضح أي خداع أو احتيال- لو كان حصل خداع فيها. فقد شهد عنها الأعداء، وعندما صادقوا عليها وقبلوها خسروا كل حجة لهم- فالحراس المقاومون من الحكومة قد رشوا لكي يقولوا للناس أن تلاميذه أتوا وسرقوه ليلاً وهم نيام. ومعلوم أن مناداة الرسل كانت منحصرة في " يسوع والقيامة ". والمعارضات التي قامت ضدهم من خصومهم الدينيين المعاصرين لهم لم تكن من حيثية حقيقة قيامة المسيح بل من حيثية الذي أحدثته القيامة على قلوب الناس شاهدين أن الكرازة بالقيامة قد قلبت كل المسكونة.

خامساً: يكون الوحي بأسفار العهد الجديد أمراً مزوراً أو مصطعناً

قد رأينا في ما سبق كيف أن ادعاء يسوع باللاهوت قد ربط كل أسفار العهد الجديد ببعضها بكيفية لا تقبل الحل، بحيث لو كذب أحد كتبة الأسفار لكان الكل كاذبين. وهل يا ترى جميعهم؟! وأن كان كذلك فمن خدعهم؟ وإذا كان هذان الفرضان صحيحين فيكون تصريحهم بأنهم تكلموا مسوقين من الروح القدس هو منتهى النفاق.

فتأمّلوا!

هذه بعض النتائج المروعة التي نضطر للتسليم بها إذا أنكرنا لاهوت المسيح.

حقاً! لولا أن لنا أساساً راسخاً لا يتزعزع للإيمان بلاهوت المسيح لكنا نصرّح بحزن عميق ونقول كما قالت مريم المجدلية " أخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه” (يو20: 13).

إن لم يكن المسيح هو الله فما هي الفائدة لنا نحن الخطاة والاثمة من وجود شخص عديم الخطأ ولكنا لم نتبعه أو من وجود معلّم جليل ولكنا لم نطعه؟ وأي رجاء لنا نحن الذي خاب أملنا وأخطأنا الغرض؟

يقال لنا أن نقبل مسيحاً حسن الصفات ولكنه ميت كأنه تمثال حسن الصنعة مغلق عليه داخل نظريات بشرية باردة لا فائدة منها، أو كأنه مجرد شبح جميل لكن لا حياة فيه، فوجهه ورسمه صحيحان وأعماله هي كما ظهرت في الزمان الغابر، ولكن لاهوته الذي هو نفس حياته وروح كيانه قد زال- لكنا " لم نتعلم المسيح هكذا ".

إن حاجتنا العظمى هي إلى فاد مملوء قلبه من الرحمة والمحبة.ولا نحتاج إلى مسيح ميت مهما كان جميلاً بل نحتاج إلى واحد " يقدر أن يخلّص إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله"- إلى واحد "حي في كل حين يشفع فيهم” (عب 7: 25). فلما نتحد بالإيمان بمسيح كهذا ليس ميتاً في القبر بل مقام وممجّد وجالس في يمين العظمى في الأعالي- بهذا وحده نجد راحة لنفوسنا.

الإيمان العملي

قد يُمدح الشك المخلص ولكن الذي يمدح حقاً هو الإيمان المخلص إنما يجب أن نكون مستقيمين في العمل كما في الإيمان. فإذا كنا نؤمن بلاهوت ربنا يسوع المسيح فهل نعلّم الآخرين بواسطة عيشتنا اليومية أن يؤمنوا بما نؤمن به وهل نحن معروفون كأولئك الذين يتبعونه بكل إخلاص وخضوع تام؟ فإنه لا يمكننا أن نبرهن على إيماننا للذين حولنا إلا بهذه الواسطة.

لاحظوا كلمات بولس الأخيرة للكورنثيين " لأنه وأن كان قد صلب من ضعف لكنه حي بقوة الله... جرّبوا أنفسكم هل أنتم من الإيمان. امتحنوا أنفسكم. أم لستم تعرفون أنفسكم أن يسوع المسيح هو فيكم إن لم تكونوا مرفوضين” (2كو13: 4 و5). ما أحوجنا، جميعاً، إلى هذا التنبيه من جهة لزوم امتحان النفس وفحصها!  

  • عدد الزيارات: 3576