الإصحاح الثاني والعشرون: خطابات الأصحاب - دعوة أخيرة للتوبة
(ع21-25) دعوة أخيرة للتوبة.
لقد كان أليفاز يحمل في قلبه شيئاً من الرأفة نحو أيوب. ويقول له "تعرّف به واسلم بذلك يأتيك خير. اقبل الشريعة من فيه"..
إن أليفاز كان من هذه الناحية يختلف عن صوفر، وكذلك عن بلدد... وضع كلامك في قلبك. إن رجعت إلى القدير تبنى". وقد كان كذلك.
إن أليفاز لم يكن يدري أن هذا الرجوع على وشك الظهور لخزيهم وخجلهم. "إن أبعدت ظلماً من خيمتك وألقيت التبر على التراب. وذهب أوفير بين حصا الأودية يكون القدير تبرك وفضة أتعاب لك.
على أن شيخ الأصحاب يبدأ أن يعطي ملاحظاته نهاية ملطفة. وهو مرة أخرى يقدم للمذنب عرضاّ بالرجوع، إن هو ندم. وأسلوبه ذو جمال باهر، كنا نتمنى لو استخدمه صاحبنا بطريقة أجدر "تعرّف به وكن في سلام، بذلك يأتيك خير". وهذه عبارات تصلح أن تكون عبارات تبشيرية، أليست الحياة الأبدية هي معرفة الإله الحقيقي وحده ويسوع المسيح الذي أرسله؟ ما أعظم السلام الذي يمكن تحصيله عن طريق هذه المعرفة: سلام بدم الصليب، سلام مكروز به، سلام يمتلكه الإيمان! وأي خير هذا الذي نجتنيه من هذه المعرفة: خير للزمان وللأبدية. لكنه يوجه خطابه لإنسان يعرف الله، طبقاً لإعلان العهد القديم. ومن هنا تحول التحريض الرقيق إلى ضغينة مريرة "اقبل الشريعة من فيه وضع كلامك في قلبك" إن أقوال أليفاز تخلو من تعزية شعب الله "نفتخر أيضاً في الضيقات" "بكاء مع الباكين" ولا يقول إلا "إن رجعت إلى القدير تبنى، إن أبعدت ظلماً من خيامك".
ومرة أخرى نحذر شعب الله من الشرك الذي سقط فيه أليفاز فإن كلّ تحريض تقوى على التوبة، وترك الخطية، وإدانة المسلك الشرير، إذا لم يكن مؤسساً على الحقائق المعروفة فلن يكون سوى إهانة، تنم عن روح فريسيّة لابد من الندم عليها كما في أليفاز وأصحابه.
إن أليفاز، وبطريقة نبوية، يعلن صورة لرجوع كل نجاح أيوب ورخائه: من ثروة وسعادة. وهناك تراجم مختلفة للعددين (24، 25). فالترجمة الإنجليزية المعترف بها تقول هكذا (ابتداء من ع23) "إن رجعت إلى القدير تبنى وتبعد الظلم عن خيامك. عندئذ تلقى التبر كأنه تراب وذهب أوفير كحصا الأودية. نعم ويكون القدير تبرك وتكون لك فضة بوفرة" وترجمة أخرى تقول "إن ألقيت التبر على التراب وذهب أوفير تحت حصا الأودية، هكذا يكون القدير لك تبراً بوفرة وفضة لامعة جداً".
لكن يبدو أن القراءة المألوفة هي المفضلة. فالعادة في العهد القديم، وبوجه خاص في سفر أيوب، أن يربط التمتع بالثروة الوقتية، ثروة الزمان، برضاء الله. وأليفاز على هذا القياس يعد برجوع كل الثروة التي فقدها أيوب.
عندئذ يبدو أمراً لا ينقصه الفخر أن تحرّض رجلاً محروماً من ثروته أن يلقيها في التراب أو يعدها بلا قيمة كحصا الأودية. ومن هنا قيل أن أليفاز يتكلم بأسلوب تصويري استعاري، وأنه يطلب من أيوب أن يطرح حب الطمع في الذهب ويلقيه في التراب. ويحسن بنا أن ندع ترجمتنا الفاخرة كما هي فالقدير سيكون حصن دفاع مرتفعاً للتائب، وثروته ستكون وفيرة.
- عدد الزيارات: 18543