الإصحاح الثاني والعشرون: خطابات الأصحاب - خطية أيوب من وجهة نظر عظمة الله
(ع1-5) خطية أيوب من وجهة نظر عظمة الله.
يتناول أليفاز في هذا الجزء الأول عظمة الله التي لا حدود لها وكفايته تعالى لذاته. هل ينفع الإنسان الله؟ هل هو يضيف شيئاً إلى كمال ملء الخالق؟ إنما ينفع نفسه الإنسان الحكيم الفطن، وليس عليه اعتماد الله بحالٍ من الأحوال. برّه ليس بذي فائدة خاصة لدى الله (لاحظ أن لفظة "فائدة" هي المقصود دون لفظة "مسرة" إذ أن الواقع أنه تعالى يجد المسرة في قديسيه)، كما يقرر الإنسان المفرغ من الذات "صلاحي لا يمتد إليك" (مزمور16: 2). فإن كان أيوب يأبى أن يندم عن خطيته، فهو ليس يؤذي إلا نفسه ولا بد من حصاد النتائج. ثم يسأل أليفاز صاحبه أيوب: أليس في التأديب الذي يقع تحته ما يثبت خطيته؟ أو هل يوبخ الله إنساناً من أجل تقواه؟ إذن فقد تبرهنت خطية أيوب وهي قطعاً طريقة سهلة، في عالم ملؤه الألم، أن نقيم الدليل على أن هذا الإنسان أو ذاك الخاطئ. لكنه دليل شامل إذ يضم تحته كل متألم، الأبرار كما الأشرار.
على أن هناك استثناءاً من جزء الإقرار الأول، كما من طابع جزئه الأخير الواضح الخطأ. ألم يتأثر بر الله في خليقته، لذلك البر الذي هو مظهر طبيعته المباركة؟ فقد خلق كل شيء لمجده تعالى ومسرته.
إذن فسقوط الإنسان معناه خسارة لله، لأن الإنسان اظهر فشله بأن يظهر في حياته ما يكشف عن حكمة خالقه وصلاحه. إذن فالقضاء ليس ذا طبيعة تبريرية، بل عقابية، والغضب إنما هو بسبب خطية فعلية ضد الله. وهذا هو الاقتناع بالخطية كما ينشئه روح الله في الضمير "إليك. وحدك. أخطأت" إن أليفاز يعطينا صورة جافة باهتة عن الله. لكن كلمة الله تكشفه لنا تعالى كمن يعنى بأمورنا، وكمن يهتم بخليقته. ولن نتوقع أن نجد في أقواله، أي أقوال أليفاز، مجالاً للإنجيل أو البشارة. ذلك أن الله لا يمسك بيديه ميزان العدالة فقط كمن هو مجرد مراقب لا يكترث بشؤوننا، ولكن يكيل القصاص للعاجز المقصّر. لو كان لمثل هذا التعليم مكان، فأين كنا نجد مثل هذه العبارات "كما يتراءف الأب على البنين" "الذي يحبه الرب يؤدبه" "وأما هذا فلأجل المنفعة لكي نشترك في قداسته"؟
لقد أحس أليفاز أن المناقشة قد وصلت إلى حد يتطلب تدخّله من جديد فأجاب على الفور قائلاً: "هل ينفع الإنسان الله"...نعم يا أليفاز، إن الإنسان لا ينفع الله، ولكن ألا يستطيع الإنسان أن يسر الله. الذي قال بروح الحكمة "ولذاتي مع بني آدم" (أمثال 8: 31).
إنه ليس لأجل المنفعة يخضع الإنسان لله، ويطيع كلماته، بل لكي يسر الله. ولماذا؟ لأنه يحبه. نعم، إن التقي يطيع الله لأنه يحب الله. وهذا شيء يختلف كل الاختلاف عن مسرة العمل سعياً وراء المنفعة. "هل من مسرة للقدير إذا تبررت؟" نعم، إن للقدير مسرة عظيمة في تبريري، ولا شك أن أليفاز كان مخطئاً في تفكيره من هذه الناحية، فالله كان مسروراً بأيوب جد السرور، بذلك الرجل عينه الذي كانوا يظنون في كل سوء، الذي كانوا يرمونه بكل عيب ونقيصة. فأنت تذكر أن الله قد بيّن بصورة واضحة في مستهل السفر أنه لم يكن على وجه الأرض رجل مثل عبده أيوب. ومع ذلك فقد كان هناك شيء خفي لم يكن أيوب يعرف أنه خطأ وقد قصد الله أن يظهره له، لكي يكون له فكر الله فيما يتعلق بنفسه. هذا هو الموضوع كله. ولكن لنستمع إلى أليفاز وهو يتابع كلامه وهو يظن أنه يعبّر عن أفكار الله.
"هل على تقواك يوبخك" أو يدخل معك في المحاكمة. أليس شرّك عظيماً وآثامك لا نهاية لها؟.
- عدد الزيارات: 18540