الإصحاح الخامس والثلاثون: امتحان الله للإنسان
كان أليهو في الإصحاح السالف قد كرس نفسه للدفاع عن سجايا الله وتبريرها، على أساس ما يتجلى منها في سياسته الخيرية، كما في الحقيقة الجلية وهي أن مصدر كل حق وعدالة وحكم لا بد أن يكون هو نفسه التجسيم الشامل لكل ما تراه على قياس جزئي في هذه الخليقة الساقطة.
والإصحاح الذي أمامنا الآن وثيق الصلة بالماضي بحيث أنه طالما اعتبر جزءاً من القسم ذاته، على أن من البداية الجديدة الواضحة في العدد الأول. كما في مضامين الإصحاح نفسه، سيبدو من الأوفق أن نفرد لهذا الإصحاح مكاناً منفصلاً. وباعتباره الجزء الرابع من خطاب أليهو فإن هذا الإصحاح خير امتحان للإنسان – وهو أوفق لهذا الغرض منه لتبرير الله كما في الإصحاح السالف، على أن هذا الامتحان هو إلى حد كبير على نفس نمط السير الذي مسلكه موضوع تبرير الله. وكم هو صحيح فعلاً أن ما يعلن سجاياه تعالى في كمالها، يكشف طبيعة الإنسان وطرقه: الإنسان كما هو.
استخلص أيوب من بلاياه هذه الخاتمة:
لا ينتفع الإنسان لكونه باراً ولا فرق بينه وبين الخاطئ! (ص 9: 22، 34: 9، 35: 3). إنه كشف بذلك عمق قلبه! "هل مجاناً يتقي أيوب الله؟" (ص 1: 9). هذا يشبه تقريباً للناس المكتوب عنهم "فاسدي الذهن وعادمي الحق يظنون أن التقوى تجارة" (1 تيموثاوس 6: 5، اقرأ أيضاً ملاخي 3: 14).
لقد كان أيوب حتى ذلك الوقت لا يدري بوجود مثل هذه المشاعر في قلبه. كان يعرف أعماله الصالحة دون أن يعرف الدوافع السرية لها.
ليتنا ندع الروح يخبرنا بالكلمة ويميز ويكشف نيات قلوبنا (عبرانيين 4: 12). هذه الخدمة قام بها أليهو نحو أيوب وهو يقول له الحق. أن بعض الأمور لا نحب سماعها ولكن "أمينة هي جروح المحب" (أمثال 27: 6، انظر أيضاً كولوسي 4: 6).
وعندما نتعلم هذه الدروس الضرورية تنتهي الدموع والصراخ والاستغاثات وتحل محلها "الأغاني في الليل" (ع 9: 10).
هذا الإصحاح يمكن تقسيمه إلى ثلاثة أجزاء:
(ع 1- 8) عظمة الله التي لا تدانى.
(ع 9- 13) صراخ المظلومين لماذا لا يجاب.
(ع 14- 16) دعوة للثقة بالله.
- عدد الزيارات: 12335