Skip to main content

الإصحاح الخامس والعشرون: الخطاب الثالث لبلدد

الصفحة 1 من 4

إن بلدد، بخطابه هذا الثالث، هو آخر الأصحاب متكلماً. أما صوفر فقد أخلد إلى الصمت بعدما سكب كل قلبه المندفع في خطابيه.

واهتداءاً باقتضاب خطاب بلدد، وبحقيقة كون هذا الخطاب لا يحتوي عملياً على شيء جديد، نقدر أن نتبين أن الأصحاب الثلاثة قد استنفذوا كل المناقشات التي سمحت لهم مواقفهم أن يتقدموا بها. وقد كانوا رجالاً ذوي تفكير متزن. ولهم كفايات للتعبير قلما يسمو عليهم فيها آخرون. أسلوبهم رفيع نبيل، استعاراتهم رائعة الجمال والقوة بيد أن موقفهم وخصومتهم وجدلهم كانت كلها مغلوطة، لا يمكن الدفاع عنها. ومن هنا اقتضاب هذه الأقوال الختامية.

على أننا لا نقدر أن نتكلم باحتقار عن هذه العبارات الموجزة، لأنها تقرر حقيقتين أساسيتين عظيمتين تتجليان بوضوح في نهاية السفر. ويمكن أن يقال تقريباً إنها عبارات نبوية عن "عاقبة الرب" التي سيقرّ بها أيوب نفسه في آخر المطاف. لكن بلدد يكاد أن يقيم الدليل على أن أيوب هو ذلك الرجل الشرير الذي أصرّ جميعهم أنه هو ذاك. على أن أقواله كانت صادقة فيما يتعلق بنفسه وبصاحبيه وبأيوب.

إن اسم بلدد معناه "ابن الخصام". وهو اسم يستحقه فعلاً! وبم توحي الكلمة "وعبد الرب لا يجب أن يخاصم بل يكون مترفقاً بالجميع صبوراً على المشقات مؤدباً بالوداعة المقاومين" 2تيمو2: 24، 25).

ولم يظهر أحد من الأصدقاء الثلاثة هذا الشعور. لقد عرفوا كيف يسألون دون القدرة على الإجابة عليها: كانوا يعرفون كيف يجرحون دون أن يشفوا، وكيف يقلبون دون أن يبنوا. وبعد حديث قصير لبلدد سكتوا نهائياً. وأقسى كلماتهم لم تستطع أن تبكت أيوب على خطية. فبقدر ما كان يتهم كان يشعر بالحاجة إلى التبرير. إن التبكيت على الخطية لا يمكن أن يفعله سوى روح الله في الضمير. ترى هل فعل ذلك روح الله في ضميرك؟. قلب أيوب لم يضم قط بكلمة تعزية حقيقية.

وهذا يقودنا إلى التفكير في قول من ذاق أكثر الأحزان: انتظرت رقة فلم تكن ومعزين فلم أجد"     (مزمور69: 20).

*        *         *

يمكن تقسيم خطاب بلدد إلى قسمين يبرزان الحقيقتين الكبيرتين اللتين ستبدوان بأكثر وضوح:

(ع1-3) عظمة الله.

(ع4-6) خواء الإنسان.

عظمة الله
الصفحة
  • عدد الزيارات: 11205