الإصحاح الثاني والعشرون: خطابات الأصحاب - الاتهام المباشر
(ع6-11) الاتهام المباشر.
بعد أن خطط أليفاز مبدأه المغلوط بمثل هذه الايجابية وبعد أن أعلن أن خطية أيوب كبيرة بشكل خطير (لأن الله لا يعاقب رجلاً تقياً) يفتتح مجموعة من الأقوال مذهلة، يتحدث فيها عن مسلك أيوب وتصرفاته الفعلية: فلم تعد المسألة بعد مسألة خطية ضمنية يطويها ستار من الدعوة إلى التوبة، أو غطاء من التشبيه لأيوب بأولئك الأشرار، بل هو اتهام فائر بخطية فعلية بما لا يمكن تصوره. فقد استلب أيوب متاع أخيه بدعوى زائفة! جرّد الفقير من غطائه الأخير الساتر! أنكر على الشارق ماءاً وخبزاً عن الهالك جوعاً. بقوة جارحة اخذ أراضي الآخرين وأقام هو فيها كأنه رجل عظيم مترفع الوجه. الأرامل واليتامى طردهم خواة سيدهم الذي لا قلب له. أدلة. شواهد وشهود! ما الداعي إلى هذا جميعاً ما دامت النظرية مقنعة بغير إقامة الحقائق وتثبيتها! هكذا ومن أغوار باطنه السحيقة يبسط هذا الصديق الوقور، الأشيب الرأس، أليفاز: يبسط الدليل القاطع على أن صاحبه المتألم والأب الماثل أمامه إنما هو مارد آثم! يا ليت إلهنا يعفينا من مثل هذه الصداقة والتزييف لحق.
ولكن حتى الآن: أليس الشك في الآخرين عيباً شائعاً؟ فهوذا شخص لم يواته النجاح في عمله، والمرض يهدّ أفراد أسرته، وهو يفقد أحباءه: وانك لتسمع الاستنتاج العجول بأنه أخانا هذا واقع تحت يد التأنيب لبعض الأخطاء الخيالية الوهمية. ما أقساه! هو سوء ظن يناقض الاتجاه الواضح "على فم شاهدين أو ثلاثة تقوم كل كلمة". ألا ليتنا نبطئ الشك، ونكون أكثر تباطؤاً في الاتهام بشر مجهول، تاركين ذلك لفاحص القلوب. ولئن كان يدعونا أن نعلن شراً ما، فإنما هو الشر الذي يكشفه بما لا يقبل المظنة.
"لأنك ارتهنت أخاك بلا سبب" والآن تظهر كل ظنونه السيئة مرة ثانية إذ يقول: "وسلبت ثياب العراة. ماء لم تسق العطاش وعن الجوعان منعت خيراً"
إن أليفاز بأقواله هذه يصوّر ما ظن أن أيوب قد فعله ليستحق القصاص الذي كان يعانيه.
"أما صاحب القوة فله الأرض" وأيوب كان صاحب القوة. والمترفع الوجه ساكن فيها. الأرامل أرسلت خاليات. وذراع اليتامى انسحقت. لأجل ذلك حواليك فخاخ. والواضح الجلي أن كل هذا التعليل لا أساس له من الصحة "ويرعبك بغتة. أو ظلمة فلا ترى وفيض المياه يغطيك".
ويختم أليفاز اتهامه معلناً أن هذه الخطايا تبين لماذا يؤخذ أيوب كما في فخاخ، ويباغته الخوف. ألا يرى الظلام الذي يغلّفه وفيض المياه. الشيء المدهش إن كل كلمة مما قال أليفاز دليل على أن الكل كان خليطاً من الأكاذيب تُظهر كلمة الله فيما يختص بأيوب، إن أليفاز مثل كاذب بائس لأن الرب قد قال عن أيوب "لا يوجد رجل مثله في الأرض رجل كامل ومستقيم" فهل تكلم الرب هكذا إن أيوب انتهك حرية نواميس الخير ومنع الماء والخبز عن المحروم أو جرّد العاري من ملابسه؟ لكن كيف ينزلق أليفاز إلى الحضيض؟ هذا كان نتيجة منطقه الآثم فلا بد أن يكون أيوب خاطئ وهو رجل شرير وبلا حقائق يستخلص النهايات أن أيوب قد فعل هذه الأمور ويتهمه سلبياً بها. لايزال نفس المنطق البغيض بنا. على سبيل المثال يأتي الشر على عبد الرب يسوع المسيح فيجتاز ببلوى ويأتي عليه حزن فوق حزن ثم يقترح أن حياته غير قويمة وسريعاً يلتهمه لسان الافتراءات بشرٍّ محدد.
- عدد الزيارات: 18544