الفصل الرابع - إذلال الجبار - الملك المتجدد المتزن
الملك المتجدد المتزن
"وعند انتهاء الأيام أنا بنوخذ نصر رفعت عيني إلى السماء فرجع إلى عقلي وباركت العلي وسبحت وحمدت الحي إلى الأبد الذي سلطانه سلطان أبدي وملكوته إلى دور فدور. وحسبت جميع سكان الأرض كلا شيء وهو يفعل كما يشاء في جند السماء وسكان الأرض ولا يوجد من يمنع يده أو يقول له ماذا تفعل. في ذلك الوقت رجع إليّ عقلي وعاد إليّ جلال مملكتي ومجدي وبهائي وطلبني مشيري وعظمائي وتثبت على مملكتي وازدادت لي عظمة كثيرة. فالآن عدل ومن يسلك بالكبرياء فهو قادر على أن يذله" (دانيال 4: 34 - 37)
يقول الملك "وعند انتهاء الأيام أنا نبوخذ نصر رفعت عيني إلى السماء فرجع إليّ عقلي" (دانيال 4: 34)
لا شك أن الله أعطاه هذه المعرفة بكيفية ما، وعندئذ رفع عينيه إلى السماء. ورفع العينين إلى السماء يعني رفع العينين إلى الله ساكن السماء. وهذا نراه في كلمات دانيال "عندما تعلم أن السماء سلطان" (دانيال 4: 26) أو بمعنى آخر عندما تعلم أن ساكن السماء سلطان. وهو تعبير يقال حتى في لغتنا الحديثة فنحن نشير إلى الملك بقولنا "القصر الملكي" وحين يقوم نزاع بين الملك وبين حزب من الأحزاب يقال "نزاع بين القصر والحزب أياً كان اسمه".
وعندما رفع نبوخذ نصر عينيه إلى الله ساكن السماء يقول "فرجع إليّ عقلي" وهو هنا كالابن الضال الذي نقرأ عنه "فرجع إلى نفسه" (لوقا 15: 17)
وعندما يرجع الإنسان إلى عقله ويرفع عينيه إلى الله لا بد أن يبارك الله... لقد تجدد الملك نبوخذ نصر.. عرف الله الحي الحقيقي تاب عن كبريائه.
اسمعه يقول "فرجع إليّ عقلي وباركت العلي وسبحت وحمدت الحي إلى الأبد الذي سلطانه أبدي وملكوته إلى دور فدور" (دانيال 4: 34)
لقد مجد اسم الله، وسبح وحمد الإله الحقيقي وحده، وعرف يقيناً أنه صاحب السلطان الأبدي، وإن سلطانه لا يحد بحدود زمنية كسلطان الإمبراطورية البابلية التي ستعقبها الإمبراطورية الفارسية، وإنما سلطانه وملكوته إلى دور فدور.
وعرف نبوخذ نصر ما عرفه أشعياء النبي عنه بالكلمات "هوذا الأمم كنقطة من دلو وكغبار الميزان تحسب.. كل الأمم كلا شيء قدامه. ومن العدم والباطل تحسب عنده" (أشعياء 40: 15 و 17). وها هو الملك يقول "وحسبت جميع سكان الأرض كلا شيء".
وعرف الملك سيادة الله المطلقة في الكون كله.. في السماء وعلى الأرض.. وسلطانه الكامل الذي لا يقف أمامه أحد. "وهو يفعل كما يشاء في جند السماء وسكان الأرض ولا يوجد من يمنع يده أو يقول له ماذا يفعل" (دانيال 4: 35). قديماً قال عنه أيوب "إذا خطف فمن يرده ومن يقول له ماذا تفعل" (أيوب 9: 12) وقال عنه داود "الرب في السموات ثبت كرسيه ومملكته على الكل تسود" (مزمور 103: 19)
مع عودة الملك إلى اتزانه وعقله، أعاد الله له جلال مملكته وهذا عمل نعمة الله تغفر خطايانا، وتعطينا قلباً جديداً، وفي ذات الوقت تمنحنا كل شيء بغنى للتمتع. وهكذا يقول نبوخذ نصر "عاد إلى جلال مملكتي وبهائي... وتثبت على مملكتي وازدادت لي عظمة كثيرة" (دانيال 4: 36)
كانت آخر كلمات نبوخذ نصر في خطابه التاريخي واختباره الفريد "فالآن أنا نبوخذ نصر أسبح وأعظم وأحمد ملك السماء الذي كل أعماله حق وطرقه عدل ومن يسلك بالكبرياء فهو قادر على أن يذله" (دانيال 4: 37)
خرج نبوخذ نصر من حمأته وبدأ يسبح الله، وكأنه يقول مع داود "انتظاراً انتظرت الرب فمال إليّ وسمع صراخي. وأصعدني من جب الهلاك من طين الحمأة وأقام على صخرة رجلي. ثبت خطواتي وجعل في فمي ترنيمة جديدة تسبيحة لإلهنا. كثيرون يرون ويخافون ويتوكلون على الرب" (مزمور 40: 1 - 3)
وعرف الملك ثلاث حقائق هامة عن الله.
أولاً: أن كل أعماله حق
ثانياً: أن كل طرقه عدل "عادلة وحق هي طرقك يا ملك القديسين" (رؤيا 15: 3)
ثالثاً: أن من يسلك بالكبرياء فهو قادر على أن يذله.
ويسترعي إلى انتباهنا أن نبوخذ نصر لم يصدر أمراً ملكياً في إمبراطوريته يأمر فيه رعاياه بعبادة الله.. وذلك لأنه أدرك أن اختبار الخلاص لا يوهب بالأوامر الملكية وإنما هو اختبار فردي مؤسس على الإيمان الشخصي القلبي بالإله الحي. لقد عرف أن الله العلي ليس بحاجة إلى من يقاتل عنه. كل ما فعله الملك أنه عظم الله وحمده، وافتخر بمعرفته له وهذا قصد الله في حياة كل مؤمن.
"هكذا قال الرب. لا يفتخرن الحكيم بحكمته ولا يفتخر الجبار بجبروته ولا يفتخر الغني بغناه. بل بهذا ليفتخرن المفتخر بأنه يفهم ويعرفني أني أنا الرب الصانع رحمة وقضاء وعدلاً في الأرض لأني بهذه أسر يقول الرب" (إرميا: 9: 23 و 24)
هذا ما فعله نبوخذ نصر، وإني لفي شوق للقاء الملك العظيم، حين يتلاشى الزمن وندخل في رخاب الأبدية السعيدة.
- عدد الزيارات: 20763