Skip to main content

الفصل الرابع - إذلال الجبار - الملك الناضر المطمئن

الصفحة 2 من 6: الملك الناضر المطمئن

الملك الناضر المطمئن

يبدأ الإصحاح الرابع من سفر دانيال بالكلمات "من نبوخذ نصر إلى كل الشعوب والأمم والألسنة الساكنين في الأرض كلها. ليكثر سلامكم. الآيات والعجائب التي صنعها معي الله العلي حسن عندي أن أخبر بها. آياته ما أعظمها وعجائبه ما أقواها. ملكوته ملكوت أبدي وسلطانه إلى دور فدور" (دانيال 4: 1- 3).

بهذه الكلمات بدأ نبوخذ نصر خطابه إلى شعوب الأرض، وكأنه يقول كاتب المزمور "هلم اسمعوا فأخبركم يا كل الخائفين الله بما صنع لنفسي" (مزمور 66: 16) وبعد هذه المقدمة يتحدث عن الآيات والعجائب التي صنعها الله معه، والتي سنتحدث عنها فيما يلي من حديث. ويذكر أن الله هو "الله العلي"  وهو اسم يتكرر كثيراً في سفر دانيال الذي يركز كل التركيز على سيادة الله المطلقة [اقرأ دانيال 2: 45- 4: 2- 24- 25- 34- 5: 18].

ثم يذكر أن ملكوت الله أبدي باق إلى دور فدور.

ويستطرد الملك نبوخذ نصر فيقول "أنا نبوخذ نصر قد كنت مطمئناً في بيتي وناضراً في قصري" (دانيال 4: 4).

لقد كان الملك نبوخذ نصر أعظم ملوك الإمبراطورية البابلية، جلب إلى بلاده خشب الأرز من لبنان، وغزا بجنوده الكثير من الأراضي وانتصر عليها، وأعطاه الله أرض مصر الغنية أجرة لجيشه كما نقرأ في سفر حزقيال "... أن كلام الرب كان إلي قائلاً. يا ابن آدم إن نبوخذ راصر ملك بابل استخدم جيشه خدمة شديدة على صور. كل رأس قرع وكل كتف تجردت ولم تكن له ولا لجيشه أجرة من صور لأجل خدمته التي خدم بها عليها. لذلك هكذا قال السيد الرب. هاأنذا أبذل أرض مصر لنبوخذ راصر ملك بابل فيأخذ ثروتها ويغنم غنيمتها وينهب نهبها متكون أجرة لجيشه. قد أعطيته أرض مصر لأجل شغله الذي خدم به لأنهم عملوا لأجلي يقول السيد الرب" (حزقيال 29: 17- 20).

بل إن الله أعطى للملك نبوخذ نصر سلطاناً واسعاً على الأرض كما نقرأ في سفر أرميا "هكذا قال رب الجنود.. إني أنا صنعت الأرض والإنسان والحيوان الذي على وجه الأرض بقوتي العظيمة وبذراعي الممدودة وأعطيتها لمن حسن في عيني  والآن قد دفعت كل هذه الأراضي ليد نبوخذ نصر ملك بابل عبدي وأعطيته أيضاً حيوان الحقل ليخدمه. فتخدمه كل الشعوب وابنه وابن ابنه حتى يأتي وقت أرضه فتستخدمه شعوب كثيرة وملوك عظام" (ارميا 27: 5- 7) أعطى الله لنبوخذ نصر كل هذا السلطان. وكان نبوخذ نصر بناءً من طراز فريد فبنى بابل عاصمة ملكه في أبهة وعظمة حتى أطلقوا عليها اسم "المدينة الذهبية". وبنى حدائق بابل المعلقة وهي إحدى عجائب الدنيا السبع تكريماً لزوجته سميراميس

انتهت حروبه وغزواته، وأكمل مشروعاته البنائية الضخمة، وأصبح مطمئناً في بيته وناضراً في قصره، أي متمتعاً بنضرة الصحة الكاملة.

وليس هناك أخطر من الاطمئنان المؤسس على النجاح المادي والممتلكات الأرضية. لقد كان هذا لاطمئنان إحدى الخطايا التي تسببت في حرق سدوم كما يقول الرب في سفر حزقيال "هذا كان إثم أختك سدوم الكبرياء والشبع من الخبز وسلام الاطمئنان كان لها ولبناتها ولم تشدد يد الفقير والمسكين. وتكبرن وتعلمن الرجس أمامي فنزعتهن كما رأيت" (حزقيال 16: 49- 50).

ما أكبر الفرق بين هذا الاطمئنان الزائف، وبين الاطمئنان المؤسس على الاتكال الكلي على الرب، هذا الاطمئنان العذب الذي عبر عنه داود بكلماته "الرب نوري وخلاصي ممن أخاف. الرب حصن حياتي ممن أرتعب.. إن نزل علي جيش لا يخاف قلبي. إن قامت علي حرب ففي ذلك أنا مطمئن" (مزمور 27: 1- 3).

دفع الاطمئنان الكاذب الملك نبوخذ نصر إلى الكبرياء. وليس بين الخطايا التي يتعرض لها البشر خطية أشد خطورة من الكبرياء، فهي خطية يكرهها الرب ويقاومها لأنها إعلان من الإنسان المتكبر عن استقلاله التام عن الله، وإنكار علني من جانبه لمراحم الله، وإحساسه باكتفائه الذاتي متصوراً نفسه في مرتبة الألوهية. لقد كانت الكبرياء هي خطية الشيطان التي تسببت في سقوطه المشين. والكبرياء خطية تنبع من القلب الشرير "لأنه من الداخل من قلوب الناس تخرج الأفكار الشريرة زنى فستق قتل، سرقة طمع خبث مكر عهارة عين شريرة تجديف كبرياء جهل. جميع هذه الشرور تخرج من الداخل وتنجس الإنسان" (مرقس 7: 21- 23).

والآن تعال معي لنقرأ بعض ما قاله الكتاب المقدس عن الكبرياء والمستكبرين.

"كذلك أيها الأحداث اخضعوا للشيوخ وكونوا جميعاً خاضعين بعضكم لبعض وتسربلوا بالتواضع لأن الله يقاوم المستكبرين وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة" (1 بطرس 5: 5).

"هذه.. يبغضها الرب.. وهي مكرهة نفسه. عيون متعالية" (أمثال 6: 16- 17).

"الرب حافظ الأمانة ومجاز بكثرة العامل بالكبرياء" (مزمور 31: 23).

"الكبرياء والتعظم وطريق الشر وفم الأكاذيب أبغضت" (أمثال 8: 13).

"تأتي الكبرياء فيأتي الهوان" (أمثال 11: 2).

"قبل الكسر الكبرياء وقبل السقوط تشامخ الروح" (أمثال 16: 18).

وقد حذر الرب يسوع تلاميذه من الكبرياء فقال "فمن يرفع نفسه يتضع" (متى 23: 12) (اقرأ أيضاً لوقا 14: 11- 18: 14).

الملك المنزعج الحزين
الصفحة
  • عدد الزيارات: 20765