Skip to main content

تقديم الكتاب

مما لا جدال فيه أن سفر دانيال من أهم أسفار الأنبياء في العهد القديم، وهو إلى جانب أهميته النبوية سفر عسر الفهم على الكثيرين. وقد قصد الله في حكمته أن يظل هذا السفر مختوماً إلى وقت النهاية، وأعلن أنه عند اقتراب وقت النهاية تزداد معرفتنا لمعانيه ونبدأ في فهم نبواته.

"أما أنت يا دانيال فأخف الكلام واختم السفر إلى وقت النهاية.كثيرون يتصفحونه والمعرفة تزداد" (دانيال12: 4).

"فقال اذهب يا دانيال لأن الكلمات مخفية ومختومة إلى وقت النهاية. كثيرون يتطهرون ويبيضون ويمحصون. أما الأشرار فيفعلون شراً ولا يفهم أحد الأشرار ولكن الفاهمون يفهمون" (دانيال12: 9- 10)

ولقد شبَّه دانيال في نبواته الإمبراطوريات القديمة، وآخر إمبراطورية قادمة بأربعة حيوانات عظيمة صاعدة من البحر (دانيال 7: 1- 7) ولما رأى هذه الحيوانات في حلمه يقول "أما أنا دانيال فحزنت روحي في وسط جسمي وأفزعتني رؤى رأسي. فاقتربت إلى واحد من الوقوف وطلبت منه الحقيقة في كل هذا. فأخبرني وعرفني تفسير الأمور. هؤلاء الحيوانات العظيمة التي هي أربعة ملوك يقومون على الأرض" (دانيال 7: 15- 17).

من هنا أسميت هذا الكتاب "الحيوانات الحاكمة"، لأن الملوك المذكورين في النص رمز لهم بالحيوانات إظهاراً لطبيعتهم الوحشية التي حكموا بها سكان الأرض. وكتاب "الحيوانات الحاكمة" هو تفسير لسفر دانيال، لم أهدف فيه إلى تفسير النبوات التي سجلها دانيال فقط بل هدفت أيضاً إلى التطبيق العملي لما جاء في هذا السفر الجليل على حياة المؤمنين. وسبب تركيزي على الناحية العملية هو إحساسي بحاجة المؤمنين إلى نماذج بشرية يتعلمون منها كيف يتصرفون التصرف السليم وهم يعيشون في ظروف تتشابه من وجوه كثيرة للظروف التي عاش فيها أبطال هذا السفر... دانيال، وشدرخ، وميشخ، وعبدنغو خلال حياتهم في بابل.. أرض السحر، والنجاسات، والأصنام.

لقد تعرض سفر دانيال للنقد الشديد من المفكرين الأحرار، وغيرهم من النقاد، ولكن نقدهم لم يقف أمام صدق نبوات هذا السفر العظيم، وقد ختم الرب يسوع المسيح على وحي نبوات سفر دانيال بكلماته"فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي قائمة في المكان المقدس. ليفهم القارىء... (متى 24: 15- 21) وكلمات ربنا المبارك هي الفيصل من جهة وحي كلمات سفر دانيال.

ولا بد لنا ونحن ندرس سفر دانيال أن نعرف العلاقة العضوية بين نبواته ونبوات سفر رؤيا يوحنا ونبوة جبل الزيتون، فبغير فهمنا لنبوات دانيال يصعب علينا فهم الكثير من نبوات سفر رؤيا كما يعسر فهمنا لنبوة جبل الزيتون (متى 24).

لقد كتبت هذا الكتاب بضعف الجسد، وأصلي أن يكون سبب بركة للمؤمنين ليسيروا في عالم اليوم الذي يشبه بابل من وجوه كثيرة كما سار دانيال وشدرخ، وميشخ، وعبدنغو في بابل القديمة. ولكي يدركوا أن سر الحياة المنتصرة التي عاشها هؤلاء لم تكن فيهم بل كانت في القوة التي منحها الله لهم. ولكي يدركوا في نفس الوقت أن كل الأحداث التي ذكرتها كلمات النبوة تتجمع اليوم ممهدةً الطريق لمجيء ربنا المبارك يسوع المسيح، وإذ يمتلكهم الرجاء بقرب عودة المسيح يعيشون حياة القداسة والتقوى كما قال بطرس الرسول "ولكن سيأتي كلص في الليل يوم الرب الذي فيه تزول السماوات بضجيج وتنحل العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها. فبما أن هذه كلها تنحل أي أناس يجب أن تكونوا أنتم في سيرة مقدسة وتقوى. منتظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب الذي به تنحل السماوات ملتهبةً والعناصر محترقةً تذوب. ولكننا بحسب وعده ننتظر سماوات جديدة وأرض جديدة يسكن فيها البر" (2 بطرس3: 10- 13).

إن رجاء عودة المسيح هو الدافع الأعظم للحياة الطاهرة كما قال يوحنا الرسول "أيها الأحباء الآن نحن أولاد الله ولم يظهر بعد ماذا سنكون. ولكن نعلم أنه إذا أظهر نكون مثله لأننا سنراه كما هو. وكل من عنده هذا الرجاء به يطهر نفسه كما هو طاهر" (1يوحنا 3: 2- 3).

إنني أضع كتاب "الحيوانات الحاكمة" عند قدمي المسيح، مصلياً أن يأخذه بين يديه، ويباركه، ويطعم به الكثيرين كما أخذ الخمسة أرغفة الشعير والسمكتين وأشبع بها الجماهير.

ولإلهنا المبارك الكريم كل مجد وسجود وحمد.

27 أغسطس 1984

الدكتور القس لبيب ميخائيل

  • عدد الزيارات: 6941