Skip to main content

الفصل الرابع: قيامة المسيح - رابعاً: تغير التلاميذ

الصفحة 5 من 5: رابعاً: تغير التلاميذ

رابعاً: تغير التلاميذ

لعل ما طرأ على التلاميذ من تغيّر ملحوظ، أعظم الأدلة القاطعة، لإثبات قيامة يسوع، لأنه خال من كل تزويق أو تنميق فلم يحاولوا في دعوتهم، أن يجذبوا الأنظار إليهم، بقدر ما رغبوا في أن يوجهوا النظر إلى القبر الفارغ، والأكفان الموضوعة، والرب الذي رأوه... وفي استطاعتنا أن نرى التغيير الذي طرأ عليهم واضحاً، دون أن يطلبوا منا ملاحظة ذلك، فالرجال الذين يحتلون المكانة في سفر الأعمال، هم رجال جدد يختلفون عنهم في الأناجيل، حيث ترك في نفوسهم موت المسيح، اليأس والقنوط فأصبحوا على قاب قوسين أو أدنى من الفشل والاستسلام لليأس، بينما نراهم في سفر الأعمال جماعة نذروا نفوسهم، وبذلوها رخيصةً لأجل اسم الرب يسوع المسيح، وقد فتنوا المسكونة وقلبوها رأساً على عقب (أعمال 15: 26، 17: 6) فما السبب في هذا التطور؟ ما هو السرّ الذي دفعهم إلى إيمانهم ومحبتهم، وقوتهم، وفرحهم الجديد؟ بدون ريب إن ليوم الخمسين وحلول الروح القدس، تأثيراً ولو جزئياً... ولكن الروح القدس حلّ فقط، عندما قام المسيح وصعد، وكأنما أطلقت القيامة سراح القوى الأدبية والروحية، وهنا يبرز مثالان: أولهما سمعان بطرس، ونراه وقد انزوى من قصة آلام المسيح، وأنكر سيده ثلاث مرات، وقال بقسم وهو يلعن أنه لم يعرف حلاوة تأثير يسوع في حياته، وخرج في ظلمة الليل البهيم وبكى بكاء مراً وحينما مات يسوع، انضم بطرس إلى رفاقه في العلية، خلف الأبواب المغلقة "بسبب الخوف من اليهود" (يوحنا 20: 19) وكان مكتئباً جداً... ولكن إذ نقلب صفحة أو صفحتين في الكتاب المقدس، نراه واقفاً- ربما على الدرج الحجري للعلية نفسها، حيث كان يختفي في أورشليم- نراه واقفاً يجاهر بكل قوة وجسارة، أمام جمهور عظيم جداً، بدرجة أن ثلاثة آلاف نفساً قبلت المسيح وتعمدت... وإذ ننتقل إلى الإصحاحات التالية من سفر الأعمال، نراه يتحدى أعضاء السنهدريم الذين حكموا على يسوع بالموت- يتحداهم فرحاً مسروراً لأنه حُسب مستأهلاً أن يُهان من أجل اسمه، كما نراه- فيما بعد- في سجنه نائماً، في الليلة السابقة لإعدامه وقتله.. (أعمال 2: 14- 41، 4: 1- 22، 5: 41، 12: 1- 6) فقد أضحى سمعان بطرس إنساناً جديداً، وقد ذهبت الرمال المتزعزعة الخاوية، وظهر كالصخر الحقيقي، وفقاً لتسميته، فما هو السر في هذا التطور العجيب؟!

والمثال الثاني هو يعقوب، الذي أسند إليه مركز القيادة في أورشليم فيما بعد، إنه أحد "أخوة الرب" الذين تذكرهم الأناجيل بأنهم "لم يكونوا يؤمنون به" (يوحنا 7: 5) وما أن نصل إلى الإصحاح الأول من سفر أعمال الرسل، ونقرأ أسماء المجتمعين الذين سجلهم لوقا، حتى نجد "أخوته" بينهم (ع 14) ومن الواضح أن يعقوب الآن أصبح في عداد المؤمنين... فما هو السر في هذا التطور العجيب؟! وما الذي أقنعه؟ ربما نكتشف السر فيما كتبه بولس في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس (15: 7) وهو يعدّد أسماء الذين رأوا المسيح المقام، واضعاً بينهم يعقوب في قوله: "وبعد ذلك ظهر ليعقوب".

إنها القيامة التي حولت جبن بطرس إلى شجاعة وجرأة، وحولت شكوك يعقوب إلى إيمان... إنها القيامة هي التي أبدلت السبت بالأحد والبقية اليهودية المختارة، إلى الكنيسة المسيحية، إنها القيامة التي غيرت شاول الطرسوسي، من فريسي ناموسي إلى رسول للأمم وحولت اضطهاده المرير للمسيحيين، إلى كرازة باسم المسيح.

هذه هي دلائل القيامة!

وبما أن القبر ظل فارغاً، والأكفان بقيت فيه موضوعة، والرب قد ظهر ورأوه، والتلاميذ تغيروا وتطوروا... فلا يبقى من دليل آخر سوى تأكيد الحقيقة المسيحية العظيمة! "الرب حقاً قام".

تناولنا في الفصول الثلاثة السابقة، بعين الفحص والاستقصاء الناقدة، أعظم شخصية جذابة عرفها التاريخ... ألا وهي شخصية النجار المتواضع الذي من ناصرة الجليل، الذي أصبح كارزاً للبسطاء والقرويين، ومات موت الأثمة المجرمين.... كانت دعاويه فائقة للطبيعة وسامية جداً، وبدا متحلياً بكل كمال أدبي، قام من بين الأموات، وهل هناك من دليل جامع مانع أعظم من هذا؟ ولكن يعوزه خطوة صغيرة قصيرة، هي الإيمان الذي يأتي بنا، لنسجد على ركبنا أمامه، ونضع في شفاهنا، ذلك الاعتراف الجبار، الذي نطق به قبلنا توما الشكوك فقال: "ربي وإلهي" وكل من ينكر أن "يسوع المسيح جاء في الجسد فليس من الله، بل صار ضد المسيح" (1 يوحنا 2: 22، 4: 2، 3، 2 يوحنا 7) فإذا آمنتم بها أو بالحري آمنتم به، تكون لكم حياة أبدية باسمه (يوحنا 20: 21).

الصفحة
  • عدد الزيارات: 13121