Skip to main content

الفصل الرابع: قيامة المسيح - ثانياً: الأكفان الموضوعة في القبر

الصفحة 3 من 5: ثانياً: الأكفان الموضوعة في القبر

ثانياً: الأكفان الموضوعة في القبر

ومما هو جدير بالذكر، أن الأناجيل التي قالت بأن جسد المسيح لم يكن في القبر، تؤكد أن الأكفان كانت موضوعة فيه، وقد نبّر يوحنا على هذه الحقيقة، لأنه رافق بطرس وأتيا كلاهما إلى القبر، وكان الاثنان يركضان معاً، ولعله فيما ذكر في (20: 1- 10) يشهد يوحنا شهادة عيان، فهو يصف ما رآه بنفسه، وهو هو الذي يشير إلى نفسه بالقول: "التلميذ الآخر الذي كان يسوع يحبه" (ع 2) وقد سبق بطرس وجاء أولاً إلى القبر، ولم يفعل شيئاً سوى أنه ألقى نظرة، وظل بانتظار رفيقه بطرس، فلما جاء سمعان بطرس دخل القبر "فحينئذ دخل أيضاً التلميذ الآخر الذي جاء أولاً إلى القبر ورأى فآمن" (ع 8). وهنا يبتدرنا السؤال: "ما الذي رآه وجعله يؤمن؟" وترينا القصة بوضوح، أنه لم يكن القبر الفارغ فحسب، أو عدم وجود جسد المسيح فيه، بل الأكفان الموضوعة في نظام وترتيب، كما لو أنها لم تلمس بيد.

كتب القس "هنري لاثام" الأستاذ في جامعة كمبردج سابقاً، كتب في كتابه المدعو: "السيد المقام" ما معناه:

"هيا بنا نعيد القصة كما سجلها يوحنا البشير في (19: 38- 42) يذكر يوحنا أن يوسف الذي من الرامة سأل بيلاطس أن يأخذ جسد يسوع، وأن نيقوديموس "جاء... وهو حامل مزيج مر وعود نحو مئة مناً" فأخذا جسد يسوع ولفّاه بأكفان مع الأطياب، كما لليهود عادة أن يكفّنوا" أي كما يلفون الجروح بضمادات، حول جسده، ثم رشوا الأطياب عليها، ولا ريب أن الرأس ملفوف وحده بلفاف أو منديل مستقل، كما كان لعازر (يوحنا 11: 44) وهكذا لف يوسف ونيقوديموس جسد المسيح لفاً محكماً- الجسد والرأس- تاركين الوجه والرقبة عريانتين، حسب العادات المألوفة إذ ذاك، ثم وضعا الجسد في قبر جديد، لم يوضع فيه أحد قط... ولنفرض أننا كنا عند القبر في وقت القيامة، ماذا كنا نرى؟ هل نرى يسوع وهو يتململ أولاً، ثم يتثاءب، ثم يقوم ناهضاً؟ كلا... إننا لا نؤمن أن قيامته كانت بهذا المعنى، أي أنه عاد إلى الحياة ثانية، فلم يفق من غيبوبة. إنه مات حقاً، وقام ثانية من بين الأموات، قيامة حقيقية بكل معنى الكلمة، وليست عودة ثانية إلى الحياة، وإيماننا إنه جاز واختبر الموت، بطريقة معجزية عجيبة وقام من جديد.

ولو كنا هناك عند القيامة ماذا كنا نرى أيضاً؟

نشاهد كيف اختفى الجسد فجأة، وكأنه قد "تبخّر" إن صح القول، متحولاً إلى عنصر جديد عجيب، يختلف كل الاختلاف عن ذي قبل، قام وترك الأكفان موضوعة كما كانت، دون ما تغيير يُذكر، كما دخل والأبواب مغلقة... ولا يبعد أن تغييراً طفيفاً حدث، بسبب خروج الجسد، الذي كان يدعمها، وتحت ضغط وثقل الأطياب التي بلغت مئة مناً (نحو خمسين كيلوغراماً) كما أنه لا بد من حدوث ثغرة أو انخفاض بين أكفان الجسد، ولفافة الرأس حيث كان رأسه ورقبته، وفي منديل الرأس، بسبب نمط وطريقة اللف المتقاطعة المستعملة في تلك الأيام.

وإذا أنعمنا النظر في درس ما كتبه يوحنا في هذا الصدد، نلاحظ ثلاثة أشياء، يذكرها التلميذ الحبيب عن الأكفان:

1- "رأى الأكفان موضوعة": وقد تكررت كلمة "موضوعة" مرتين في العددين 5، 6، وفي اللغة الأصلية أي اليونانية تعني "رآها كما كانت موضوعة".

2- المنديل الذي كان على رأسه ليس موضوعاً مع الأكفان بل ملفوفاً في موضع وحده، والكلمة المترجمة "ملفوفاً" تعني في لغتها الأصلية، مستديرة كما لو كان الرأس في داخلها... وليس من الصعب، أن نتخيل المنظر الذي رآه التلاميذ المتحيرون لما جاءوا إلى القبر، ودخلوا... لقد رأوا الحجر المرفوع، والأكفان الموضوعة، والمنديل الذي على الرأس لم يكن معها.. كما رأوا الهبوط القائم بين المنديل، وبين الأكفان على الجسد.. فلا غرابة إن كان قد "رأى وآمن" لأن نظرة واحدة إلى هذه الأكفان، تؤيد حقيقة القيامة وتدل على طبيعتها، فإن هذه الأكفان، لم تلمسها يد إنسان، ولم ترتبها قوى بشرية، بل كأنها فيلجة خرجت منها الفراشة بعد تطورها، وعسانا ندرك أن هذه دلائل شاهد عيان، قُصد منها أن تكون دليلاً واضحاً قاطعاً على القيامة، استناداً إلى الواقع- كما يسجل يوحنا- بأن مريم المجدلية (التي عادت ثانية إلى القبر بعد أن أخبرت بطرس ويوحنا) "انحنت إلى القبر ونظرت ملاكين بثياب بيض جالسين واحداً عند الرأس والآخر عند الرجلين" (20: 11، 12) والمحتمل أنهما كانا جالسين على الحجر المرفوع، والأكفان بينهما، ويضيف متى ومرقس، أن أحد الملاكين قال للمرأتين: "ليس هو ههنا لأنه قام كما قال. هلما انظرا الموضع الذي كان الرب مضطجعاً فيه" (متى 28: 6، مرقس 16: 6) وعسانا نرى في إشارة الملاك إلى الموضع الذي كان يسوع مضطجعاً فيه، وفي وضع وكلمات الملاكين، ما يؤيد الحقيقة بأن الأكفان الموضوعة، وعدم وجود جسد المسيح، كانتا شهادتين قويتين لتأييد حقيقة القيامة.

ثالثاً: رؤية الرب
الصفحة
  • عدد الزيارات: 13123