الفصل الثالث: طبيعة المسيح وسجاياه
وصلتني- منذ بضع سنوات- رسالة من شاب، عرفته معرفة سطحية، قال في رسالته: "لقد اكتشفت اكتشافاً عجيباً عظيماً، وهو أن الله القادر على كل شيء، كان له ابنان: الأول هو يسوع المسيح، والثاني هو أنا". أخذت الرسالة فاحصاً، وإذا بي أجد أنها صادرة عن أحد مصحات الأمراض العقلية ...
كم من أدعياء في هذا الوجود، يدّعون العظمة والتأليه.. قد غصّت- بل ضاقت بهم- مصحات الأمراض العقلية، فهذا يدعي أنه يوليوس قيصر، وذاك يحسب نفسه رئيساً كبيراً، أو ملكاً أو إمبراطوراً، وآخر يدعي أنه يسوع المسيح.. ولكن من ذا الذي يسير في ركابهم، أو يصدق ادعاءاتهم، سوى نفوسهم المريضة... وليس لهم أتباع، اللهم من كان مريضاً مثلهم، ذلكم لأن حياتهم لا تؤيد أقوالهم، فيفشل إدعاؤهم، ويظهر كذب افترائهم.
ومما يدعم إيمان المسيحي بمسيحه، إنّ المسيح كان واحداً، قولاً وعملاً، ظاهراً وباطناً، فلم يكن من تناقض بين أقواله وأعماله، وبين كلامه وحياته، فقد كان المسيح فريداً عجيباً، وقال عنه أحدهم: "إننا نشعر باستياء واشمئزاز، إذا ما وضع اسم يسوع المسيح، بين أسماء البشر أمثال كونفوشيوس وبوذا وغوتيه، لأنه أسمى من أن يوضع في قائمة البشر، أو على قدم المساواة مع الناس، لأن يسوع ليس فرداً بين مجموعة العظماء في العالم، ولك أن تتحدث ما شئت عن الإسكندر الأكبر أو شارلمان أو نابليون... ولكن تذكر أن يسوع أعظم وأسمى، فهو ليس العظيم فحسب بل هو الوحيد، إنه يسوع.... وهو فوق إدراكنا وفوق مستوانا، أرفع وأعلى من أن نتناوله بالتحليل والتمحيص، لأنه هو الذي يمحصنا ويفحصنا، هو الذي أمامه يتقلص انتقادنا، وهو الذي يرعب أرواحنا.
ويروى عن تشارلس لام قوله: "لو دخل شكسبير إلى هذه الغرفة، لأسرعنا جميعاً لملاقاته، ولكن لو جاء "الواحد" إليها، ينبغي أن نسقط على وجوهنا، ونحاول جادّين أن نقبل ولو هدب ثوبه".
ويهمنا في الدرجة الأولى، أن نبيّن بأنّ يسوع يف في صفٍ وحده، فلا يجب أن نرضى بأن يقال عنه "أعظم إنسان في التاريخ" ولا نستطيع أن نتحدث عن يسوع في صيغة المقارنة والتفضيل، فالقضية أمامنا، ليست قضية مقارنة أو مقابلة، بقدر ما هي قضية تعاكس وتناقض، وقد سأل يسوع الشاب الغني قائلاً: "لماذا تدعوني صالحاً؟ ليس أحد صالحاً إلاّ واحد وهو الله" وكان ينبغي أن نجيب بالقول: "هذا صحيح وبالضبط، فليس الأمر، إنك أفضل من الآخرين، ولا حتى إنك أفضل الجميع، بل إنك صالح.. صالح بكل معنى الكلمة، صالح كل الصلاح الذي في الله".
إنّ هذه الدعوى هامة، فالخطية مرض مزمن معدٍ بين البشر، وقد ولدنا، والعدوى في طبيعتنا "هوذا بالإثم صورت وبالخطية حُبِلَت بي أمي". والخطية مرض عام، إذاً بما أنّ يسوع الناصري، كان بلا خطية، فلا يمكن أن يكون مجرد إنسان مثل باقي الناس.. ومادام بلا خطية، فهو يختلف عني وعنك، لقد كان فائق الطبيعة وكما قال الأستاذ جايمس داني، عميد الكلية الحرة في غلاسكو، في كتابه: "دراسات في اللاهوت" "إن انعزال المسيح عن الخطاة، ليس بالأمر الهيّن البسيط، لكنه على خطورة بمكان، لأنه يتضمن معنى الفداء، وهي الفضيلة التي لولاها، لما صار أهلاً لأن يكون مخلصاً بل لأصبح هو نفسه، في حاجة إلى الخلاص مثلنا".
ومن المفيد أن نلخص البراهين على أنّ المسيح بلا خطية، تحت أربعة مواضيع:
- عدد الزيارات: 10485