الفصل الرابع: قيامة المسيح
درسنا فيما تقدّم الدعاوي السخية، التي نسبها يسوع إلى نفسه، ورأينا طبيعته المنزهة عن كل أنانية، وها نحن الآن بصدد فحص الدليل على قيامته التاريخية من بين الأموات.
يبدو واضحاً أن للقيامة أهمية عظمى، فلو استطعنا أن نثبت قيامة يسوع الناصري من الأموات، لما كان هناك أدنى شك أو خلاف في أن يسوع شخص فريد وعجيب، وليست المسألة مسألة بقائه حياً روحيّاً، ولا إعادته إلى الحياة جسدياً، بل غلبته على الموت، وقيامته إلى أفقٍ جديدٍ من الوجود. ولم يجز في مثل هذا الاختبار شخص آخر سواه، ولهذا يقف الإنسان العصري، في وقتنا الحاضر، موقف السخرية والاستهزاء، كما وقف الفلاسفة الأثينيون من بولس، وهو يتكلّم عن قيامة الأموات، في أريوس باغوس، الذي قال عنهم الكتاب: "ولما سمعوا بالقيامة من الأموات كان البعض يستهزئون" (أعمال 17: 32).
ربما لا نشعر أن قيامة يسوع، تثبت لاهوته، ولكن ينبغي أن نتفق بأنّها تشير إليه، ومن المناسب أن نفكّر أنَّ الشخص الفائق الطبيعة، يدخل هذا العالم ويخرج منه، بطريقة فائقة للطبيعة... وهذا ما ينسجم في الواقع، مع تعليم العهد الجديد، ومع ما تؤمن به الكنيسة، ولَئِن كانت ولادته طبيعياً، فإن الحبل به كان فائقاً للطبيعة، وإن كان موته طبيعية، فقيامته فائقة للطبيعة، وإن لم يثبت الحبل به معجزياً، وقيامته، إن لم يثبتا كلاهما لاهوته، لكنهما تتفقان وتنسجمان مع لاهوته، وليس المقصود هنا، أن نخوض البحث فيما نسميه "بالولادة من العذراء" إلا أن هناك من الأسباب ما يكفي لتصديقها والإيمان بها، حتى ولو لم يستخدمها العهد الجديد، لكي تبرهن على أنه المسيّا أو أنه ابن الله،كما هو الحال في مسألة القيامة من الأموات.. وما من مرة تنبأ يسوع عن آلامه وموته، إلا واقترن بها ذكر قيامته أيضاً- ووصف قيامته بأنها آية أو معجزة، ويكتب الرسول بولس في بداءة رسالته إلى أهل رومية عن المسيح قائلاً: "وتعين ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات" (رومية 1: 4) كما تؤكد أقوال ومواعظ الرسل، المسجلة في سفر الأعمال، إن بالقيامة أبدل الله حكمه الأول، الذي يقضي بأن النفس التي تخطئ هي تموت، بحكم آخر، زكىّ فيه ابنه الذي بذله لأجلنا أجمعين.
وهاكم لوقا المؤرخ الدقيق، يسجل عن القيامة، بأنها مدعومة "ببراهين كثيرة" (أعمال1: 3) وربما لا نحتاج أن نصل إلى ما قاله متى ارنولد عن القيامة بأنها "أقوى حقيقة مدعومة في التاريخ" والحق يقال إن عدداً كبيراً من العلماء المنصفين، أيدوا صحة القيامة تأييداً تاماً، فقد كتب السر ادوارد كلارك إلى قسيس صديق له في هذا العدد، قائلاً: "بوصفي محام درست البراهين والبيّنات المختصة بموضوع قيامة المسيح، دراسة دقيقة مطولة، وأقرر أنها أمر حقيقي واقع، لا يأتيه الشك من الأمام أو الخلف، وكم من مرة ربحت في المحكمة العليا أحكاماً، استناداً إلى بعض البيّنات والدلائل، التي لا توازي في قيمتها شيئاً إذا ما قُورِنَت بالأدلة المؤيدة للقيامة، والمألوف أن الاستنتاج يتبع عادة الدليل والبينة، ونلاحظ أن الشاهد الصادق الأمين، يتصف ببساطة القلب، وعدم الاكتراث بالنتائج، ولعل ما تتضمنه الأناجيل من أدلة وبراهين قاطعة عن القيامة، تجيء تحت هذا النوع، وبوصفي محام، فإنني أعلن قبولي للإنجيل بدون تحفظ، متخذاً إياها شهادة صادقة من رجال موثوق بهم، سجلوا حقائق مدموغة بالدليل القاطع".
فما هو هذا الدليل إذاً؟
وجواباً على ذلك، سنحاول أن نلّخصه في أربع حقائق:
- عدد الزيارات: 13165