Skip to main content

عناصر الاختيار السديد - عنصر التيقن من تمام الفكرة

الصفحة 5 من 7: عنصر التيقن من تمام الفكرة

(4) عنصر التيقن من تمام الفكرة:

إلى هنا وكل شيء يسير في الطريق السليم مع إبراهيم.. لكن هل تمت الفكرة من كل الوجوه ليستريح قلبه لطلب يد هذه الفتاة لإسحق.

لا جدال في أن الله قد أعطى حكمة خاصة لهذا العبد الأمين. فالعلامة التي وضعها الرب للتأكد من معرفة مشيئته, لم يضعها اعتباطاً.. لقد أراد أن تكون الفتاة التي ستصبح زوجة لإسحق الطيب. المسالم. الوديع, هي فتاة الميل الثاني.. الفتاة المستعدة للخدمة والتضحية إلى أكثر مما يطلب منها "الفتاة التي أقول لها أميلي جرتك لأشرب فتقول اشرب وأنا أسقي جمالك أيضاً هي التي عينتها لعبدك إسحق"

والآن عليه أن يتأكد من وضع أسرتها.. أن يعرف أهلها.

"وحدث عندما فرغت الجمال من الشرب أن الرجل أخذ خزامة ذهب وزنها نصف شاقل وسوارين على يديها وزنهما عشرة شواقل ذهب. وقال بنت من أنت. أخبريني. هل في بيت أبيك مكان لنا لنبيت؟".

لقد طالما ادعينا أننا نعيش في عصر تقدمت فيه العلوم الإنسانية, ودرس فيه الإنسان مكنونات النفس البشرية. لكننا هنا أمام عبد إبراهيم الذي عرف في زمانه أكثر مما يعرف الكثيرين في عصرنا..

كانت أسئلته دقيقة وصريحة..

بنت من أنت؟!

هل أنت من عشيرة إبراهيم؟ هل أنت من بيت محافظ به مبادئ ومثل وأخلاق فاضلة؟

بنت من أنت؟

أخبرني؟!

هل في بيت أبيك مكان لنا لنبيت؟

كان إبراهيم غنياً جداً في المواشي والفضة والذهب "الرب.. أعطاه غنماً وبقراً وفضة وذهباً وعبيداً وإماء وجمالاً وحميراً" (تكوين 24: 35), وكان اسحق هو الوريث الوحيد لكل هذا الغنى وهذا المجد "وولدت سارة امرأة سيدي ابناً لسيدي بعدما شاخت فقد أعطاه كل ما له" (تك 24: 36).

والآن هل تربت هذه الفتاة في بيئة مماثلة؟ هل هي من بيت كريم؟

"هل في بيت أبيك مكانا لنا لنبيت؟"

لو أنها كانت من بيت فقير مملق, فإنها ستفاجأ بغنى إسحق ومجده, وستفقد إتزانها, ولن تستطيع المواءة بين ماضيها وتربيتها, وبين الحياة في مجد وغنى زوجها.. وبهذا لن تصلح للزواج من إسحق الكريم العظيم.

"هل في بيت أبيك مكان لنا لنبيت؟"

"فقالت له أنا بنت بتوئيل ابن ملكه الذي ولدته لناحور. وقالت له عندنا تبن وعلف كثير ومكان لتبيتوا أيضاً".

إذاً فهي من عشيرة إبراهيم.

وهي في ذات الوقت قد تربت في بيت موفور الغنى وكريم.

"فخر الرجل وسجد للرب".

"وقال مبارك الرب إله سيدي إبراهيم الذي لم يمنع لطفه وحقه عن سيدي إذا كنت في الطريق هداني الرب إلى بيت إخوة سيدي".

استمر عبد إبراهيم في متابعة معرفة تمام الفكرة.

"فركضت الفتاة وأخبرت بيت أمها بحسب هذه الأمور. وكان لرفقة أخ اسمه لابان. فركض لابان إلى الرجل خارجاً إلى العين. وحدث أنه إذ رأى الخزامة والسوارين على يدي أخته ولإذ سمع كلام رفقة أخته قائلة هكذا كلمني الرجل جاء إلى الرجل وإذا هو واقف عند الجمال على العين. فقال ادخل يا مبارك الرب. لماذا تقف خارجاً وأنا قد هيأت البيت ومكانا للجمال. فدخل الرجل إلى البيت وحل عن الجمال. فأعطى تبناً وعلفاً للجمال وماء لغسل رجليه وأرجل الرجال الذين معه. ووضع قدامه ليأكل" (تك 24: 28 - 33).

البيت إذاً بيت كريم. وهناك تناسب بين البيئة التي تربت فيها رفقة, والتي تربى فيها اسحق.

بقي أن يتأكد العبد من ثلاثة أمور:

أولاً: إن رفقة لن تكون سبباً في إرجاع اسحق عن ما قصده الله في حياته.

ثانياً: إن رفقا توافق برضاها التام عن هذا الزواج.

ثالثاً: إن أسرة رفقة توافق على هذا الزواج موافقة صريحة. وهذه كلها عناصر جوهرية للزواج السعيد.

قال عبد إبراهيم بعد أن وضع قدامه الطعام "لا آكل حتى أتكلم كلامي" (تك 24: 33).

وقص عبد إبراهيم قصته كاملة, بغير خداع أو تزييف, وهنا أركز على القول بأن الزواج السعيد, هو الزواج الذي يتأسس على الصدق والإخلاص من البداية.. فلا خداع في أية ناحية من التفاصيل التي تخص الزواج القادم.. ذلك لأن الخداع عندما يكشف عنه القناع, لا بد أن يكشف عنه القناع سيولد مرارة في القلب ويجلب على الأسرة التعاسة والشقاء.

واستمع أفراد أسرة رفقة وعلى رأسهم "لابان وبتوئيل" إلى حديث عبد إبراهيم, ورد لابان وبتوئيل على العبد وقالا "من عند الرب خرج الأمر. لا نقدر أن نكلمك بشر أو خير. هوذا رفقة قدامك. خذها واذهب. فلتكن زوجة لابن سيدك كما تكلم الرب" (تك 24: 50 - 51).

وتأكد العبد أن رفقة لن تكون سببا في إرجاع إسحق عن ما قصده الله في حياته.. وأن أسرتها وثقت تماماً أن زواجهما من إسحق هو مشيئة الرب, ووافقت موافقة صريحة على هذا الزواج.

وهنا أقف مرة ثانية لأقول إن موافقة الأسرتين على الزواج أمر جوهري للزواج السعيد, فالشاب لا يتزوج فتاة ليعزلها عن أسرتها, والفتاة لا تتزوج شاباً لتفصله عن أسرته, وإنما الزواج يربط أسرتين معاً برباط الدم. وموافقة الأسرتين شرط أساسي للزواج السعيد. فليحذر كل شاب من أن يتزوج بغير رضا والديه ووالدي الفتاة التي اختارها, ولتحذر كل فتاة من أن تتزوج بغير رضا والديها ووالدي الشاب الذي وافقت على زواجه. ذلك لأن الأيام القادمة ستدفع كلا منهما إلى الإحساس بالذنب, وخصوصاً حين تدخل السحب القاتمة حياتهما.. وإن عاجلاً أو آجلاً ستزحف التعاسة إلى بيتهما ويدركان بعد فوات الأوان خطأ تصرفهما ورعونتهما.

وكان آخر ما لا بد أن يتأكد منه عبد إبراهيم هو موافقة "رفقة" برضى وسرور عن هذا الزواج.

"فدعوا رفقة وقالوا لها هل تذهبين مع هذا الرجل؟ فقالت أذهب" (تك 24: 58).

هنا تمت فكرة الزواج بكل جوانبها على أساس اختيار الأسرة, وعلى أساس الصلاة الحارة, وعلى أساس التفرس في الصورة, وعلى أساس التيقن من تمام الفكرة.. لذا فلا عجب أن يكون هذا الزواج أسعد زواج "فأدخلها إسحق إلى خباء سارة أمه وأخذ رفقة فصارت له زوجة وأحبها. فتعزى اسحق بعد موت أمه" (تك 24: 67).

هنا أرى أنه لا بد من إضافة عنصر آخر هام أهمله الكثيرون من المؤمنين الشبان والفتيات في هذا العصر, ونتج عنه ما نراه من خراب وشقاء في حياة الكثيرين, هذا العنصر هو:

عنصر الحياة المبررة
الصفحة
  • عدد الزيارات: 16083