Skip to main content

الإحتِفالُ بالفُرُوقات - وُجهَة نَظَر شخصيَّة

الصفحة 6 من 7: وُجهَة نَظَر شخصيَّة

وُجهَة نَظَر شخصيَّة

لقد كُنتُ مُؤمِناً عندما تزوَّجنا أنا وزوجَتي، ولكنِّي كُنتُ حينئذٍ شابَّاً مملوءاً بالغَضبِ والغيظ أيضاً. ولكن كانَ عليَّ أن أتعلَّمَ ما تقولُهُ كلمةُ اللهِ عن الغَضَب. وذاتَ مرَّةٍ سحقتُ جهازَ رادِيو صغير بقبضَتِي، فأحدثتُ فجوةً كبيرةً في جهاز الراديو وكأنَّ قُنبُلةً أصابته. وعندما انتقلنا بعدَ أن حدثَ هذا بسنتين إلى وِلايةٍ فلوريدا، أخذت زوجَتي هذا الراديو معنا. ولقد وضعتهُ فوقَ سريرِنا الذي كان يحتوى على مكتبةٍ صغيرةٍ من جهةِ أريكةِ الرأس، لكي تُذكِّرَني. ولقد حاولتُ أن أشرحَ لها عندما كُنَّا نُحاوِلُ أن نتفهَّمَ بعضُنا بعضاً، أنَّني لم أكُن غاضِباً منها شخصيَّاً. بل كُنتُ غاضِباً من ذلكَ المُوظَّف في المصرِف الذي أجبَرني على الاعتراف بسوءِ إدارَتِي للمال، لأنَّني كُنتُ أتقدَّمُ بِطَلَبٍ لقرضٍ مصرِفي. ولقد غَضِبتُ كثيراً حِيالَ سوءِ إدارَتي للمال، فسحقتُ الراديو بقبضَتِي.

هناكَ أسئلة ينبغي عليكَ طرحها دائماً بخُصُوصِ غَضَبِك. لماذا أنتَ غاضِبٌ؟ وممَّن أنتَ غاضِبٌ؟ وما هو مصدَرُ غضبِك؟ وما هو موضُوعُ غضبِكَ الحقيقي؟ سوفَ تُلاحِظُ أنَّه نادراً ما سيكونُ هو الشخصُ الذي تصبُّ جامَ غضبِكَ عليه. فأنتَ عادةً غاضِبٌ من نفسِك، كما كانت الحالُ معِي. فقد تكونُ مثلاً غاضِباً من رئيسِكَ في العمل، ولا تستطيعُ أن تضرِبهُ بقبضَتِك على وجهِه، فَتضربُ قبضَتَكَ على شيءٍ آخر عندما تصلُ إلى المنـزل. فحتَّى ولو بدا وكأنَّكَ غاضِبٌ من زوجَتِك، ولكنَّكَ لن تكونَ غاضِباً منها. وقد لا تكونُ غاضِباً ولا حتَّى من رئيسِكَ في العمل. بل ستكونُ غاضِباً من نفسِكَ. من المُهمِّ جداً لكَ ولِشريكَةِ حياتِكَ أن تفهَمَ مصدَرَ غضَبِك.

أعتقِدُ أنَّهُ من الواضِح تماماً في المقطع الذي إقتَبسناهُ أعلاه عن الغَضَب أنَّ اللهَ لا يسمحُ للمؤمِن بالمسيح والمملوء بالروحِ أن يغضَب. بعضُ ترجماتِ الكِتابِ المقدَّس تقول، "إغضَبُوا ولا تُخطِئوا" (أفسُس 4: 26). كثيرونَ يتَّخِذُونَ من الكَلِمَةِ الأولى ذريعةً وشعاراً لِحياتِهم. "إغضبوا." ولكن ترجماتٌ أفضَل للكتابِ المُقدَّس تقول، "عندما تغضَبُوا، لا تُخطِئوا." فاللهُ واقِعِيٌّ بما فيهِ الكِفاية لكي يعرِفَ أنّنا سنغضَبُ. ولكن لا تدع الغضب يقودُكَ للخطيَّة، ولا تدَعْ الشمس تغرُب على غيظِكَ. والمُهِمُّ هو ما يقولُهُ النص، "ليُرفَع من بينِكُم كُلَّ مرارةٍ وسخطٍ وغضب…" (أفسُس 4: 26- 27).

عندما أدرَكتُ أنَّ اللهَ يُخبِرُني في كَلمتِهِ أنَّهَ ينبَغي عليَّ أن لا أغضَبَ، بل أن أطرَحَ الغضبَ جانِباً، تساءَلتُ، "ولكن كيفَ ذلكَ؟" فقادَني سُؤالي إلى إصحاحٍ في سفرِ التكوين، الذي ليسَ فقط منحَني أجوبَةً على سُؤالي، بل وحرَّرَني من الغَضَبِ أيضاً. وأنا أنصَحُكَ بهذا الإصحاح عندما تتعامَلُ معَ الغضَب.  إنَّهُ من أعظم قصص الكتاب المقدَّس:

"وحدثَ من بعدِ أيَّامٍ أنَّ قايين قدَّمَ من أثمارِ الأرضِ قُرباناً للربِّ. وقدَّمَ هابيلُ أيضاً من أبكارِ غنمِهِ ومِن سِمانِها. فنظرَ الربُّ إلى هابيل وقُربانِهِ. ولكن إلى قايين وقُربانِهِ لم ينظُرْ. فاغتاظَ قايينُ جِدَّاً وسقطَ وجهُهُ. (وهذا يعنِي أنَّهُ أُصِيبَ بالاكتئاب." فقالَ الربُّ لِقايين لِماذا اغتظتَ ولماذا سقطَ وجهُكَ. إن أحسنتَ أفلا رفعٌ. وإن لم تُحسِن فعندَ البابِ خطيَّةٌ رابِضةٌ وإليكَ اشتياقُها وانتَ تسودُ عليها. وكلَّمَ قايينُ هابيلَ أخاه. وحدثَ إذا كانا في الحقلِ أنَّ قايين قامَ على هابيل أخيهِ وقتله. فقالَ الربُّ لِقايين أينَ هابيل أخوك. فقالَ لا أعلم. أحارِسٌ أنا لأخي. فقالَ [اللهُ] ماذا فعلتَ؟" (تكوين 4: 3-10).

في هذه الدراما الصغيرة، يُوجدُ تعليمٌ عظيمٌ عن الغضب. لديكَ رجُلان، السيد مقبُول والسيِّد مرفوض. كِلاهُما قدَّما تقدماتٍ لله. لقد كانت الفِكرةُ فكرةَ قايين. والآن، اللهُ سُرَّ بهابيل وتقدِمتِهِ، أما بقايين وتقدِمَتِهِ فلم يُسَرّ. بصراحة أنا لا أعتقِدُ أنَّنا نعلَمُ ما هو الشيء الذي لم يقبلهُ اللهُ في تقدِمةِ قايين. لقد كانَ مُزارِعاً، ولا بُدَّ أنَّهُ قدَّمَ من ثِمارِ الأرض. والقصَّةُ لا تقولُ أنَّهُ لم يأتِ بأفضَلِ نِتاجِه.

أمَّا هابيلُ فكانَ راعِي غنم، فقدَّمَ ذبيحةً حيوانِيَّة. كثيرونَ قالوا أنَّ القضِيَّة كانت أن أحدِ التقدِمتين كانت ذبيحةً دمويَّة أما الأُخرى فلا. ولكن لم يكُن هُناكَ حتَّى هذه المرحلة أيُّ تعليمٍ بعد في الكتابِ المقدَّس عن الذبائح الدمويَّة. أعتقدُ أنَّ التشديد هو على الرجُلَين، أكثر ممَّا هو على الذبيحَتَين. فواحِدٌ منهُما مقبُولٌ، لهذا قبِلَ اللهُ تقدِمَتَهُ. والآخر غيرُ مقبُول، فلم يقبَل اللهُ تقدِمَتَه.

وتستمِرُّ الدراما. فالسيِّد مقبُول إجتازَ مُقابِلَ السيِّد غير مقبُول، وإذا بالسيِّد غير مقبُول يقتُله. لقد ضربَهُ حتَّى الموت. ثم جاءَ اللهُ إلى قايين وسألَهُ، "لماذا اغتظتَ؟ ولماذا سقطَ وجهُكَ؟ إذا أحسنتَ التصرُّفَ، ألن تُصبِحَ مقبُولاً؟ ولكن إن لم تُحِسن التصرُّف، فإنَّ سوءَ تصرُّفِكَ سوفَ يُدمِّرُك ويقضِي عليك."

لقد كانَ هذا درساً عظيماً عنِ الغضَب. ففي قصَّةِ تحطيمِ جِهازِ الراديو، لم أكُن غاضِباً من زوجَتي. بل كُنتُ غاضِباً من نفسِي لأنِّي كُنتُ غيرَ مقبُول بسببِ سوءِ إدارَتي للمال. كانَ ينبَغي أن يسألني اللهُ، "لماذا أنتَ غاضِبٌ؟ ولماذا سحقتَ جِهازَ الرادِيو؟" ثمَّ الدرس الرئيسيّ بالنسبةِ لي كان، "صحِّحْ أُمُورَكَ معَ الله. تعلَّمْ أن تُديرَ أموالَكَ وهكذا لن تكونَ غيرَ مقبُولٍ عندَ نفسِكَ ولا عندَ الله ولا عندَ الآخرين. ولكن إن لم تعمَلْ على تقويمِ مسارِكَ، فسوف تستَمِرُّ في حياتِكَ بسحقِ أجهزة راديو في موجاتِ غضبِك، أو في ضربِ هابيل، وهذا سوفَ يُدمِّرُكَ."

سوفَ نجدُ مقطَعاً آخر في الكتابِ المقدَّس يتكلَّمُ عنِ الغضب، هو في أفسُس، حيثُ يقولُ الرسولُ بُولُس، "الذي يُحِبُّ زوجَتَهُ يُحِبُّ نفسَه." (أفسُس 5: 28). فلو أنَّني أحبَبتُ نفسِي في تلكَ المرحلة العابِرة التي حطَّمتُ فيها جهازَ الراديو، لكانَت لديَّ القُدرَة أن أُحِبَّ زوجَتي. ولكن كونِي لم أُحِب نفسي، أصبحتُ ناقِداً لِنَفسِي، وهكذا أصبحتُ أُعبِّرُ عن السخطِ والغضب تِجاهَها.

ولكنَّني فكَّرتُ وأنا أُحاوِلُ السيطَرة على مُشكِلةِ غضبِي، أنَّنِي أُحِبُّ زوجَتي وأولادِي. ولكنَّني لم أُعبِّر دائماً عن حُبِّي لزوجَتي ولأولادي، خاصَّةً عندما لم أكُن أُحِبُّ نفسِي. فعندما كُنتُ أُصبِحُ إنتقادِيَّاً ضدَّ نفسِي، لأيِّ سببٍ كان، إختفَت قُدرَتي على التعبيرِ عن حُبِّي لهم. فما كُنتُ أحتاجُ أن أفعلَهُ هو أن أسترجِعَ إحترامِي لِنفسي وأن أرى نفسِي كما يَراني اللهُ.

في إنجيلِ متى ، سألَ مُحامٍ يسوعَ سُؤالاً، "يا مُعلِّم، أيَّةُ وصِيَّةٍ هي العُظمَى في النامُوس؟" (متَّى 22: 36). فقالَ يسوع، "تُحِبُّ الربَّ إلهكَ من كُلِّ قلبِكَ ومن كُلِّ نفسِكَ ومن كُلِّ فكرِكَ. هذهِ هي الوصيَّةُ الأولى والعُظمَى. والثانية مثلُها. تُحِبُّ قريبَكَ كنَفسِك. بهاتَينِ الوصيَّتين يتعلَّقُ النامُوسُ كُلُّهُ والأنبياء." (متى 22: 37-40).

في هذا المقطَع، ما كانَ يسوعُ يقولُهُ هو أنَّهُ علينا أن ننظُرَ بثلاثةَ اتِّجاهات مُختَلِفَة إذا أردنَا أن نكونَ سُعَداء ومُستَقرِّي الشخصية. علينا أن ننظُرَ إلى فوق وأن نُصحَّحَ علاقَتنا معَ الله؛ وعلينا أن ننظُرَ إلى داخِلِنا وأن نُصحِّحَ علاقتِنا معَ أنفُسِنا، وعلينا أن ننظُرَ إلى ما حولنا وأن نُصحِّحَ علاقتنا معَ الآخرين. يُلخِّصُ يسوعُ هذه الوُجهات النظر الثلاث بِتَعليمِنا التالي: أنظُر إلى فَوق وأَحِبَّ الله تماماً. أنظُرْ إلى داخِلكَ وأحبَّ نفسَك بِشكلٍ سَليم. وأنظُرَ إلى حولِكَ وأحِبَّ قريبَكَ والآخرينَ بدونِ شُروط.

فمحبَّةُ النفس لا تعنِي أنَّكَ كُلَّما مرَرتَ أمامَ مِرآة، تقِفُ لِبُرهَة وتقومُ بفترةٍ تأمُّلٍ وعِبادَةٍ لِذاتِك. يظنُّ الكثيرونَ من الناس أن هذا هو المقصُود بمحبَّةِ النفس. لديَّ صديقٌ كانَ مُدمِناً على المشروباتِ الروحيَّة لعدَّةِ سنوات ولكنَّهُ إنتَصَرَ على إدمانِهِ، وهوَ يُلخِّصُ هذا كالتالي. "على الإنسان أن يُحِبَّ اللهَ بالتمام، وأن يُحِبَّ نفسَهُ بطريقةٍ سليمة، وأن يُحِبَّ الآخرين بِدونِ شُروط." عندما استطاعَ صديقي أن ينجَحَ على هذه الصُّعُد الثلاثة، عندها تغلَّبَ على الإدمانِ على الكُحُول وامتنعَ عنها منذُ عشرةِ سنوات، وأصبَحَ رئيسَ لجنة الشُّيوخ في كَنيستِنا.

عندما يقول بُولُس، "الذي يُحِبُّ زوجَتَهُ يُحِبُّ نفسَهُ،" يفتحُ لنا الباب على سِرٍّ داخِليّ. فإن كنتَ لا تُحِبُّ عندما تنظُرُ إلى الداخِل، فأنتَ إذاً تكرَهُ نفسَك، وإن كانَت لديكَ مُشكِلة احتقار الذات لدرجةِ الغضب على نفسِكَ، إلى درجةِ التدمير الذاتي، فهذا يعني أنَّكَ لن تنجحَ في تدبُّرِ أُمورِك معَ الآخرين، خاصَّةً معَ زوجَتِك.

إذا كُنتَ ستُشارِكُ حياتَكَ معَ شَريكٍ آخَر، عليكَ أن تفهَمَهُ. ومن المُستَحِيل فصل تفهُّمِنا لِبَعضِنا البعض عن تواصُلِنا معَ بعضِنا البعض ومعَ الله.

كيفَ يُمِكنُنا أن نفهَمَ بعضُنا بعضاً؟
الصفحة
  • عدد الزيارات: 10834