Skip to main content

الفصلُ الثَّانِي بُوصلةٌ رُوحِيَّة

الصفحة 1 من 3

إن سفرَ التكوين هو سفرُ البدايات. وهذا ما تعنيهِ كلمة تكوين. ففي تكوين، يُخبِرنا اللهُ عن بداياتِ الكثير من الأُمور، لأنَّهُ يُريدُنا أن نفهَمها كما قصدَ لها الله أن تكون. فأوَّلُ حِوارٍ مُسجَّل بينَ اللهِ والإنسان نجدُهُ في الإصحاحِ الثالِث من سفرِ التكوين، ويأتي مُباشَرَةً بعدَ سُقوطِ آدَم وحوَّاء في الخطيَّة، بأكلِهما من الشجرةِ التي منعهُما الله من أكلِ ثمرِها. فبِعِصيانِهِما إكتسَبَ آدم وحوَّاء معرِفَةَ الخيرِ والشرّ، فخبَّأا نفسَيهِما بسبب عارِ عصيانِهما.

هُنا نقرأُ أنَّ اللهَ جاءَ باحِثاً عن خليقَتِهِ المُتمرِّدَة في الجَنَّة، وعندما وجدَهُما، طرحَ عليهِما ثلاثَةَ أسئِلة. وعندما يسألُ الخالِقُ خليقَتَهُ سُؤالاً، ليسَ لأنَّهُ لا يعرِفُ الجواب. إنَّ قصدَ اللهِ في طَرحِ الأسئِلة هو أن يجعَلَ الإنسانَ يُفكِّر. لقد وجدتُ أنَّ أسئلةَ الله هذه هي بِمثابَة "بُوصُلة رُوحيَّة." وبما أنَّ ستراتيجيَّةَ الكِتاب لنا في عملِنا على تحسينِ زواجِنا تبدأُ معَ الشريكَين الزوجِيَّين، أودُّ أن أُشارِكَ معَكُم ثمانِيَة أسئِلة طرحَها اللهُ علينا في الكِتابِ المقدَّس، تستطيعُ أن تُساعِدَنا نحنُ الشُّركاءَ الزوجِيِّين على فهم أنفُسهما وبعضِهم البعض.

إن أولى كلماتِ اللهِ للإنسانِ الساقِط في الكتابِ المقدَّس هي أسئلة. وسؤالُ اللهِ الأوَّلُ هو، "أينَ أنت؟" (تكوين3: 9). هذا يعني، " يُفتَرَضُ بكَ أن تكونَ في مكانٍ ما وأنتَ لستَ فيهِ الآن. فأينَ أنت؟" كانَ جوهَرُ السُّؤالِ هُوَ التالي،"فكِّرْ بالمكانِ الذي أنتَ فيهِ الآن، لأنَّكَ لستَ حيثُ ينبَغي أن تكون."

أجابَ آدَم، "سمِعتُ صوتَكَ في الجَنَّةِ، فخَشيتُ لأنِّي عُريانٌ فاختَبأتُ" (10). بكَلماتٍ أُخرى، "عندما أسمَعُ صوتَكَ يُخيفُني. لأنَّهُ سيفضَحُ عُريِي. وأنا لا أُريدُ أن أُفضَح."

إن هذا هُوَ وَصفٌ دَقيقٌ للطبيعَةِ البَشريَّة، كما كانت وكما هي عليهِ اليوم. فهل لدَيكَ الإقتِناع أحياناً أنَّكَ ينبَغي أن تكونَ في مكانٍ ما، ولكنَّكَ لستَ فيهِ؟ فكِّر بإمكانِيَّة أن تكونَ قناعَتُكَ أن يسألَكَ الله، "أينَ أنت؟" هل من المُمكِن أن يكونَ ما نُسمِّيهِ "أزمة هويَّة، هو ما أخبَرنا اللهُ عنهُ في تكوين 3؟ وهل من المُمكِن أنَّ اللهَ يُريدُنا أن نفهَمَ المُعجزة أن اللهَ يُلاحِقُنا اليوم، كما كانَ يفعلُ في الماضي، بأسئلةٍ عن أينَ نحنُ، لأنَّنا لسنا حيثُ يُريدُنا هُوَ أن نَكُون؟

السؤالُ الثاني الذي يطرحُهُ اللهُ على الإنسان هو، "من قالَ لكَ؟"، وتحديداً، "من قالَ لكَ أنَّكَ عُريان؟" (عدد 11). يَعني النَّص العِبراني ، "من جعلكَ تعرِف أنَّكَ عُريان؟" هذا يُشيرُ إلى أكلِ آدم وحوَّاء من الشجرة. فعِندَما أكلا من الشجرةِ الممنُوعة، "انفتحت أعيُنُهما وعلِما أنَّهُما عُريانان. فخاطا أوراقَ تِينٍ وصَنعا لأنفُسِهما مآزِرَ." (عدد 7).

اللهُ يسألُ هنا، "عندما عرفتَ أنَّكَ عُريان، من جَعَلَكَ تعرِف أنَّكَ عُريان؟" الجوابُ هو أن اللهَ المُحِبَّ نفسَهُ هو الذي جعلَهما يعرِفانِ أنَّهُما عُريانَان لأنَّهُ يُحبُّهُما. إن هذا الحِوار الذي أقامَهُ اللهُ معَ آدم وحوَّاء هُوَ وَصفٌ جميلٌ لمحبَّةِ الله، كما كانت، وكما هي عليهِ اليوم. اللهُ هو الذي فتحَ أعيُنَهُما، لأنَّهُ أرادَ أن يفهَمَ الإنسانُ ما عملَهُ بسقُوطِهِ، لكَي يعمَلَ شيئاً كونَهُ ليسَ موجوداً حيثُ يُفتَرَضُ بهِ أن يكون. بهذه الطريقة يُعبِّرُ لنا اللهُ اليوم عن محبَّتِه.

السؤالُ الثالِث الذي طرَحَهُ اللهُ يقودُنا إلى نوعٍ من الاعتراف. "هل أكلتَ من الشجرةِ التي أوصَيتُكَ أن لا تأكُلَ منها؟" (عدد 11). أنا أعتقِدُ أنَّ الأشجارَ في سفرِ التكوين هي مجازيَّة. لا أقصدُ أنَّ هذا أُسطُورة أو وَهمٌ بدونِ معنَى. فالمجازُ هو قصَّةٌ يتَّخِذُ فيها الناسُ، الأمكنةُ والأشياءُ معنَى أعمَق، عادةً ما تكونُ لها دلالةٌ روحيَّة. فهل سبقَ لكَ ورأيتَ شجرة معرِفَة؟ أو شجرة حياة؟ وهل سبقَ لكَ ورأيتَ أو سمِعتَ صوتاً يمشي؟ لا بُدَّ أنَّ هذه لُغةٌ مجازِيَّةٌ رمزِيَّة. ولكن ما هي الحقيقة التي تُعلِّمُها؟

ما يقولُهُ اللهُ من خِلالِ ِفكرَةِ الأشجار، هو بِبَساطَةٍ التالي: "لقد وضعتُكُم في هذا العالم، وأنا أعرِفُ ما هي حاجاتُكُم أكثَر مما تعرِفُونَ، وأستطيعُ أن أسُدَّ احتياجاتِكُم من خلالِ هذه الشجرات إذا استخدَمتُمُوها بحسبِ توجيهاتِي."

نقرأُ في تكوين 2: 8-9، أنَّ اللهَ خلقَ الشجرات للإنسان بترتيبِ أولويَّات. أوَّلاً، الشجرات أشبعت حاجةَ عُيُونِهم، أي عُقُولِهم بحسبِ لُغةِ الكتابِ المقدَّس، أو كيفيَّةَ رُؤيتِهم للأُمور. إن جوهَرَ ما قالَهُ لنا يسوعُ هو، "لأنَّهُ إن كانت عينُكَ نقيَّةً، فجسدُكَ كُلُّهُ يكونُ نيِّراً، وإن كانت عينُكَ، أي الطريقة التي بها ترى الأُمور، شرِّيرةً، فجسدُكَ كُلُّهُ يكونُ مُظلِماً." (متى 6: 22، 23) إنَّ كيفيَّةَ رُؤيتِكَ للأمور هي في غايةِ الأهمِّيَّة. بالنسبةِ ليسوع، الطريقَةُ التي نرى بها الأُمور تصنَعُ الفرقَ بينَ جسدٍ مملوءٍ بالنُّور وآخر مملوء بالظُلمة. هُنا في تكوين، يقولُ اللهُ بطريقَةٍ مجازِيَّة، "أعظَم حاجة لديكُم هي أن أُظهِرَ لكُم كيفَ ينبَغي أن تروا الأُمُور."

قالَ اللهُ أنَّ الأشجار في الجنَّة سوفَ تُشبِعُ حاجَتَهم للطعام. هذا يعنِي كُلَّ الأُمور التي تحتاجُها وتُريدُها الكائناتُ البشريَّة. فهذا يقولُ مجازِيَّاً ما قالَهُ يسوعُ بعدَ التكوين بِقُرون: "ليسَ بالخُبزِ وحدَهُ يحيا الإنسان، بل بكُلِّ كَلِمَةٍ تخرُجُ من فمِ الله" (متى 4:4). فكما ترون، إذا سمحنا أوَّلاً للهِ أن يُرينا كيفَ ينبَغي أن نرى الأُمور، سوفَ يتبَعُ ذلكَ إشباعَ حاجاتِنا الباقِية من خِلالِ ما تُمثِّلُهُ هذه الأشجار.

عندما سقطَ آدم وحوَّاء، قلبا أولويَّات الشجرات رأساً على عقِب. فلقد أكلا من الشجرةِ المَحظُورة، أوَّلاً لأنَّها كانت جيِّدَة للأكل، ثم لأنَّها كانت بهجةً للنظر (تكوين 3: 6). هذا الإنتِهاك لِترتيب أولويَّات الله أدَّى بالنِّهاية إلى طردِهِما من الجَنَّة. فإن رفضنا أن تسودَ علينا وتقودَنا كلمةُ الله التي تُرينا كيفَ نعيشُ معاً في علاقاتِنا، فإن إنتِهاكَ هذه الأولويَّات اليوم مُمِكن أن يُؤدِّي إلى إستِخدام الأسلِحة النَّوَويَّة، وحتَّى إلى تدهُورِ الأوضاع لنصلَ إلى حربٍ نَوويَّةٍ شامِلة قد تُؤدِّي إلى طَردِنا من هذا الكَوكَب.

يقولُ الله في هذا المقطع العميق والمجازِيّ، "لقد وضعتُ الإنسانَ في هذا العالم، ولم أترُكهُ وحدَهُ في الظُلمَة، بل سأُعطَيهِ كلمتِي، وهذا سيجعلُهُ يشعُرُ بعدَمِ الارتياح. وسوفَ يختَبِئ منها لأنَّها تفضَحُ عُريَهُ، أي حاجَتَهُ. فإن لم يُطبِّق كَلِمتِي على حاجَتِه، فسوفَ يختِبئُ طُولَ عمرِه منِّي ومن حقِّ كَلِمتي." سُؤالُ اللهِ هو، "هل أكلتَ من الشجرة التي أخبرتُكَ أن لا تأكُلَ منها؟ أي هل تُفتِّشُ عن أجوِبةٍ لأسئلتِكَ في المكانِ الخطأ؟"

قد تتساءَل، "ما علاقةُ هذا بالزواج؟" هذا ينطَبِقُ مُباشرةً على حديثِنا عن الزواج المسيحي. هل تذكُرُ أنَّني في بِدايَةِ هذا الدراسة عن الزواج والعائِلة، قدَّمتُ مُلاحظاتٍ حولَ أربع مناطِق للمشاكل في الزواج هي:

المنطَقةُ الأُولى للمشاكِل هي الزوج؛

المنطَقةُ الثانية للمشاكِل هي الزَّوجَة؛

المِنطَقَة الثالِثة للمشاكِل هي الزوج والزوجَةُ؛

والمِنطَقَة الرابِعة للمشاكِل هي الأولاد.

ولقد تكلَّمتُ أيضاً عن أن المنطَقَة التي ينبغي علينا أن نبدأَ العملَ فيها على تحسينِ الزواج هي معَ الشريكَين الزوجِيَّين اللذَينِ يقومُ عليهما الزواج، خاصَّةً الشخص الذي تَستَطِيعُ أن تَعمَلَ شيئاً حِيالَهُ، والذي تُعتَبَرُ أنتَ مسؤولاً عنهُ، ألا وهُوَ أنتَ بِذاتِكَ.

الأجوِبَة الصحيحة على هذه الأسئِلة تجعَلُ من هذه الأسئِلة "بُوصَلَةً رُوحيَّةً" يُمكِنُ أن تُساعِدَ الزوج والزوجة أن يكونوا حيثُ يُفتَرَضُ بهم أن يكُونُوا، ممَّا سيُضِيفُ من الصِّحَّةِ والقُوَّةِ والإستِقرار على علاقَةِ الشريكَين الزوجِيَّين.

قبلَ أن نبدأَ ببحثِ السؤال التالي، لدَيَّ سُؤالٌ جانِبي أودُّ أن أطرحَهُ عليكَ حِيالَ زواجِكَ وعائلتِك. "هل أخذتَ التعليمَ الصحيح عن زواجِكَ من الحضارة أم من كلمةِ الله؟" بكَلماتٍ أُخرى، "هل تأكُل من الشجرةِ الصحيحة أم من الشجرةِ الخطأ خِلالَ تفتيشِكَ عن خُطَّة الزواج." وهُناكَ سُؤالٌ آخر أطرحُهُ عليكَ هُو، "إن كُنتَ تستَقي خُطَّةَ زواجِكَ من الحضارَة، فإلى أيِّ مدى تعتَبِرُ زواجَكَ وعائِلتَكَ ناجِحَينِ وسليمَين؟"

في المزمور الأوَّل، نجدُ تعريفاً لما يُسمِّيهِ الكتابُ المقدَّس بالرجُل المُبارَك. إنَّ كَلِمَة "مُبَارَك" تعني "سعيد." وأحدُ أوَّلِ الأشياء التي نُخبَرُ بِها عنِ الرجُلِ المُبارَك هي أنَّهُ مُبارَكٌ لأنَّهُ "لا يسلكُ في مشورةِ الأشرار" (عدد 1). فهل تسلُكُ في مشورةِ الأشرار؟ مثلاً، عندما تقعُ في مُشكِلَة، هل تذهب لرُؤيةِ قسِّيس أو أحد شُيوخ الكنيسة أو أيَّ شخصٍ تقيّ آخر يعرِفُ الكتابَ المقدَّس ويُحاوِلُ أن يكتَشِفَ نصيحةَ اللهِ لكَ؟ أم أنَّكَ تذهبُ إلى خبيرٍ نفسِيٍّ مُؤهَّل ومُلحِد ولا يخافُ الله؟

عندما ذهبتُ لأدرُسَ في كُلِّيَّةِ اللاهوت، كانَ علينا دائماً كطُلابِ لاهوت أن نستدينَ المال. وكانت تُوجدُ لافِتَةٌ على المكتب حيثُ كُنَّا نستدينُ المال، وعلى هذه اللافتة سُؤال يقول، "إن كُنتَ ذكِيَّاً إلى هذه الدرجة، فلماذا لستَ غَنِيَّاً؟" وكطُلاَّبَ لاهوت كُنَّا نظُنُّ أنَّنا نعرِفُ الكثير، ولكن لماذا كُنَّا فُقَراء إلى هذه الدرجة إن كُنَّا أذكِياء إلى هذه الدرجة؟

أعتقدُ أنَّ كُلَّ واحِدٍ منَّا يحتاجُ للتأمُّلِ بهذا السؤال يوميَّاً: فإن كُنتَ ذكيَّاً إلى هذه الدرجة، فلماذا لستَ سعيداً؟" ولماذا ليسَ لدَيكَ زواجٌ أو منـزلٌ أكثر سعادَةً؟ لَرُبَّما نحنُ لا نفهَمُ الكِتابَ المُقدَّس بِشَكلٍ كافٍ. فإن كُنَّا سُعداء وإن كانَ لدينا عائِلة نموذَجية سعيدة، فبِنِعمَةِ الله نكونُ زوجاً وزوجَةً مُبارَكَين، ويكونُ لدينا زواجٌ وعائلة مُبارَكين. وإن لم يكُن هذا إختِبارُنا، فعندها علينا أن نقتَرِبَ من كَلِمةِ الله بِشكلٍ فَردِيٍّ، وأن ندَعَ اللهَ يطرَحُ علينا هذه الأسئلة التي نستَطلِعُها.

لرُبَّما يكونُ زواجُنا وعائِلتُنا غير مُبارَكَين لأنَّنا نسلُكُ في مشورةِ الأشرارِ، في حين كانَ ينبَغي أن نرجِعَ إلى خطة ومبادئ الزواج والعائلة كما يُقدِّمُها اللهُ في الكتابِ المقدّس. فإذا إستَمرَّينا بالأكلِ من الشجرةِ الخطأ، لن يتبارَكَ زواجُنا ولا عائِلتُنا أبداً من قِبَلِ الله.

ولِكَي نرجِعَ إلى هذه الأسئِلة العظيمة، السؤالُ الرابِع الذي طرحَهُ اللهُ، والذي أوضَحَ الإعتِراف الذي إنتَزَعَهُ اللهُ من آدَم وحوَّاء من خِلالِ سُؤالِهِ الثالِث، كانَ، "ماذا فعلتَ؟" (تكوين 3: 13). إن كلمة اعتراف في الكتاب المقدَّس هي كلمةٌ مُركَّبة، وتحتَوي على كَلمَتَين: قول المُمَاثِل، وتعني "أن نقولَ نفس ما يقولُهُ اللهُ عن خطيَّتِنا، أو المُوافَقة معَ الله." هذا ما عمِلَهُ الله عندما سألَ آدم وحوَّاء، "ماذا فعلتُما؟" هو يعرِفُ تماماً ما فعلا، ولكنَّهُ أرادَ أن يسمَعَهُما يقولانِ ما يعرِفُهُ هُوَ سابِقاً. وبالطبعِ لم يكُنْ يعَمَل هذا لصالِحِهِ بل لِصالِحِ آدم وحوَّاء.

عندما نعتَرِفُ بخطايانا لله، لا نقولُ للهِ شيئاً لا يعرِفُهُ. فإعتِرافُنا بِخطايانا ليسَ لمصلحة الله، بل لِخلاصِنا. ليسَ أحدٌ كامِلاً، ولا يُوجد زواجٌ كامِل. نحتاجُ على الصعيدَين الفردي والجماعي كشُركاء زوجِيِّين أن ندعَ اللهَ يسألُنا السؤال، "ماذا فعلتَ؟" ومن ثَمَّ أن نقولَ نفس ما يقولُهُ الله عمَّا فعلناهُ. لدينا وعدُ الله أنَّنا إن إعتَرفنا بِخطايانا، فهُوَ أمينَ لكَلمتِهِ وسيغفِر لنا ما عمِلناه، وما لم نعمَلهُ في زيجاتِنا. (1يوحنَّا 1: 9).

نجدُ سُؤالاً خامِساً عميقاً في سفرِ التكوين، عندما تَتَبَّعَ ملاكُ الربِّ هاجر الجارِيَة الهارِبَة من إبراهيم وساراي. فسألَها ملاكُ الربِّ، "من أينَ أتيت وإلى أينَ تمضِي؟" (تكوين 16: 8).

لا أعرِفُ إن كُنتَ تُفكِّرُ كَثيراً بمشيئةِ اللهِ لحياتِكَ وزواجِكَ، ولكن هذا سُؤالٌ نافِعٌ تدع الله يطرحُهُ عليكَ من وقتٍ لآخر. هذا هو نوعُ الأسئلة التي يجِب أن ندعَ اللهَ يسألُنا إيَّاها عشيَّةَ السنةِ الجديدة. ففي إطارِ زواجِنا، يُعتَبَرُ هذا سؤالاً جيِّداً لِنتأمَّلَ فيهِ خِلالَ مُحادثتِنا معَ الله في ذكرى عيدِ زواجِنا.

إن جوهَرَ السؤال هو أنَّهُ إن لم نجتَزْ في إختِبارِ تغيير، فسوفَ نصِلُ إلى المكان الذي إنطَلقنا منهُ. وسوفَ نختَبِرُ المزيدَ من الروتين إلا إذا حدَثَ إختِبارُ تغييرٍ معنا. هل سبقَ ووصلتَ في حياتِكَ إلى مرحلةٍ لم تعُدْ تحتَمِل فيها أن تبقى في نفسِ الرُّوتين الذي تعيشُهُ؟

الكِتابُ المقدَّس لا يطلُبُ منَّا أبداً أن نُغيِّرَ نُفُوسَنا. بل يطلُبُ منَّا الكتابُ المقدَّس أن نستَوفي بعضَ الشرُوط ومن ثمَّ ندع الله يُغيِّرُنا. ويُخبِرُنا يسوع أنَّهُ علينا أن نُولَدَ من جَديد (يوحنَّا 3: 3-5). ولكنَّ الكِتاب لا يُعلِّمُنا أن نمنَحَ الولادَةَ الجديدةَ لأنفُسِنا. فالِولادَةُ هي إختِبارٌ سَلبِي. فنحنُ نُولَدُ في يومٍ مُعيَّن وسنةٍ مُعيَّنة، وهذا الأمر يحدُثُ لنا. والأمرُ ذاتُهُ يَصُحُّ على الوِلادَةِ الروحيَّة. فنحنُ نُولَدُ من جديد، ونتغيَّرُ بتجديدِ أذهانِنا. (رُومية 12: 1، 2).

إن أتباعَ المسيح المُتجدِّدين هُم أناسٌ قد تغيَّرُوا، ويتغيَّرونَ، ويتَّجِهونَ نحوَ الأبديَّةِ حيثُ سيتغيَّرونَ إلى الأبد. (2كُورنثُوس 5: 17؛ 3: 18؛ 1كُورنثُوس 15: 51). وبِما أنَّنا مُمِكن أن نتغيَّر يعني أنَّهُ ليسَ علينا أن نذهَبَ إلى المكان الذي إنطلقنا منهُ في حياتِنا وإيمانِنا. فماضينا لا يجِب أن يجعَلَ حاضِرَنا ومُستَقبلنا قَدراً حتمِيَّاً. ولا يجِب أن نرضى بأن نعيشَ نفس نوع الحياة سنةً بعدَ الأُخرى. فإن كُنتَ لا تحتَمِل فكرة أن تعيشَ السنوات العشر القادِمة في حياتِكَ كما كانت سنواتُكَ العشر السابِقة في زواجِكَ وحياتِكَ، أخبِر الله بهذا واطلُب منهُ أن يُحدِثَ التغيِيرات اللازِمة التي ستملأُ حاضِرَكَ ومُستَقبَلَكَ بالرجاءِ والتفاؤُل الذي لا يُقهَر.

هُناكَ سُؤالٌ سادِسٌ عميقٌ في سفرِ التكوين، نحتاجُ أن نُجيبَ عليهِ أمامَ الله فردياً وكَشَريكَينِ زوجِيَّن. وهذا السؤالُ هُو، "من أنتَ؟" (تكوين 27: 18، 32). لقد طُرِحَ هذا السؤالُ مجازِيَّاً على كُلٍّ من يعقُوب وعِيسو. ويعقُوبُ كذَبَ وعيسُو بكَى بمَرارَة عندما طُرِحَ السؤالُ على كُلٍّ منهُما، "من أنتَ؟"

لقد طُرِحَ هذا السؤالُ مِراراً في الكتابِ المقدَّس. في الإصحاح الأوَّل من إنجيلِ يُوحنَّا، طُرِحَ هذا السؤال على يُوحنَّا المعمَدَان، الذي جاءَ ليُمهِّدَ الطريقَ للمسيح على هذه الأرض. فسألَهُ الناسُ، "من أنت لنُعطِيَ جواباً للذينَ أرسلُونا؟ ماذا تقولُ عن نفسِكَ؟" (يوحنَّا 1: 22).

أجابَ يُوحنَّا المعمَدَان بكَلمات إشعياء النبي، "أنا صوتُ صارِخٍ في البرِّيَّة، أعِدُّوا طريقَ الربّ." (عدد 23). لقد كانَ جواباً بسيطاً ومُباشَراً. كان بِمَقدُورِهِ أن يُضيف، "هذا من أنا وما أنا وحيثُ أنا. ومن المُستَحِيل أن أكونَ أكثرَ من ذلك. ولا أفُكِّرُ أن أكونَ أقلَّ من ذلك. فأنا هو من يُفتَرَضُ بي أن أكون وحيثُ يُفتَرَضُ بي أن أكون."

قالَ يسوع أنَّ يُوحنَّا المعمدان هو أعظم إنسانٍ عاشَ على الإطلاق حتَّى ذلكَ الحين. فأينَ يكمُنُ سِرُّ عظَمَتِه؟ أنَّهُ عرفَ من كانَ هو نفسُهُ، وعرفَ من لم يكُن. لقد قبِلَ المسؤوليَّةَ المُعطاة لهُ من قِبَلِ الله، قبِلَ مُهمَّتَهُ المُعطاة لهُ بِحَسَبِ خُطَّةِ الله. ولكنَّهُ أيضاً قبِلَ محدُودِيَّته. لقد عرفَ الجوابَ الصحيح عندما سُئِلَ، "من أنت؟"

فهل تعرِف من أنت؟ وماذا تقولُ عن نفسِك؟ فعندما يُريدُ شخصانِ لديهما زواجٌ في نظرِ الله، أن يبنِيا ويُعزِّزا زواجَهُما، عليهِما أن يبدأا بنفسَيهِما. وسوفَ يكونُ زواجُهُما سعيداً وكامِلاً بِمِقدارِ سعادتِهما وكامِلَينِ كأفرادٍ أمامَ الله. فعندما يستطيعُ كُلُّ شخصٍ أن يقولَ ما قالَهُ يُوحنَّا المعمدان عن من هُم، يكونُ الشريكانِ قد حصلا على أساسٍ متين لزواجٍ ناجحٍ وسعيد.

سُرعانَ ما تكتَشِفُ أنَّ اللهَ يُحِبُّ أن يسأَلَ شعبَهُ أسئِلَةً، ستَجِدُهُ يفعَلُ ذلكَ عبرَ العهدين القديم والجَديد. لقد طَرَحَ يسوعُ ثلاثاً وثمانِينَ سُؤالاً في إنجيلِ متَّى. وبينما تنمُو في مسيرِتِكَ الفرديَّة مع الله، دَع الله يطرَح عليكَ هذه الأسئِلة بينما تقرأُ الكتابَ المقدَّس.

السؤالُ السابِعُ العميقُ هو، "ما أنت،" وهو سؤالٌ مُتَضمَّنٌ في كَلِماتِ بُولُس الرسول، "بنعمةِ الله أنا ما أنا." (1كورنثوس 15: 10). وكتبَ يقولُ للكورنثُوسِيِّين، "أيُّ شيءٍ لديكُم لم تأخُذُوه؟ وإن أخذتُمُوهُ من الله، فأيُّ حقٍّ لكُم بأن تفتَخِروا وكأنَّكُم لم تأخُذوا؟"(1كورنثُوس4: 7). فما هو أنتَ يتعلَّقُ بمُؤهِّلاتِكَ وبمواهِبِك وبدَعوتِكَ الروحيَّة. وكُلُّ هذا عطِيَّةٌ من الله لكَي يُؤهِّلَنا أن نكونَ من وما وحيثُ يُريدُنا أن نكون.

لقد بدأَ العهدُ القَديمُ معَ الله وهو يسألُ، "أينَ أنت؟" أمَّا العهدُ الجديدُ فيبدأُ بِسُؤالٍ حكيم، "أينَ هُوَ؟" (متى 2: 2). يبدأُ إنجيلُ يُوحنَّا بسُؤالٍ ثامِنٍ عميق طرَحَهُ يسوع، وهُو، "ماذا تُريدون؟" أو، "ماذا تطلُبُون؟" (يُوحنَّا 1: 37) عندما سألَ يسوعُ هذا السؤال الثامِن، كانَ يطرَحُ سُؤالَين يحتاجُ كُلُّ واحِدٍ منَّا الإجابَةَ عليهِما: فهل نُريدُ أن نكونَ من وأين وما خطَّطَ لنا اللهُ أن نكونَهُ؟ وإلى أيِّ حَدٍ نرغَبُ فِعلاً بأجوبَةٍ على هذه الأسئلة؟

هاجِسٌ عظيم
الصفحة
  • عدد الزيارات: 7730