رفض المسيح لفكرة موته
تحت عنوان "المسيح يرفض كل محاولات قتله" كتب أحدهم:
"منذ بدأ المسيح دعوته حتى آخر يوم فيها، نجد الأناجيل تضع لنا بين الحين والحين علامات على طريق الرسالة المسيحية تذكرنا دائماً باستبعاد فكرة قتل المسيح مهما وضع من أجل تبريرها من نظريات وفلسفات. فالمسيح صاحب الدعوة الذي يعلم حقيقتها وحدودها أكثر من بولس وغيره من كتبة الرسائل المسيحية هو الذي رفض فكرة قتله واستنكرها تماماً، ثم هو قد عمل كثيراً لإحباط جميع المحاولات التي رآها تبذل من اليهود لقتله ولما كان المسيح يخشى على حياته من القتل، فإنه اتخذ من الإحتياطات ما يجنبه الوقوع في براثن أعدائه من اليهود:
*فقد "جاء إلى الناصرة حيث كان قد تربى، ودخل المجمع حسب عادته يوم السبت وقام ليقرأ... فامتلأ غضباً جميع الذين في المجمع حين سمعوا هذا. فقاموا وأخرجوه خارج المدينة وجاءوا به إلى حافة الجبل الذي كانت مدينتهم مبنية عليه حتى يطرحوه إلى أسفل. أما هو فجاز في وسطهم ومضى" لو 4: 16-30.
*"فلما خرج الفريسيون تشاوروا عليه لكي يهلكوه. فعلم يسوع وانصرف من هناك" مت 12: 14-15.
*"فرفعوا حجارة ليرجموه أما يسوع فاختفى وخرج من الهيكل مجتازاً في وسطهم ومضى" يو 8: 59.
*"وكان يسوع يتردد بعد هذا في الجليل لأنه لم يرد أن يتردد في اليهودية لأن اليهود كانو يطلبون أن يقتلوه" يو 7: 1.
*"فمن ذلك اليوم تشاوروا ليقتلوه. فلم يكن يسوع أيضاً يمشي بين اليهود علانية بل مضى من هناك إلى الكورة القريبة من البرية إلى مدينة يقال لها أفرايم. ومكث هناك مع تلاميذه. وكان فصح اليهود قريباً" يو 11: 53-55.
-وفي الساعات العصيبة، أو الساعات الأخيرة للمسيح بين الناس نجده يصرخ بكل قوته طالباً النجاة، فما كانت فكرة سفك دمه –فديةعن خطايا الكثيرين- إلا سراباً علق برسالته فيما بعد.
-إن الأناجيل ترينا –وخاصة في الساعات الأخيرة- مواقف حاكمة، ترفض كلها فكرة قتل المسيح وتقطع كل صلة بينها وبين رسالته.
*ينطق كل مشهد من مشاهد المعاناة في البستان برفض المسيح فكرة قتله، فإذا كان مع تلاميذه "ابتدأ يحزن ويكتئب. فقال لهم نفسي حزينة جداً حتى الموت امكثوا ههنا واسهروا ثم تقدم قليلاً وخر على الأرض وكان يصلي لكي تعبر عنه هذه الكأس إن أمكن. وقال يا أبا الآب كل شيء مستطاع لك فأجز عني هذه الكأس.
*وحين شعر المسيح بالخطر يقترب منه، وقوة الظلم تتقدم للقبض عليه، كانت صيحته لتلاميذه "قوموا ننطلق هو ذا الذي يسلمني قد اقترب" لقد كان يطلب بإلحاح من تلاميذه أن ينهضوا لمعونته في الانطلاق بعيداً عن المحنة الوشيكة. إلا أنهم كانوا "نياماً إذ كانت أعينهم ثقيلة فلم يعلموا بماذا يجيبون" وتركوه وحيداً يعاني آلامه.
ونصل إلى الشهادة الأخيرة التي تنسبها الأناجيل للمصلوب في الرمق الأخير، ألا وهي: صرخة اليأس على الصليب. من يسمع قول مصلوب يصرخ إلى ربه "بصوت عظيم قائلاً إلوي إلوي لماذا شبقتني الذي تفسيره: إلهي إلهي لماذا تركتني" من يسمع هذا ثم يقول إنه المسيح "بذل نفسه لأجل خطايانا لينقذنا من العالم الحاضر الشرير، وأنه "بذل نفسه فدية لأجل الجميع" أو أنه "إذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب"[1].
التعليق:
سوف نضع تعليقنا في عناوين محددة:
1-مركزية الصليب في فكر المسيح.
هل كان المسيح رافضاً لفكرة قتله مستنكراً إياها؟
بالرجوع إلى الكتاب المقدس نجد أن المسيح قد أعلن عن موته، ومنذ بدء خدمته وهو يترقب ساعة موته، وقد قدم نبوات واضحة عن حادثة موته:
أ-بعد إعلان بطرس عن لاهوته (مت 16: 21، لو 9: 22).
ب-بعد حادثة التجلي (مت 17: 9-13).
جـ-في الجليل قبل الذهاب إلى أورشليم (مت 17: 22).
د-في الطريق إلى أورشليم قبل الصلب (مت 20: 17-19).
هـ-في الأسبوع الأخير قد ألمح يسوع عدة مرات عن موته منها:
1-مثل الكرم ومقتل الابن (مت 21: 33-44).
2-بعد أن سكبت مريم الطيب على قدميه، قال: "فإنها إذا سكبت هذا الطيب على جسدي إنما فعلت ذلك لأجل تكفيني" (مت 26: 6-12).
3-في العلية مع تلاميذه، عند تناول الفصح قال لهم: "إن ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه، ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يسلم ابن الإنسان" (مت 26: 24).
ومما لا شك فيه أنه من خلال هذه النبوات الصريحة والتلميحات الواضحة نجد أن المسيح كان عارفاً ومتوقعاً وغير رافض لموته وأن الصليب كان له مركزية واضحة في فكر المسيح لأنه قد عرف أنه سيموت "ليس لكونه ضحية لا حول له بسبب قوى الشر المحتشدة ضده أو بسبب مصير محتم كتب عليه، وإنما لكونه قد تبنى بمحض حريته، غرض أبيه، الذي هو تخليص الخطاة كما أعلن الكتاب المقدس، هذه كانت نظرة يسوع إلى موته. بالرغم من الأهمية العظمى لتعليمه وأعماله الرحيمة وقوته. لم يكن أياً منها مركزياً في رسالته. لم تسيطر الحياة على ذهنه، بل بذل الحياة. كان بذل حياته في النهاية هو الساعة التي جاء من أجلها إلى العالم"[2].
وقد انعكس هذا الفكر المحوري على كتبة أسفار الكتاب المقدس والكنيسة المسيحية على مر العصور فشهدوا في كل ما كتبوه عن حقيقة موت وقيامة المسيح.
و-إن المسيح لم يشهد لحقيقة موته قبل الصليب فقط، ولكن أيضاً بعد قيامته من الموت قد شهد وأعلن بوضوح أنه صلب ومات. وقد أعلن ذلك:
1-لتلميذي عماوس (لو 24: 13-27).
2-للتلاميذ في العلية (لو 24: 24-36).
3-للتلاميذ في العلية مرة ثانية (يو 20: 26-27).
*ومن خلال شهادة المسيح بعد قيامته نرى تأكيداً على أن المصلوب وهو المسيح وليس شخصاً آخر.
أ- فلو كان المصلوب شخصاً آخر، لكان المسيح بعد ظهوره لتلاميذه قد أعلن لهم أنه ليس هو المسيح، لكي يعرفوا أن اليهود قد فشلوا في محاولتهم التخلص منه.
ب-إن المسيح لم يكتف بالشهادة الشفوية عن نفسه أنه هو الذي صلب، بل أيد شهادته بالدليل القاطع على صدقها، إذ أظهر لتلاميذه آثار المسامير في يديه ،وأثر الحربة في جنبه، وقد شاهد تلاميذه هذه الآثار بعيونهم ولمسوها بأيديهم.
جـ-إن شهادة المسيح عن قيامته بعد موته لا يجوز الشك فيها، لأن المسيح كان صادقاً كل الصدق، ومعصوماً من الخطأ والخطية[3].
2-محاولات فاشلة.
حاول اليهود التخلص من المسيح، وكانت محاولات فاشلة، ولكن فشل المحاولات السابقة، لا يعني بالمرة أن عملية صلب المسيح قد فشلت أيضاً، فكل المحاولات السابقة فشلت، لأنه لم تكن قد أتت الساعة المعينة. وكما شهد المسيح "هو ذا قد أتت الساعة" تم إلقاء القبض على المسيح وصلب ومات.
3-سفك دم المسيح.
هل كانت فكرة سفك دم المسيح، فدية عن خطايا الكثيرين سراباً قد علق برسالته فيما بعد؟ وحيث أننا سوف ندرس هذا الموضوع بالتفصيل في كتاب آخر نكتفي هنا بذكر بعض أقوال المسيح التي يعلن فيها عن موته الفدائي.
أ-في رده على طلب يعقوب يوحنا للجلوس عن يمينه في ملكوته، قال لهم: "إن ابن الإنسان لم يأت ليُخدَم بل ليَخدُم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين" مت 20: 28.
ب-في حديثه مع نيقوديموس، قال المسيح. "كما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان لكي لا يهلك كل من يؤمن به. بل تكون له الحياة الأبدية. لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية، لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم، بل ليخلص به العالم. الذي يؤمن به لا يدان والذي لا يؤمن قد به قد دين. لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد" يو 3: 14-18.
جـ-في كفر ناحوم قال المسيح لليهود: "جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم" يو 6: 51.
د-وقد قال المسيح أيضاً: "أنا هو الراعي الصالح والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف" يو 10: 11.
هـ-وعنه شهد يوحنا المعمدان "هو ذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم" يو 1: 29. وقد قبل المسيح هذه الشهادة.
فهل بعد كل هذه الأقوال، يستطيع أحد أن يقول إن فكرة سفك دم المسيح عن خطايا الكثيرين كانت سراباً علق برسالته.
5-صرخة المسيح على الصليب.
سوف يتم مناقشتهما فيما بعد.
(42) المسيح في مصادر العقيدة المسيحية. ص 202-206.
(43) صليب المسيح. جون ستوت. ص 34-35.
(44) قضية الصليب. عوض سمعان. ص 37-38.
* لقد سبق لنا مناقشة هذا في كتاب "موت المسيح حقيقة أم افتراء". ص 48-60.
- عدد الزيارات: 623