Skip to main content

فداء المسيح بغيره

"إن تقدمة إبراهيم لتحوي حقاً وصدقاً الرمز الكامل لما حدث مع المسيح بالنسبة لواقعة الصلب، فكما امتحن الله إيمان إبراهيم، بأن طلب منه أن يذبح ابنه وحيده الذي يحبه كذلك امتحن الله إيمان المسيح بأن أعلمه بأنه يريد له أن يصلب. وكما امتثل إبراهيم وابنه لأمر ربهما حتى همَّ إبراهيم بذبحه كذلك امتثل المسيح لمشيئة الله، فقال له: لتكن لا إرادتي بل إرادتك، حتى وصل الأعداء يتقدمهم يهوذا الإسخريوطي إلى المسيح للقبض عليه. وهنا كما منع الله إبراهيم من ذبح ابنه، بأن ناداه ملاك الرب من السماء، طالباً منه أن يكف عن ذلك، استجاب الله أيضاً لدعاء مسيحه، فرفعه إليه من بين أعدائه، مخلصاً إياه بذلك من الصلب الذي كان سيقع عليه، تماماً كما خلص الله ابن إبراهيم من الذبح على النحو المتقدم، وكما ذبح كبش عوضاً عن ابن إبراهيم، فقد صلب الخائن يهوذا بدلاً عن المسيح"[1].

التعليق:

إن تقدمة إسحق فعلاً هي أحد أكمل الرموز الكتابية المشيرة إلى الذبيحة العظيمة التي قدمت على الصليب في الجلجثة. ففي إسحق نرى صورة الابن في طاعته لأبيه حتى الموت، وفي إبراهيم نرى صورة الآب في بذله لابنه، وكان كل منهما لازماً لتتميم الرمز.

والكاتب هنا جعل من إبراهيم وإسحق معاً رمزاً للمسيح في نفس الوقت.

-فالله يمتحن إبراهيم بتقديم ابنه، ويمتحن المسيح بتقديم نفسه.

-إبراهيم يمتثل لأمر ربه، والمسيح يمتثل لمشيئة الله.

ثم يتحول الرمز إلى إسحق.

الله ينقذ إسحق ويذبح كبشاً بدلاً عنه، الله ينقذ المسيح ويصلب يهوذا بدلاً عنه فالكاتب هنا يخلط الأمور في سبيل تأييد آرائه.

لأننا إذا جعلنا إبراهيم رمزاً للمسيح من ناحية الإيمان، نرى أن هناك فرقاً في تعبير الوحي عن موقف الله إزاء كل منهما، فبينما يسجل أن الله امتحن إبراهيم بتقديم ابنه ذبيحة (تك 22: 1)، لا يذكر مطلقاً أن الله امتحن المسيح بتقديم نفسه على الصليب[2]، فصلب المسيح لم يكن امتحاناً للإيمان، بل كان قضاءً محتوماً من الله.

أ-أعلنته نبوات العهد القديم بوضوح.

ب-أعلن عنه المسيح عديداً من المرات قبل صلبه وبعد قيامته.

ولا يمكن أن يعلن ويتنبأ المسيح عن موته، ثم تكشف الأحداث بعد ذلك عن عدم صحة هذه النبوات، وأنها مع نبوات العهد القديم كانت مجرد امتحان إيمان.

*إن إسحق كان رمزاً للمسيح. ويجب أن يكون واضحاً نصب عيوننا أن الرمز لا يكون مثل المرموز إليه من كل الوجوه، وإلا لكان الأول هو عين الثاني وأن الشبه بين إسحق والمسيح ينحصر في أمرين:

1-الطاعة المطلقة: فإن إسحق أطاع أباه، والمسيح من ناحية كونه إنساناً أطاع.

2-العودة إلى عالم الأحياء: بعد موت شرعي لإسحق، وموت فعلي للمسيح[3].

ثم يضيف الكاتب:

"وهكذا كانت تقدمة إبراهيم، حقاً وصدقاً، وكما يقولون هي أحد أكمل الرموز الكتابية لما جرى مع المسيح بالنسبة لواقعة الصلب، وكما هو واضح ففيها الرمز الكامل لتخليص الله له من الصلب، وصلب يهوذا الاسخريوطي بدلاً منه، وبغير هذا لا تكون رمزاً بأي حال ... كما لا يمكن للرمز ألا يكتمل من وجه ويقال بأنه واحد، هو تخليص ابن إبراهيم وعدم تخليص المسيح، حال أن هذا الوجه هو في الحقيقة الوجه الوحيد أيضاً للرمز في هذه التقدمة"[4].

التعليق:

كما سبق وأوضحنا أن إسحق كان رمزاً للمسيح في طاعته وموته الشرعي، ولا سبيل لمثل  هذا الاعتراض واعتبار أن إنقاذ المسيح من الموت هو الوجه الوحيد للرمز في هذه التقدمة. ثم إن إنقاذ ابن إبراهيم من الموت ليس دليلاً على عدم موت المسيح، لأنه يكفي تشابهاً واحداً بين المرموز والمرموز إليه، ولا يمكن أن يكون المثال أو الرمز كالحقيقة في كل شيء، وإلا فلا يكون المثال مثالاً.

وكما يقول د.أحمد ماهر البقري: "القاعدة البيانية في التشبيه، أن المشبه لا يكون مثل المشبه به في كل دقيقة، ولكن يكفي وجه شبه واحد بينهما، فإذا قلت: إنه كالأسد، فليس معنى ذلك أنه يعيش في غابة مثلاً أو أنه ذو لبد. وإنما يكفي أن يكون وجه الشبه الشجاعة"[5].

أي أنه يكفي للشبه بين إسحق والمسيح وحتى يكتمل الرمز أن يكون كل منهما مطيعاً فإسحق قد أطاع والمسيح قيل عنه "وإذا وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب" (في 2: 8).

بل إن عدم موت إسحق على المذبح لا يعني بالمرة عدم اكتمال الرمز "لأن المسيح نفسه جعل يونان النبي بخروجه من بطن الحوت (مع أنه لم يمت في بطن الحوت) مثالاً لقيامته المجيدة، فقال "كما كان يونان في بطن الحوت، ثلاثة أيام وثلاث ليال هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال" مت 12: 40.

فليس من الضروري أن يكون "المثال كالحقيقة في كل شيء وإلا فلا يكون المثال مثالاً"[6].

مما سبق نرى أنه لا يوجد أي دليل من خلال تقدمة إبراهيم لابنه إسحق على أن المصلوب هو يهوذا وليس المسيح.

 

(36) دعوة الحق. ص 136. وانظر أيضاً الفارق المخلوق والخالق. ص 518.

(37) قضية الصليب. عوض سمعان. ص 111.

(38) المرجع السابق. ص 111.

(39) دعوة الحق. ص 136.

(40) الإسلام والحق. د.أحمد ماهر. المكتب الجامعي الحديث. إسكندرية. ط1 سنة 1984. ص 27.

(41) بيان الحق. يسي منصور. ط1. سنة 1965. إسكندرية. ص 69.

لعل القارئ قد لاحظ أسماء المراجع: دعوة الحق, بيان الحق, الإسلام والحق, وهنا سوف أوضح له ذا الأمر.

1-في سنة 1963 أصدر الأستاذ /منصور حسين عبد العزيز/ الطبعة الأولى من كتابه  "دعوة الحق أو الحقيقة بين المسيحية والإسلام.

2-في سنة 1964 قام القمص باسيليوس إسحق كاهن كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل بغربال بإسكندرية بالرد على هذا الكتاب وأصدر "الحق".

3-في سنة 1965/1966 قام الأستاذ /يسى منصور بالرد على دعوة الحق في كتابه "بيان الحق" في أربعة أجزاء.

4- في سنة 1966 قام الأستاذ /محمد محمد عبد اللطيف ابن الخطيب بإصدار كتاب تحت عنوان "هذا هو الحق". رد على مفتريات كاهن كنيسة. وفيه يرد على كتاب الحق.

5-ثم في عام 1984 قام د.أحمد ماهر البقري الأستاذ بكلية الآداب. جامعة المنيا بإصدار كتاب "الإسلام والحق" وفيه يرد على كتابي الحق، وبيان الحق. ط1. سنة 1984. المكتب الجامعي الحديث. الرمل إسكندرية.

وما زال الحوار مستمراً وقد صدرت الطبعة الثالثة من كتاب "دعوة الحق" في سنة 1994. مكتبة علاء الدين. إسكندرية.

  • عدد الزيارات: 601