أفضلية كهنوت المسيح على كهنوت ملكي صادق
وإن كانت رتبة ملكي صادق أفضل من رتبة هرون، إلا أن ملكي صادق لم يكن كما ذكرنا فيما سلف، إلا رمزاً للمسيح من بعض الوجوه، ومن ثم كان المسيح أفضل منه بما لا يقاس، كما يتضح مما يلي:
1-لقد كان ملكي صادق إنساناً مثلنا، أما المسيح فهو ابن الله الأزلي الواحد مع الآب والروح القدس في اللاهوت، بكل خواصه وصفاته.
2-إن ملكي صادق كان، ولا شك، يقدم ذبائح حيوانية ليكفر بها عن نفسه، لأنه كان خاطئاً مثلنا، أما المسيح فقدم نفسه ذبيحة لله كفارة عن خطايانا نحن لأنه له المجد كان كاملاً كل الكمال.
3-لقد بارك ملكي صادق ابراهيم باسم الله العلي، أما المسيح فبارك ابراهيم، وذلك قبل تجسده له المجد[1]، باسمه الشخصي. فقد قال له "بذاتي أقسمت يقول الرب... أباركك مباركة" (تكوين22: 15- 17) فضلاً عن ذلك فقد باركنا نحن المؤمنين بكل بركة روحية في السماويات (أفسس1: 3).
4-إن كهنوت ملكي صادق وملكه زالا بموته، أما كهنوت المسيح وملكه فليس لهما نهاية.
5-لقد سجل الوحي عن المسيح أنه على رتبة ملكي صادق. وذلك من ناحية كون المسيح إنساناً يظهر في العالم بعد ملكي صادق بمئات السنين. غير أن المسيح، بوصفه ابن الله، سابق لملكي صادق لأنه له الم أزلي. ومن ثم فإن المسيح من هذه الناحية، لا يكون على رتبة ملكي صادق، بل يكون ملكي صادق مثالاً أو رمزاً إلى المسيح. وقد أشار الوحي إلى هذه الحقيقة فقال عن ملكي صادق إنه مشبه بابن الله (عبرانيين7: 3)- وطبعاً هذا من ناحية جزئية فحسب، لأن المشبه لا يطابق المشبه به في كل الوجوه. فملكي صادق كان بشراً مثلنا له بداءة وله نهاية، أما المسيح بوصفه الابن الأزلي لا بداءة له ولا نهاية على الإطلاق.
6-تولى ملكي صادق خدمته الكهنوتية وهو حي على الأرض فقط فلما مات، انتهت خدمته هذه. أما المسيح فصار رئيس كهنة على رتبة ملكي صادق بحسب قوة حياة لا تزول (عبرانيين7: 16)، أي أن حياة القيامة التي أعلنت انتصاره على الموت، هي التي جعلته رئيس الكهنة الدائم إلى الأبد. إذ قال الله له من ناحيته الإنسانية بعد القيامة من الأموات: "اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك. أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق" (مزمور110: 1- 4). ومن ثم فإنه يظهر الآن بعد القيامة أمام وجه الله (عبرانيين8: 1و 2) في قيمة دمه الكريم لحسابنا، ليمثلنا في كل كماله المطلق ويجلب إلينا كل معونة، وذلك باستحقاقاته الشخصية (عبرانيين9: 24) التي لا نهاية لها.
7-ولوجود شبه بين كهنوت المسيح وكهنوت هرون من جهة، وبين كهنوته وكهنوت ملكي صادق من جهة أخرى نقول إن المسيح يمارس الآن أعماله الكهنوتية بالنعمة في الأقداس السماوية مرموزاً إليه من ناحية جزئية بهرون، لكنه يمارسها بغير انقطاع وإلى الأبد مرموزاً إليه من ناحية جزئية أيضاً بملكي صادق (كما ذكرنا). أما في الملك الألفي فسيظهر له المجد للعالم على رتبة ملكي صادق وحده جامعاً في شخصه مجد الملك وجلال الكهنوت، إذ سوف لا يكون هناك مجال للكهنوت الوساطي بحال، وذلك بسبب وجود المؤمنين الحقيقيين في المجد وقضاء الله على الشر بمجرد ظهوره على الأرض. وحينئذ سيتحقق قول زكريا النبي عن المسيح: "هوذا الرجل الغصن اسمه. ومن مكانه ينبت. ويبني هيكل الرب. فهو يبني هيكل الرب وهو يحمل الجلال. ويجلس ويتسلط على كرسيه (ملكاً). ويكون كاهناً على كرسيه. وتكون مشورة السلام بينهما كليهما" (زكريا6: 12و 13). ومن ثم سيتغير العالم الذي نعيش فيه الآن تغييراً كلياً. إذ سيتمتع الساكنون فيه بكل خير وسلام، الأمر الذي يسعى لتحقيقه الساسة والمصلحون في جميع العصور والبلاد دون جدوى، لأنه ليس هناك سلام مع الله أو خير منه دون إيفاء مطالب عدالته وقداسته، وليس هناك شخص استطاع إيفاء مطالب كل منهما سوى المسيح، كما ذكرنا.
62-مما تجدر الإشارة إليه أن الذي كان يظهر من السماء في كثير من المرات للأنبياء قديماً، هو أقنوم الكلمة الذي تجسد في ملء الزمان، وقد درسنا هذا الموضوع بالتفصيل في كتاب "الله وكيفية إعلانه عن ذاته".
- عدد الزيارات: 5725