Skip to main content

ملحدون وقديسون

إن المسيحيين، عادة، لا يبالون بأمر الإلحاد ولا يكترثون به. إنهم يرفضونه، ويرتضون برفضهم هذا ويقفون عند هذا الحد. غير أن مثل هذا الموقف الذي يتخذونه لا يكفي .

أقل ما يقال في الأمر أن ثلاثة فلاسفة مسيحيين، يمثلون تقاليد تختلف بينها كل الاختلاف قد ألّفوا في الآونة الأخيرة كتباً رصينة نفّاذة عن الإلحاد، وهم نقولا بردييف (Nicoias Berdeav) (وينتمي إلى الكنيسة الأرثوذكسية) وجاك ماريتان (Jacques Maritain) (وهو كاثوليكي) وبول تلش (Paul Tillich) (وهو بروتستانتي). وسأحاول ان أقول كلمة عن كل منهم في الفصل التالي. أما الآن فاني سأركز الكلام على مقال مثير لماريتان وعنوانه "معنى الإلحاد المعاصر".

يقول ماريتان في مقدمة المقال أنه لن يتناول أولئك الملحدين الذين يكثرون من الثرثرة، والذين لا يريدون ان يكلفوا أنفسهم عناء التفكير أو الكلام عن الله. ثم يتناول أولئك الذين يتخذون موقفاً جريئاً صريحاً في رفضهم كل عرف، وكل احترام، ألفه الناس. وبعد أن تناول هذه الفئة من الملحدين أخذ يقابل بين الملحدين والقديسين بطريقة أخّاذة تستوقف النظر .

إن أكثرنا، ونحن ننساق في تيار المجتمع، يبقي على العرف الديني المألوف في ذلك المجتمع. وإذا ما طرأ تغيير اجتماعيي على العرف وعلى المألوف في المجتمع، فإننا نحن نتغير في ظروفنا- وقل جداً أن نلحظ أننا قد غيرنا ما بأنفسنا. أما الملحد الرصين في إلحاده فان عنده إيماناً أجرأ وعظمة وفضل لا شرح لها في عقيدته. فانه يجرؤ على أن يعرض نفسه للانتقاد واللوم، ويستطيع أن يرى ما لا يراه غيره من أصنام تستهوي الناس وتستأثر بعادتهم واحترامهم.

أما القديس فهو الوحيد الذي ينعم ببصيرة نيرة أكثر من الملحد. فانه يتخذ موقفاً صارماً في رفضه كل الأمور على علاّتها. إنه يرفض جميع الأصنام، حتى الطبيعة والمجتمع، اللذين هما صنمان الحاديان، متّكلاً على الله واضعاً فيه كل ثقته.

وهكذا نجد أن ماريتان يقضي على فكرة خاطئة شائعة بين الناس فإننا كثيراً ما نصف الناس، من وجهة دينية، كما يصنف المنشور البلوري طيف النور. عند أقصى الطرف الشمالي نضع الملحد الذي لا يؤمن بشيء ثم إذا اتجهنا قليلاً إلى اليمين نضع أصنافاً من الناس يؤمنون كثيراً إلى أن نصل إلى الطرف الأقصى من اليمين حيث نضع المسيحي الحقيقي. ولكن ربما كان الملحد العنيف الشديد في إلحاده أقرب مرتبة من الله من أولئك الذين يؤمنون قليلاً أو حتى من الذين يؤمنون كثيراً.

وهذا يتفق مع آراء كارل ميكلسون الذي استشهدت بأقواله في هذا الفصل. يقول أن الوجودية من تلقاء ذاتها "لا تضع المسيح على الصليب الأوسط بين لصين، لكنها لا تضع شيئاً آخر على هذا الصليب".

ولست أشك في أن هذا أفضل من أن نحشد على جبل الجلجثة صلباناً رموزاًً تافهة تغني الناس، وهم قابعون في رغد من العيش، عن أن يواجهوا المسيح على صليبه.

غير المسيحيين يستطيعون أن يلجئوا إلى الإنجيل في ردهم على الوجوديين الملحدين- ولكن من الأفضل لهم ألا يختاروا إنجيلاً مبسطاً مشوهاً.

  • عدد الزيارات: 3211