Skip to main content

المسرح

كل تمثيلية- باستثناء أن تكون مجرد استعراض للفرجة أو للتسلية- هي بطبيعتها وجودية. وقوة المسرح، سواء أكان يمثل عليه هزلية أم مأساة، في اجتذاب جمهور الحضور للاشتراك في عملية التمثيل. وإذا ما استطاع المسرح أن يشرك الحضور في صراع تمثيلي فإنه يثير فيهم اهتماماً أن يعوا ذواتهم، ومن ثم أن يعوا العالم حولهم.

وقد عني المسرح الأمريكي بصورة خاصة، ومنذ عهد يوجين أونيل (Eugene O Neill) إلى يومنا، المواضيع الوجودية. ولم تكن الفلسفة ولا اللاهوت هما الدافعان إلى اختيار مثل هذه المواضيع في أكثر الأحيان، بل بالأحرى كان الحافز يصدر عن التاريخ، عن الماركسية والفلسفة الفرويدية اللتين ألحقتا الطرق والتقاليد القديمة بإهانة فكرية، وعن الحروب المخربة، وعن القلائل والاضطرابات الداخلية.

إن الشكوى العامة التي يشكو منها الناس بالنسبة إلى المسرح المعاصر أنه لم يعد مسرحاً يبعث البهجة والفرح. فالمسرح الآن أقرب إلى القبح والبشاعة أو إلى النبل والتسامي مما هو إلى "الجمال". وهذه الشكوى بالذات هي مديح للوجودية الصريحة التي تبدو في أشهر كتاب الرواية في يومنا هذا.

أما تمثيليات سارتر فإنها أكثر صراحة في طابعها الوجودي. فإن تمثيلية "لا مخرج بها" مثلاً تعطينا مزيجاً ساخراً من مواضيع مسيحية وإلحادية. أما المكان فغرفة تقع في جهنم (والحضور المشاهدون يدركون هذا فوراً) وفي الغرفة يقطن ثلاث شخصيات: غارسن وهو محرر جريدة تدعو إلى السلام، وهو رجل لم يحسن معاملة زوجته ومات ميتة الجبناء (خلافاً لما كان يحلم به). وإستيلا وهي امرأة مصابة بالغلمة النسوية، وكانت قد تزوجت عدد من الرجال وقتلت طفلها غير الشرعي. وأخيراً اينزا، وهي امرأة مساحقة وكانت سبباً في تعاسة عدد من الناس.

ويدرك هؤلاء الثلاثة، شيئاً فشيئاً، أنه مقيد لهم أن يعذب الواحد منهم الآخرين إلى الأبد. ويؤدي بهم الاستنتاج إلى أن جهنم إنما هي "غيرهم من الناس" ومع هذا، عندما جاءت اللحظة الدراماتيكية وفتح الباب لهم على مصراعيه لينقذوا أنفسهم، لم يجرؤ أحد منهم على مغادرة الغرفة إذ أن كل واحد منهم كان يشعر بمسيس الحاجة إلى رفيقه الآخر الذي يبغضه أشد البغض.

وأشخاص المسرحية الثلاثة يرون مرة بعد أخرى بارقة أمل في أن يستطيعوا العيش معاً، وهكذا، وبعد سلسلة من العبارات الشرطية التي تبدأ بـ "لو" أدركوا جميعاً الحالة التاعسة المريرة التي يجدون أنفسهم فيها. فكانوا يقولون: "لو أننا نثق بعضنا ببعض" و "لو أن الواحد منا عنده شيء من الإيمان بالآخر" و "لو أن الواحد منا يستطيع أن يقنع الآخر أنه ليس عدواً له" عندئذ يمكن أن ينشأ بيننا جو مفعم بالمحبة والرضى، وعندئذ يمكن أن نجد الخلاص لأنفسنا من العذاب الذي نحن فيه. ولكن جهنمهم هذه "لا مخرج لها".

إن هذه المسرحية مقالة تمثيلية تقوم على عقيدة الخلاص بالنعمة والتبرير بالإيمان كما وردت في العهد الجديد. ولكن ليس هناك نعمة وليس هناك إيمان. وظاهر أن كير كغارد ترك في نفس سارتر أثراً، غير أن سارتر كان يأبى أن يشترك مع كير كغارد في وثبته إلى الإيمان.

  • عدد الزيارات: 2537