الفصل الثاني: أيديولوجية وتنظيم - العبد وشهوده
العبد وشهوده
الشهود هم غالباً أُناس عصفت بهم ضغوط الحياة وصعابها، وزعزعت الشكوك وقلة المعرفة الروحية إيمانهم، فبحثوا في غمرة يأسهم عن الخشبة التي تنقذهم من الضياع النفسي والروحي، فوجدوا شهود يهوه يطرقون أبوابهم، ولمــّا فتحوا لهم الباب دخلوا بيوتهم وحياتهم.
ولعّلهم أُناس تعرضوا للوحدة والتغييب والرفض فبحثوا عن حضن دافئ. والإنسان الذي يشعر بغياب الكينونة والاعتبار عنه، يسهل انسياقه إلى البدع التي تدخل بيته لتأخذه وتُدخله في بيئة تحتضنه وتؤمّن له المحبة والعناية ، فيجد نفسه وسط مجتمع يعتبره ويحترمه ويبدي به اهتماماً بالغاً، وهذا ما يعطيه شعوراً بقيمته في الحياة.
وبعضهم خاضوا صراعاً عقلياً واجتماعياً بحثاً عن الحق والحقيقة وعن معنى الوجود. فوجدتهم جمعية برج المراقبة ودخلت إلى حياتهم لتلعب الدور الهام في فكرهم وقرارهم النهائي.
ومنهم من احتاج إلى أيديولوجية جديدة تملئ فراغاً في حياته، والطبيعة البشرية تكره الفراغ. هذا الأمر تستغله برج المراقبة بحرفية وامتياز كسائر البدع، فتزرع في قلوب الناس الأمل بعصر سلام دائم على وشك البزوغ. هذه الأيديولوجية تذوب الشخصية ومتطلباتها وسط دفء جماعي مصطنع.
وبعضهم تعطش إلى المعرفة التي عجزت الكنائس التقليدية عن تقديمها لهم بسبب ما لحق بها من تصدع روحي وتحزب وشقاق.
--------------------------------
*راجع الجزء الثاني من هذا الكتاب "الحكم السديد على ترجمة العالم الجديد".
حال انضمام الشخص إليهم تعمل المنظمة على ضمان عدم خروجه من العائلة الجديدة، فيُبنى حوله جدار فكري ونفسي حصين، ويجاز في منهاج تعليمي خاص تغسل فيه الدماغ ويمحى منها كل ماله علاقة بالمجتمع القديم الذي عاش فيه و بالإيمان الذي تربى عليه، إلى أن يبات يرى في نحاس برج المراقبة ذهباً خالصاً وفي زجاج مبادئها لآلئ برّاقة.
أما المنهاج فيقوم على أساسين:
1 - إشعال نار التذمّر والعدائية نحو المسيحية بمختلف طوائفها وزعزعة الإيمان والثقة في تعاليمها. فيُقلب التاريخ، وتُنبش الأخطاء وتُقيَّم أمامه بالاعتماد على تشويه الحقائق. وهكذا يصوّرون له المسيحية في وضع مأساوي ينتشر فيها الفساد والضياع فلا يعود يرى فيها سوى "بابل الزانية". هذا يوَّلد ليس حقد على المسيحية وأتباع المسيح وخدامه فحسب، وإنما يزرع الخوف في نفسه تجاهها، مما يقوده إلى الاحتماء في حضن المجتمع الجديد، مجتمع برج المراقبة.
2 - والأساس الآخر هو التعليم والتلمذة. فالمنخرط في صفوفهم يتلقّى دروساً عقائدية مُنظّمة ومُكثّفة وتحشى دماغه بمعلومات يقدمها له "العبد الأمين الحكيم". وأمام هذا الغزو ألمعلوماتي تنعدم قدراته التحليلية وتنهار مناعته الفكرية إلى أن تُغسل دماغه تماما، فيستسلم للتبعية العمياء. والذين اجتازوا المنهاج التعليمي وتأصلت في نفوسهم الثقة تجاه الهيئة الحاكمة، أضحوا في قبضة إخطبوط رهيب يصعب التخلص منه، ومحاطين من كل جانب بجدار سميك يستحيل اختراقه إلا بقوة روح الله. فالفكر أُغلق والإرادة استُعبدت والرؤيا حُجبت.
إن اكتشف المرء ضلال برج المراقبة فالعوامل النفسية ستحول دون الانفصال عنها، وأهم هذه العوامل الخوف:
أ - خوف من السقوط في هوة الماضي. الماضي بما فيه من مشاكل نفسية وروحية، قد يكون المرء اختبرها قبل انضمامه لشهود يهوه.
ب - خوف من نبذ المجتمع والأقرباء. فحين انضم المرء إلى مجتمع الشهود اتبع حكمة "العبد الحكيم" وقطع صلته بمجتمع الأشرار في سبيل إرضاء يهوه.
ج – خوف من فقدان الارتباط العائلي. فالمنظمة تمنع اتصال الشهود بذويهم المرتدين أو المفصولين وتحذر "أن هؤلاء المرتدّين هم "ليسوا منا"، فقد رفضهم الله ويتوجب على المسيحيّين المخلصين أن يتجنبونهم. كل من يرتدّ و لا يتوب بنهاية نظام الأشياء سيلقى نفس مصير"الزوان"، سيحرق بالنار ويباد بالتمام".[25] وتقدم النصائح في كيفية التعامل مع المفصولين من العائلة الواحدة، فتقول: "فنحن لا نعاشر المفصولين معاشرة اجتماعية أو روحية... مجرد قول "مرحبا "لأحد يمكن أن يكون الخطوة الأولى التي تتطور إلى محادثة... فأفراد العائلة الأولياء لا يبحثون عن الأعذار لتبرير تعامل مع قريب مفصول... يدفعهم الولاء ليهوه وهيئته إلى تأييد الفصل". فالولاء للهيئة هو ولاء لله، "نحن نعرب عن الإذعان لسلطة يهوه باحترام البشر الذين عيّنهم". [26] حتى القاصرين يتعرضون للفصل والطرد "إذا كان المفصول ولداً قاصراً... يرتب الوالدان المحبان أن يعقدا مع الولد درسا في الكتاب المقدس"[27]، طبعا لإعادته إلى رشده بتقديم الولاء لمنظمة يهوه.
د – خوف من الخسارة المادية. هجر المنظمة يعني الاستغناء عن ميراث الآباء، لأن أصحاب الممتلكات من الشهود لا يتركون ممتلكاتهم سوى للمنظمة أو للأقرباء الذين ينتمون إليها.
س- خوف من المسيحية وكنائسها. لقد تبرمج فكر الشهود على أن مجمل الطوائف المسيحية وثنية ترزح تحت سلطان إبليس؛ وعليه فإنّ السؤال الذي يخطر ببال كل شاهد، إلى أين أذهب؟ مع الشهود تحت الدلف وبدونهم تحت المزراب.
أما التلمذة فتقوم على محورين، المحور الأول يعتمد على استعراض نصوص وآيات الكتاب المقدس وتطويعها في إعطاء صورة عن مسيحية خربة ومشوهة. والمحور الثاني، يعتمد على تصوير الحق الإلهي بعدسة برج المراقبة الفاسدة، وبالتالي إعطاء صور وتفاسير مزيفة لكلمة الله.
بعد ذلك يصبح المتحكّم في حياة مشايعي برج المراقبة غرضان أساسيان هما، الاجتماعات وخدمة الكرازة. الاجتماعات، وعددها ثلاثة في الأسبوع وتقام في ما يسمونه "قاعة الملكوت"، وتتطبّع بروح مخالفة لروح العبادة والتمتّع بحضور الرب، إذ أنها دراسية أكثر منها تعبّدية وهدفها الأساسي تحضير الشهود للعمل الدعائي. قالوا عنها: "لذلك يجتمع شهود يهوه ثلاث مرات اسبوعيا لزيادة فهمهم للكتاب المقدس ولتعلم كيفية الكرازة برسالته وتعليمها للآخرين". [28]
والكرازة، أو "خدمة الحقل" كما يسمونها، هي إلزامية وعلى المشايعين ممارستها وتقديم تقارير مستمرة حولها. وتحذر المنظمة من التقاعس في الخدمة أو خداع في التقارير، "يجب أن نحرص على عدم تزوير الوقائع عند تقديم تقرير عن نشاطنا في خدمة الحقل. كما انه لا ينبغي أبدا أن نحرف الحقيقة عن حالتنا الصحية أو أي أمر آخر متعلق بنا عند ملء طلب لخدمة خصوصية"[29]. وما ينتجه المشايع يقرّر بقاءه في المنظّمة أو استبعاده منها. وبسبب خوف الشهود من الطرد، وأملهم بمركز مرموق في "العالم الجديد"، ينتجون للمنظّمة عملاً يفوق كل وصف.
يذكرنا النظام المهيمن وسط جماعة شهود يهوه بالجهاز ألمخابراتي لبعض الأنظمة القمعية. التجسس عندهم فريضة والوشاية فضيلة، الزوجة تشي بخطايا زوجها، والأب بخطايا ابنه والعكس. لكن الأهم والأخطر من الخطايا الأدبية هي المعارضة الفكرية للنظام والأيديولوجية. وتحذر المنظمة شهودها من التستر على أخطاء الغير "أننا نلحق أذى كبيرا بالخاطئ إذا ساعدناه على إخفاء خطاياه...صحيح أن الخاطئ قد يخشى التأديب، لكن هذا التأديب هو أعراب عن محبة يهوه...إذاً احرص على جعل الخاطئ يعترف بخطيته لشيوخ الجماعة ... من المهم خصوصاً أن نكون مستقيمين وصادقين مع الذين يتولون القيادة ... صدقين مع هيئة يهوة حين نجيب خطياً عن بعض الأسئلة". [30]
نعود مجدداً إلى قضية Douglas Walsh لنرى الترهيب والتهديد بالطرد في تصريحات فريدريك فرانس:
"المدعي العام: هل توجد مخالفات صعبة تبرر طرد الأعضاء وعدم قبولهم ثانية؟
فرانس: نعم، بالحقيقة أن الطرد قد يقود الإنسان إلى الإبادة إن بقى خارج المنظمة ولم يندم ويغير سلوكه. لن يكون له رجاء بالحياة في العالم الجديد. هنالك سلسلة من التصرفات تجلب معها الفصل الذي لا رجوعا عنه..."
لم يتناقض موقف هايدن كوفينغتون مع موقف فرانس في هذا الصدد:
"المدعي العام: إنّ الذي يعبر عن رأيه يتم استبعاده ويعتبر مخالفا للعهد؟
هايدن: هذا صحيح
المدعي العام: ويكون، كما صرّحت حضرتك بالأمس، مستحق الموت؟
هايدن: اعتقد...
المدعي العام: هل تجيب بنعم أم لا؟
هايدن: أجيب بنعم وبلا تردد
المدعي العام: هل تسمي هذه ديانة؟
هايدن: بالتأكيد
المدعي العام: وتسمي هذه مسيحية؟
هايدن: بالضبط
المدعي العام: وافقت حضرتك بصراحة وعلانية، على طرد المعارضين وتحميلهم العواقب الروحية والنفسية الناتجة عن ذلك؟
هايدن: نعم، لقد صرّحت بهذا واكرر التصريح".
لدى منظمة برج المراقبة مواقف متشددة تجاه بعض الممارسات في الحياة الاجتماعية والدينية تلزم أتباعها برفضها، أما المعترض عليها فلا مكان له بين "جماعة يهوه". من هذه الممارسات:
1 - الاحتفال بالأعياد المسيحية، الميلاد والقيامة. بحجة أنها عادات وثنية تتعلق بالدين الباطل.[31]
2 - الاحتفال بعيد الميلاد الشخصي،والحجة في ذلك، أن"أهم يوم في نظر عبدة الشيطان هو يوم الميلاد. لماذا؟ لأنهم يعتقدون أن كل شخص هو إله إذا اختار أن يعتبر نفسه إلها. لذا فإن الاحتفال بيوم الميلاد الشخصي هو بمثابة الاحتفال بولادة إله". [32]
3 - تقديم التحية للعلم. "إنّ الانحناء للعلم أو أداء التحية له، اللذين غالبا ما يرافقهما النشيد الوطني، هما عمل عبادة يدل أنّ الشخص لا ينسب الخلاص إلى الله". [33]
4 - الخدمة العسكرية ولو أدى ذلك إلى دخول السجن. [34]
5 - الاشتراك في التصويت والانتخابات في البلدان الديمقراطية. وحيث التصويت إلزامي يترك القرار للشاهد، مع وجوب الأخذ بتحذير العبد "اعتبر يهوه رغبة الإسرائيليين في حاكم منظور بمثابة رفض له". [35]
6 – نقل الدم إلى الجسم تحت أي ظرف من الظروف، حتى لو أدى ذلك إلى الموت.
- عدد الزيارات: 16465