Skip to main content

الفصل الثاني: أيديولوجية وتنظيم

الصفحة 1 من 6

نظرية "العبد الأمين الحكيم"

يفتخر الشهود بأنّ يهوه هو قائدهم الأعلى والمسيّر لمنظمتهم بكل فروعها. فيدّعون أن"ليس لديهم صف رجال دين مأجور وليس لديهم أيّ قائد بموهبة قيادية في مقام عال - من يتحكّم في الهيئة؟ من الذي يوجهها؟ من هو الرأس؟ أرجل هو؟ أم مجموعة من الرّجال؟ أم طبقة رجال الدين؟ البابا؟ الهرميّة؟ مجلس؟ لا ...هل الإله الحيّ، يهوه، قائد الهيئة المسيحيّة الثيوقراطية؟ نعم! " [8]

ليست الحقيقة كما يصورنها، وقولهم لا يصيب من الحق إلا نصفه. فرغم أنّ لا رئيس يحكمهم اليوم كما في الماضي، إنما هم يخضعون لهيئة بشرية تأتي في المرتبة الثالثة بعد يهوه والملك يسوع ضمن نظام ثيوقراطي يسود على هيكلية منظمتهم، التي بواسطتها سيحكم الله العالم قريباً، كما يعتقدون.

تُلقّب الهيئة الحاكمة بـ "صف العبد الأمين الحكيم"، وتستمد لقبها من قول المسيح في إنجيل متى 24: "فمن هو العبد الأمين الحكيم الذي أقامه سيده على خدمه ليعطيهم الطعام في حينه؟". وتقول: "يسوع بدوره أقام عبده الأمين الفطين للاعتناء بحاجات شعب الله الروحية على الأرض(متى 24: 45 – 47) والهيئة الحاكمة لشهود يهوه تمثل صف العبد هذا". [9]

هدف الهيئة، قيادة المشايعين قيادة موحّدة فكراً وقولاً وعملاً، ولأعضائها مكانة بين شهود يهوه كمكانة رسل المسيح في الكنيسة الأولى، فيقال: "رجال هذه الهيئة الحاكمة، هم كالرسل والشيوخ... يتبعون مثال الهيئة الحاكمة في أورشليم التي كانت قراراتها مؤسسة على كلمة الله ومتّخذة تحت إرشاد الروح القدس - والترتيب عينه يعمل في الهيئة الحاكمة لشهود يهوه اليوم". [10]وتسعى الهيئة نحو المزيد، فتدعي بأنها "قناة الله الوحيدة" التي يكلم بها البشر:"لإرضاء يهوه يلزمنا أن نقبل الإرشاد الذي يزوّدنا إيّاه بواسطة هذه القناة ونعمل بانسجام تام معه"[11]، ولا يُعرف شيئاً عن الشخصيات التي تتألف منها الهيئة، فالغموض يكتنف جنسياتهم وقدراتهم العلمية وممتلكاتهم. وللتخفي منافع، فهو بلا شك يجنبهم المساءلة والفحص والانتقاد.

نشأت هذه الأيديولوجية وتبلورت على مدار أكثر من أربعين عاماً، والغرض منها هو طلاء تنظيمهم بصبغة روحية وتحويله من نظام بشري تقمع فيه الإرادة ويمارس فيه الإرهاب الفكري إلى نظام ديني ثيوقراطي. بدايةً أشار إليها رصل في مجلة برج المراقبة فقال: "إنّ هدف الناشر لهذه المجلة يتمثل في حث جماعة المؤمنين على السهر وإمدادهم بالطعام الروحي في أوانه استعدادا للحوادث المتعلقة بمجيء المسيح". [12] تلا ذلك تلميحات من أتباع رصل وزوجته على أنه العبد المشار إليه في قول الرب. وما باتت أن تحولت التلميحات إلى إعلان صريح في كتاب صدر لرصل بعد موته بعنوان "اللغز المنتهي"، وهو جزء سابع من سلسلة "دراسات في الكتاب المقدس".

ازدادت العقيدة قوة أبان حكم رذرفود الذي رسم لها الحدود النهائية بالقول:"نؤمن بأن الأخ رصل حافظ على مقامه كعبد مميز وأمين للرب ، وقد أوكله الرب على كل ما له ، ولهذا من لا يتبع تعليم هذا الرجل ويتمثل بسيرته يكون رافضاُ للمسيح ومرتداً عن الإيمان". [13]بعدها بحوالي ثلاثين سنة تثبتت العقيدة في كتاب "شهود يهوه يكرزون بالملكوت"، ونُسبت مهام العبد إلى مجموعة من القادة يؤلفون الهيئة الحاكمة لشهود يهوه.

يرى الشهود وقادتهم في قول المسيح نبوّة عن قدوم عبد أمين وآخر شرير ليرعى جماعة المؤمنين. العبد الأمين يتمثل في قادتهم، والشرير في قادة الكنائس المسيحية. لكن في مراجعتنا لسياق النص لا نرى شيئاً من هذا القبيل، بل هو مثال عن عبد واحد قد توجد فيه الأمانة أو تنعدم، أي تصرفين محتملين لعبد واحد. والاحتمال هنا ينفي النبوّة لأن النبوّة ثابتة لا تقبل باحتمالات.

وبالرجوع إلى القرينة في لوقا 12، نلحظ أنّ الكلام موجه لجميع المؤمنين بالمسيح، ويعلن موقف المؤمن منوكالة أقامه عليها الرب، كما ويضع المعايير الصحيحة للحياة والخدمة المسيحية، ويحدد سلوك أتباع المسيح. فيجعل الحكمة والأمانة صفتين يتطلب وجودهما في حياة كل مسيحي يسعى إلى أتّباع المسيح. فلا شك بإنه مثل ضربه الرب، ولا أثر فيه لنبوّة عن رصل أو غيره.

صفات العبد ومهامه
الصفحة
  • عدد الزيارات: 16517