Skip to main content

الفصل الثاني: أيديولوجية وتنظيم

نظرية "العبد الأمين الحكيم"

يفتخر الشهود بأنّ يهوه هو قائدهم الأعلى والمسيّر لمنظمتهم بكل فروعها. فيدّعون أن"ليس لديهم صف رجال دين مأجور وليس لديهم أيّ قائد بموهبة قيادية في مقام عال - من يتحكّم في الهيئة؟ من الذي يوجهها؟ من هو الرأس؟ أرجل هو؟ أم مجموعة من الرّجال؟ أم طبقة رجال الدين؟ البابا؟ الهرميّة؟ مجلس؟ لا ...هل الإله الحيّ، يهوه، قائد الهيئة المسيحيّة الثيوقراطية؟ نعم! " [8]

ليست الحقيقة كما يصورنها، وقولهم لا يصيب من الحق إلا نصفه. فرغم أنّ لا رئيس يحكمهم اليوم كما في الماضي، إنما هم يخضعون لهيئة بشرية تأتي في المرتبة الثالثة بعد يهوه والملك يسوع ضمن نظام ثيوقراطي يسود على هيكلية منظمتهم، التي بواسطتها سيحكم الله العالم قريباً، كما يعتقدون.

تُلقّب الهيئة الحاكمة بـ "صف العبد الأمين الحكيم"، وتستمد لقبها من قول المسيح في إنجيل متى 24: "فمن هو العبد الأمين الحكيم الذي أقامه سيده على خدمه ليعطيهم الطعام في حينه؟". وتقول: "يسوع بدوره أقام عبده الأمين الفطين للاعتناء بحاجات شعب الله الروحية على الأرض(متى 24: 45 – 47) والهيئة الحاكمة لشهود يهوه تمثل صف العبد هذا". [9]

هدف الهيئة، قيادة المشايعين قيادة موحّدة فكراً وقولاً وعملاً، ولأعضائها مكانة بين شهود يهوه كمكانة رسل المسيح في الكنيسة الأولى، فيقال: "رجال هذه الهيئة الحاكمة، هم كالرسل والشيوخ... يتبعون مثال الهيئة الحاكمة في أورشليم التي كانت قراراتها مؤسسة على كلمة الله ومتّخذة تحت إرشاد الروح القدس - والترتيب عينه يعمل في الهيئة الحاكمة لشهود يهوه اليوم". [10]وتسعى الهيئة نحو المزيد، فتدعي بأنها "قناة الله الوحيدة" التي يكلم بها البشر:"لإرضاء يهوه يلزمنا أن نقبل الإرشاد الذي يزوّدنا إيّاه بواسطة هذه القناة ونعمل بانسجام تام معه"[11]، ولا يُعرف شيئاً عن الشخصيات التي تتألف منها الهيئة، فالغموض يكتنف جنسياتهم وقدراتهم العلمية وممتلكاتهم. وللتخفي منافع، فهو بلا شك يجنبهم المساءلة والفحص والانتقاد.

نشأت هذه الأيديولوجية وتبلورت على مدار أكثر من أربعين عاماً، والغرض منها هو طلاء تنظيمهم بصبغة روحية وتحويله من نظام بشري تقمع فيه الإرادة ويمارس فيه الإرهاب الفكري إلى نظام ديني ثيوقراطي. بدايةً أشار إليها رصل في مجلة برج المراقبة فقال: "إنّ هدف الناشر لهذه المجلة يتمثل في حث جماعة المؤمنين على السهر وإمدادهم بالطعام الروحي في أوانه استعدادا للحوادث المتعلقة بمجيء المسيح". [12] تلا ذلك تلميحات من أتباع رصل وزوجته على أنه العبد المشار إليه في قول الرب. وما باتت أن تحولت التلميحات إلى إعلان صريح في كتاب صدر لرصل بعد موته بعنوان "اللغز المنتهي"، وهو جزء سابع من سلسلة "دراسات في الكتاب المقدس".

ازدادت العقيدة قوة أبان حكم رذرفود الذي رسم لها الحدود النهائية بالقول:"نؤمن بأن الأخ رصل حافظ على مقامه كعبد مميز وأمين للرب ، وقد أوكله الرب على كل ما له ، ولهذا من لا يتبع تعليم هذا الرجل ويتمثل بسيرته يكون رافضاُ للمسيح ومرتداً عن الإيمان". [13]بعدها بحوالي ثلاثين سنة تثبتت العقيدة في كتاب "شهود يهوه يكرزون بالملكوت"، ونُسبت مهام العبد إلى مجموعة من القادة يؤلفون الهيئة الحاكمة لشهود يهوه.

يرى الشهود وقادتهم في قول المسيح نبوّة عن قدوم عبد أمين وآخر شرير ليرعى جماعة المؤمنين. العبد الأمين يتمثل في قادتهم، والشرير في قادة الكنائس المسيحية. لكن في مراجعتنا لسياق النص لا نرى شيئاً من هذا القبيل، بل هو مثال عن عبد واحد قد توجد فيه الأمانة أو تنعدم، أي تصرفين محتملين لعبد واحد. والاحتمال هنا ينفي النبوّة لأن النبوّة ثابتة لا تقبل باحتمالات.

وبالرجوع إلى القرينة في لوقا 12، نلحظ أنّ الكلام موجه لجميع المؤمنين بالمسيح، ويعلن موقف المؤمن منوكالة أقامه عليها الرب، كما ويضع المعايير الصحيحة للحياة والخدمة المسيحية، ويحدد سلوك أتباع المسيح. فيجعل الحكمة والأمانة صفتين يتطلب وجودهما في حياة كل مسيحي يسعى إلى أتّباع المسيح. فلا شك بإنه مثل ضربه الرب، ولا أثر فيه لنبوّة عن رصل أو غيره.


صفات العبد ومهامه

إيديولوجية "العبد الأمين الحكيم" أجازت للهيئة الحاكمة الادعاء بأنها قناة الله، فصارت تمرر إلى الشهود تعاليمها الهشة على أنها حق إلهي نقي. حقوق التفسير والتعليم والتوجيه محفوظة للعبد وحده دون سواه. هو يقرأ الكتاب ويستخرج منه الغذاء الروحي للشهود، ولا يمكن الاعتماد على سواه في تفسير كلمة الله وقيادة شعبه. لذلك فإنّ أول درس يلقّن للمنخرط في صفوفهم هو إخضاع العقل والإرادة للعبد كما لله. فمادام المرء يؤمن بأن الله يمرر كلامه للناس عن طريق العبد، فهو بالتالي مرغم على قبول إرشاداته وتعاليمه مع تقديم الطاعة العمياء له من أجل إرضاء ضميره تجاه الله.

من مزاعمهم بهذا الخصوص:

"إذا لم نكون على علاقة بقناة الاتّصال التي يستخدمها اللّه، فلن نتقدّم في الطّريق إلى الحياة، حتى وإن قراءنا بكثرة في الكتاب المقدس". [14]

"جميعنا نحتاج المساعدة على فهم الكتاب المقدس، و لا يمكننا الحصول على حاجتنا من توجيه كتابي خارج صف العبد الأمين الحكيم".[15]

"يهوه لا يتكلم معنا إفرادياً اليوم، بل يستخدم كلمته وممثليه على الأرض ... فنحن نخطئ إلى إلهنا إن تمردنا على أشخاص كهؤلاء". [16]

في قضية Douglas Walsh الشهيرة، التي خاضتها منظمة برج المراقبة بداية خمسينات القرن الماضيأمام القضاء البريطاني في اسكتلندا لانتزاع الاعتراف بشرعية قادتها ومساواتهم للكهنة والقسس في الطوائف المسيحية، استُدعي نائب رئيس جمعية برج المراقبة فريدريك فرانس، والمستشار القانوني للجمعية هايدن كوفينغتون * للإدلاء بشهاداتهم. وفيما يلي مقتطفات من الاستجواب كما رواه الانفصالي رايموند فرانس * في كتابه "صراع الضمير"، وفيه تتجلى أفكارهم بوضوح:

محضر استجواب نائب الرئيس فريدريك فرانس: *

"المدعي العام: ينبغي على كل عضو من شهود يهوه التسليم، بأن كتب الجمعية، التي أشرت إليها أنت هي شبيهة بالكتاب المقدس وتفسيرا حقاً له؟

فرانس: لكنه غير مرغم على هذا الفعل؛ كمسيحي له الحق في فحص نصوص الكتاب المقدس للتأكد بأن الكتاب يوافق تفاسيرنا...

المدعي العام: لا خيار لدى الشاهد إلا بقبول معلومة مجلة "برج المراقبة" أو مجلة "استيقظ" والعمل بما يأتي فيهما من توجيهات؟

فرانس: عليه القبول بهذا ... الرئيس هو القناة الناطقة [باسم الله]. هو يلقي الكلمة التي تطور المعرفة الكتابية ...

المدعي العام: هل هنالك رجاء بخلاص إنسان اسند إيمانه على الكتاب المقدس، لكنه يتواجد في مكان ما من العالم لم تصله منشورات منظمتك ... هل يقدر أن يفسر الكتاب بطريقة سليمة؟

فرانس: لا... "

محضر استجواب المستشار القانوني هايدن كوفينغتون:

"المدعي العام: لقد نشرت جمعيتكم، نبوّات كاذبة.

هايدن: لنقل تصريحات خاطئة أو توقعات خاطئة حول إتمام النبوءات.

المدعي العام: وكان على الشهود القبول بها؟

هايدن: هذا صحيح.

المدعي العام: كل شاهد اقتنع بخطأ النبوّة وقال بذلك تم طرده ؟

هايدن: نعم، فحين تعتمد المنظمة على اعتقاد ما، لا يسمح لأحد بالتشكيك فيه أو تسريب أفكار خاصة بين الشهود، حتى لو ثبت خطأه، لأن ذلك يحدث خللاً في النظام. التغيير ينبغي أن يأتي من الجهة المعنية في الهيئة الحاكمة وليس من أسفل إلى أعلى ... هدفنا هو الوحدة.

المدعي العام: وحدة مهما كان الثمن؟

--------------------------------

* Hayden C. Covington كان من المقربين إلى رذرفورد ومطّلع على معظم أسراره. مثّل المنظمة في الكثير من القضايا أمام المحكمة الأميركية العليا، وكان أحد أعضاء اللجنة الإدارية ثم تركها في نهاية الأربعينيات، مع احتفاظه بوظيفة مستشار قانوني للمنظمة. له يعود الفضل في نجاح معظم قضايا شهود يهوه أمام المحاكم الأمريكية، ومنها المختصة بسماح الكرازة من بيت إلى بيت، وعدم تقديم التحية للعلم.

* رايموند فرانس هو ابن أخت الرئيس فريدريك فرانس، وكان من لجنة التأليف وأحد أعضاء الهيئة الحاكمة. انفصل عن المنظمة سنة 1980 ووضع كتاب "صراع الضمير"، Crisis of Conscience ويعتبر كتابه المرجع الوحيد الذي يلقي الضوء على ممارسات الهيئة الحاكمة.

*محضر الاستجواب:

Evidence of the accuser in the case Douglas Walsh against The Right Honorable

James Latham Clyde, Scottish Court of Sessions, November 1954, pages (348-347). Crisis of Conscience, Raymond Franz

هايدن: وحدة مهما كان الثمن...

المدعي العام: وحدة على أساس القبول ألقسري بنبوءات خاطئة؟

هايدن: أقر بهذا..."

إنها تصريحات واضحة تقودنا إلى جملة من التساؤلات تتعلق بعقيدة "العبد"، منها:

أ - إن كانت المسيحية بجملة كنائسها فاسدة، ممن تألف صف "العبد الأمين الحكيم" في الفترة الزمنية مابين صعود المسيح إلى السماء ومجيء تشارلز تاز رصل؟

ب - إن كان لا يسوغ لبشر فهم الكتاب المقدس أو شرحه بدون "العبد"، كيف تعرّف رصل التائه على الحق الإلهي، وممن استلم المعرفة الروحية الكتابية، لاسيما أن المسيحية، بحسب ماكان يعتقد، فاسدة؟

ت - صرّح رصل قائلا: "بعد أن تركتُ المسيحية عبدتُ الإله المجهول وسعيتُ بحثا عن إعلان إلهي". [17] وتصريحه يقودنا إلى أحد الاحتمالين، إما أن يكون رصل الضال وجد "العبد" ونهل منه المعرفة واستنار بنور الحق، مما يؤكد سلامة المسيحية وتعاليمها خلافاً لمزاعمه، أو أنه لم يجد "العبد"، فانزلق إلى هاوية البدعة والضلال.

قالوا: "يسوع هو رأس الجماعة، أما عبده و كلماته فكانا يقوّيان خدمه خلال القرون الماضية، بحيث غذى صف العبد الجيل التّالي، وهكذا استمرت التغذية- كانت الجماعة المشبهة بالعبد تغذّي رعاياها الحقيقيين بحكمة و أمانة،منذ يوم الخمسين سنة 33 ميلادية حتّى يومنا هذا... والخدم تناولوا طعاماً روحياً أهلهم إلى معرفة النور الذي يزداد إنارة يوماً فيوماً".[18]

نسألهم: ماداموا يعتقدون بوجود عبد غذى أتباع المسيح بالحقائق الإلهية، لماذا يتهمون المسيحية بالارتداد عن الحق؟

جوابهم: "كانت المعتقدات الكتابية الحقيقية قد أصبحت ملتوية جدا خلال فترة الارتداد بحيث غابت معها الرؤية الواضحة لمجيء المسيح الثاني، ولم يكن الوقت المعين من الله لإعادة ترميم العبادة الحقيقية قد حان". [19]

مجرد مراوغة كلامية، فتارة تواجد العبد على مدى العصور وتارة غيرها لم يتواجد. ونعود للسؤال: إن كانت المعتقدات المسيحية الحقيقية قد أصابها الالتواء، من أين أتى رصل بالحق النقي الذي لا تشوبه شائبة؟

جوابهم: "أنشأ رصل فريقاً لدرس الكتاب المقدس اسبوعياً مع شبان آخرين. وبدأوا يحللون تعاليم الكتاب المقدس". وبالطبع درسوا

وشرحوا بدون العبد. وماذا كانت النتيجة؟ "نتيجة لدرسهم الكتاب المقدس وصل رصل وعشراؤه إلى رفض تعاليم العالم المسيحي". [20]

نستنتج مما تقدم أنّ رصل التائه لم يتقابل مع "العبد" ولم يتغذى منه، وإنما جمع حوله زمرة من الناس واستخرج ما لذ وطاب لنفسه من النصوص الكتابية، نابذاً بذلك الإيمان المسلم لأجيال الكنيسة عبر العصور. وهذا ما يؤكده أتباعه بالقول: "كان رصل متشوق لتعلم أي شيء عن الله بدون أن يقيم أهمية للمصدر".[21] وجماعة السبتيين هي إحدى المصادر التي استقى منها رصل تعاليمه، وبالأخص شريكه في "النبوّة" نيلسون باربور، الشراكة التي تضرب برج المراقبة عنها صفحاً، فتكتفي في سردها لتاريخ الحركة ببضعة كلمات تصف فيها انفصال الشريكان: "في سنة 1878 حصل خلاف رئيسي بين رصل وأحد مشاركيه، الذي رفض التعليم أن موت المسيح يمكن أن يكون كفارة عن الخطاة... قطع رصل كل الروابط بمشاركه السابق".[22]نعم،انفصل عنه لكنه احتفظ بأفكاره المختصة بالهرم وبنبوّة 1914، الفكر الذي خصص له رصل أكثر من خمسين صفحة في الجزء الثالث من كتابه "دراسات في الكتاب المقدس".


العبد ونظامه

نظامهم غريب من نوعه بين الفرق المسيحية وأقرب في تركيبته إلى المنظّمات العالميّة منه إلى النظام المسيحي الكنسي. تتألف المنظمة من مناصب عديدة تتشّعب من المركز الرئيسي لها في بروكلين- نيويورك لتمتد إلى الجماعات المحلية الصغيرة. أما اليد المحركة للمنظمة بكل فروعها فهي "الهيئة الحاكمة لشهود يهوه"، وتتألف الهيئة من 18 شخصاً ينتخبهم أعضاء المركز الرئيسي في بروكلين في جو سرّي تام، وتنتخب الهيئة بدورها رئيساً لها من صفوفها.

تصف برج المراقبة طبيعة نظامها وترتيبه بالثيوقراطي، فتجعل الله يهوه رأساً، ثم يليه الملك يسوع المسيح، فالهيئة الحاكمة بشتى لجانها وفروعها، كما يتضح من التركيبة الهرمية في الرسم التالي:

الله يهوه

صف "العبد الأمين الحكيم" (متى 24: 45-47)

الهيئة الحاكمة

لجنة التعليم

لجنة الخدمة

لجنة الموظفين

لجنة النشر

لجنة التأليف

لجنة الرئاسة

يسوع المسيح

النظام الثيوقراطي، عن " مجلة برج المراقبة" 1/4/1970

تقدّر أرباح المنظمّة ودخلها السنوي بأكثر من 350 مليون دولار. ومن مواردها المطبوعات، التي تُباع للشهود بسعر زهيد، لكنها مع ذلك تدرّ على المنظّمة أرباحاً طائلة بفضل توفّر عدة عوامل مساعدة هي:

أ - عدم احتياج المنظّمة للمطابع ودور النشر، فهي تطبع الكتب في المركز الرئيسي في بروكلين، حيث تملك المنظّمة إحدى أكبر مطابع العالم على الإطلاق، فضلاً عن مطابع عدّة في بلدان أخرى.

ب - عدم احتياجها إلى مواد الطباعة، إذ تصنعها بنفسها.

ت - تطبع الكتب والمجلات بملايين النسخ، الأمر الذي يخفّض من كلفتها.

ج - عدم احتياج المنظّمة إلى أيدٍ عاملة، فالأتباع هم عمّال متطوّعون وزبنٌ مضمونون في الوقت ذاته. وللتهرب من النظام الضريبي في بعض البلدان تتجنب الجمعية بيع الكتب، فتوزعها مجاناً أو تأخذ مقابلها التبرعات.

أما الموارد الأخرى والأهم فهي اشتراكات الشهود وتبرعاتهم وممتلكاتهم. غالبية المشايعين يتركون ثروتهم للمنظمة التي تحثّ المسنّين منهم على كتابة الوصية قبل أن توافيهم المنّية، فتتسرب الثروة إلى الخارج. والأموال الواردة يُخصص بعضها للخدمة الدعائية والبعض الأخر يتم استثماره.

تفتقر برج المراقبة إلى أهم مقومات وصفات المسيحية المتمثلة بالروح الساعية إلى فعل الخير للإنسان. فلا تكرس جهداً أو مالاً لإقامة مستشفيات أو مدارس أو دور للأيتام والعجزة والمعاقين، ولا تعين الجياع والمحتاجين لاعتقادها، أنّ مدّ يد العون للمنكوبين في هذا العالم هو ضد الإرادة الإلهية. لقد تأسست كجمعية لنشر وتوزيع الكتب، ولازالت هكذا رغم صبغتها الدينية.

تتفوّق منظمة برج المراقبة على غيرها من البدع المعاصرة في العمل الكرازي. ويرجع نجاحها إلى ثلاثة عوامل، هي:

أ - الدّعم المالي للكرازة والذي يتراوح ما بين 30 إلى 40 مليون دولار للسنة الواحدة.

ب - الخدمة الإلزامية المجانية التي يقوم بها شهود يهوه.

ت - حسن استخدامها لوسائل الدعاية، وأهمّها المطبوعات.

هذه العوامل أهّلتها إلى نشر معتقداتها في أكثر من مائتي بلد في العالم، كما عملت على ازدياد نسبة أعضائها الفعّالين بشكل خيالي. وفي إحصائياتها لسنة 2008 تقول بأن عدد أعضائها الفعّالين يبلغ "نحو 6.000.000 شاهد في أكثر من 230 بلدا"وأنها طبعت "ما يزيد عن 28 مليون كتاب بما فيها أكثر من 2.6 مليون كتاب مقدس". [23]


العبد والوحي

إنّ الطريقة التي يتعامل بها الإنسان مع كلمة الله تؤدي دوراً لا يقل أهميّة عن الإيمان بسلطانها المطلق. فهي التي تحدّد موقف الإنسان تجاه الله وتظهر مقدار النور الإلهي الذي يشعّ في أعماقه. ومن الحقائق الجوهرية الظاهرة في كتاب الله وفي الاختبار الإيماني، أن وجود كلمة الله بين يدي الإنسان، ووجود الإيمان لديه بصدق إرشاداتها وكمالها غير كافٍ للوصول به إلى الهدف، إذ يعوزه أن يدرك فحواها بمعونة الروح القدس، ويحسن استخدامها، ويستنبط منها الحقائق الروحية كما أرادها الله، وإلاّ انتهى به الأمر إلى أغوار بحور الشطط . القولبأنّ الكتاب المقدس بسيط ويستطيع أي كان أن يفهمه، هو قول حق، لكنه يصح فقط على مستوى التعاليم الأخلاقية والسلوكيات الروحية، ولا ينطبق على مستوى التفسير العميق وفهم المعاني والنبوّة والرموز. فهذا يتطلب قدرة علمية ومعرفة روحية عالية.

لقد أساء قادة شهود يهوه في تعاملهم مع وحي كلمة الله من أربعة جوانب:

أولاً: أساؤوا في نظرتهم الخاطئة إلى موضوع الوحي وهدفه. فنحن نؤمن بأنّ موضوع الوحي هو شخص الرب يسوع، كما أنّ هدفه إنارة الذهن والبصيرة لمعرفة مجد المسيح والتمتّع ببركات خلاصه. لكن شهود يهوه لا يشاركوننا إيماننا، بل يعتقدون بوحي يراد به إعلان مقاصد الله المتعلّقة بملكوته الأرضي بقيادة المسيّا ابنه. ومن البديهي، نظراً لإيمانهم هذا، أن يخرجوا بنتائج متعارضة مع إعلانات الكتاب المقدس والمعتقدات المسيحية المُسلّم بها. فعلى الرغم من تمسّكهم الشديد بالكتاب واعترافهم بسلطانه المطلق، ضلّوا الطريق إلى الحياة وأصابهم ما أصاب فطاحل اليهود وعلماء الكتاب قديماً، الذين جالوا باحثين في الكتب المقدسة عن الحياة بينما أمسكت عيونهم عن رؤية رب الحياة ورئيسها يسوع؛ لقد قبلوا الكتاب ورفضوا ربّه، ممّا دفع الرب ليردّ على حماقاتهم قائلاً: "فتّشوا الكتب لأنكم تظنّون أن لكم فيها حياة أبدية. وهي التي تشهد لي. ولا تريدون أن تأتوا إليّ لتكون لكم حياة"(يوحنا 5: 39و 40).

ثانياً: أساؤوا في الأساليب الغريبة التي يعتمدون عليها في تفسير الكلمة، وألّخصها في ثلاثة:

أ - التفسير بالتنقل من موضع إلى آخر في أسفار الكتاب المقدس بغرض تدعيم تعاليمهم، فيقتبسون الآيات بمعزل عن سياق النص، ثم بعد تجريدها من معناها الحقيقي الذي لا يتكامل ولا يتّضح إلا في السياق، يصلونها بآيات من أسفار أخرى لتعطي المعنى المطلوب منها.

ب - التفسير الحرفي والمجازي. النصوص المتّفقة مع فكرهم لها تعبير حرفي لا يتغيّر، أما المتعارضة معه فيفسّرونها مجازياً ويضفون عليها ما أرادوا من معانٍ. ويظهر هذا الأسلوب بشكل خاص في حساباتهم لزمن النهاية حيث يحوّلون الأيام إلى سنين والسنين إلى مئات وآلاف متى شاءوا ورغبوا.

ت - التفسير بالمقارنة والرموز. يستنتج المرء من قراءة مطبوعات برج المراقبة إن معظم ما جاء في كلمة الله موضوعه شهود يهوه ومنظّمتهم الملقّبة "عروس الله"، فاعتبروا أن الزيتونتين والمنارتين القائمتين أمام الرب في رؤيا 11 هما "رذرفورد ورجاله"، فيما النار الخارجة من فمها "هي الكرازة التي تقتل أعداءهما"، أي الكنيسة. والوحش الصاعد من الهاوية غلبهما وقتلهما "وذلك حين ألقاهما الأعداء سنة 1918 في السجن بتهمة باطلة". وحل فيهما روح حياة من الله حين "أطلق سراحهما بكفالة مادية سنة 1919". ثم دعاهما صوت من السماء للصعود، أي أنهم"نالوا شهرة عالمية لم يحظ بها رسل المسيح". [24]

ثالثاً: أساؤوا إلى كلمة الله باحتكارهم السلطان على فهمها وتفسيرها. والادعاءات المتكرّرة من جانب الهيئة الحاكمة أحدثت في شهود يهوه شعوراً بالعجز التام عن فهم كلمة الله بمعزل عن مطبوعات الجمعية، فباتوا يقرؤون الكلمة ليس للتعمّق في معرفة الله وتغذية أرواحهم بشخص المسيح، بل لاستخراج الآيات التي تدعم تعاليم الجمعية وحفظها غيباً للاستشهاد بها عند الحاجة. وعليه جاز القول، إنّ الكتاب المقدس صار لهم بمثابة قاموس مساعد على فهم تعاليم الجمعية، وبالتالي حرفاً ميتاً لا روح فيه، إذ إنّه لا يقرأ في ضوء الروح القدس وإنما في ضوء تفسيرات الهيئة الحاكمة. وهكذا على قدر إيمان الهيئة ومعرفتها بالله يعرف شهود يهوه ويؤمنون، لا أكثر ولا أقل.

رابعا: أساؤوا في ترجمتهم للكتاب المقدس، الترجمة التي خرجت إلى الوجود بدافع التغلّب على بعض الصعوبات التي واجهتهم في التفسير*.


العبد وشهوده

الشهود هم غالباً أُناس عصفت بهم ضغوط الحياة وصعابها، وزعزعت الشكوك وقلة المعرفة الروحية إيمانهم، فبحثوا في غمرة يأسهم عن الخشبة التي تنقذهم من الضياع النفسي والروحي، فوجدوا شهود يهوه يطرقون أبوابهم، ولمــّا فتحوا لهم الباب دخلوا بيوتهم وحياتهم.

ولعّلهم أُناس تعرضوا للوحدة والتغييب والرفض فبحثوا عن حضن دافئ. والإنسان الذي يشعر بغياب الكينونة والاعتبار عنه، يسهل انسياقه إلى البدع التي تدخل بيته لتأخذه وتُدخله في بيئة تحتضنه وتؤمّن له المحبة والعناية ، فيجد نفسه وسط مجتمع يعتبره ويحترمه ويبدي به اهتماماً بالغاً، وهذا ما يعطيه شعوراً بقيمته في الحياة.

وبعضهم خاضوا صراعاً عقلياً واجتماعياً بحثاً عن الحق والحقيقة وعن معنى الوجود. فوجدتهم جمعية برج المراقبة ودخلت إلى حياتهم لتلعب الدور الهام في فكرهم وقرارهم النهائي.

ومنهم من احتاج إلى أيديولوجية جديدة تملئ فراغاً في حياته، والطبيعة البشرية تكره الفراغ. هذا الأمر تستغله برج المراقبة بحرفية وامتياز كسائر البدع، فتزرع في قلوب الناس الأمل بعصر سلام دائم على وشك البزوغ. هذه الأيديولوجية تذوب الشخصية ومتطلباتها وسط دفء جماعي مصطنع.

وبعضهم تعطش إلى المعرفة التي عجزت الكنائس التقليدية عن تقديمها لهم بسبب ما لحق بها من تصدع روحي وتحزب وشقاق.

--------------------------------

*راجع الجزء الثاني من هذا الكتاب "الحكم السديد على ترجمة العالم الجديد".

حال انضمام الشخص إليهم تعمل المنظمة على ضمان عدم خروجه من العائلة الجديدة، فيُبنى حوله جدار فكري ونفسي حصين، ويجاز في منهاج تعليمي خاص تغسل فيه الدماغ ويمحى منها كل ماله علاقة بالمجتمع القديم الذي عاش فيه و بالإيمان الذي تربى عليه، إلى أن يبات يرى في نحاس برج المراقبة ذهباً خالصاً وفي زجاج مبادئها لآلئ برّاقة.

أما المنهاج فيقوم على أساسين:

1 - إشعال نار التذمّر والعدائية نحو المسيحية بمختلف طوائفها وزعزعة الإيمان والثقة في تعاليمها. فيُقلب التاريخ، وتُنبش الأخطاء وتُقيَّم أمامه بالاعتماد على تشويه الحقائق. وهكذا يصوّرون له المسيحية في وضع مأساوي ينتشر فيها الفساد والضياع فلا يعود يرى فيها سوى "بابل الزانية". هذا يوَّلد ليس حقد على المسيحية وأتباع المسيح وخدامه فحسب، وإنما يزرع الخوف في نفسه تجاهها، مما يقوده إلى الاحتماء في حضن المجتمع الجديد، مجتمع برج المراقبة.

2 - والأساس الآخر هو التعليم والتلمذة. فالمنخرط في صفوفهم يتلقّى دروساً عقائدية مُنظّمة ومُكثّفة وتحشى دماغه بمعلومات يقدمها له "العبد الأمين الحكيم". وأمام هذا الغزو ألمعلوماتي تنعدم قدراته التحليلية وتنهار مناعته الفكرية إلى أن تُغسل دماغه تماما، فيستسلم للتبعية العمياء. والذين اجتازوا المنهاج التعليمي وتأصلت في نفوسهم الثقة تجاه الهيئة الحاكمة، أضحوا في قبضة إخطبوط رهيب يصعب التخلص منه، ومحاطين من كل جانب بجدار سميك يستحيل اختراقه إلا بقوة روح الله. فالفكر أُغلق والإرادة استُعبدت والرؤيا حُجبت.

إن اكتشف المرء ضلال برج المراقبة فالعوامل النفسية ستحول دون الانفصال عنها، وأهم هذه العوامل الخوف:

أ - خوف من السقوط في هوة الماضي. الماضي بما فيه من مشاكل نفسية وروحية، قد يكون المرء اختبرها قبل انضمامه لشهود يهوه.

ب - خوف من نبذ المجتمع والأقرباء. فحين انضم المرء إلى مجتمع الشهود اتبع حكمة "العبد الحكيم" وقطع صلته بمجتمع الأشرار في سبيل إرضاء يهوه.

ج – خوف من فقدان الارتباط العائلي. فالمنظمة تمنع اتصال الشهود بذويهم المرتدين أو المفصولين وتحذر "أن هؤلاء المرتدّين هم "ليسوا منا"، فقد رفضهم الله ويتوجب على المسيحيّين المخلصين أن يتجنبونهم. كل من يرتدّ و لا يتوب بنهاية نظام الأشياء سيلقى نفس مصير"الزوان"، سيحرق بالنار ويباد بالتمام".[25] وتقدم النصائح في كيفية التعامل مع المفصولين من العائلة الواحدة، فتقول: "فنحن لا نعاشر المفصولين معاشرة اجتماعية أو روحية... مجرد قول "مرحبا "لأحد يمكن أن يكون الخطوة الأولى التي تتطور إلى محادثة... فأفراد العائلة الأولياء لا يبحثون عن الأعذار لتبرير تعامل مع قريب مفصول... يدفعهم الولاء ليهوه وهيئته إلى تأييد الفصل". فالولاء للهيئة هو ولاء لله، "نحن نعرب عن الإذعان لسلطة يهوه باحترام البشر الذين عيّنهم". [26] حتى القاصرين يتعرضون للفصل والطرد "إذا كان المفصول ولداً قاصراً... يرتب الوالدان المحبان أن يعقدا مع الولد درسا في الكتاب المقدس"[27]، طبعا لإعادته إلى رشده بتقديم الولاء لمنظمة يهوه.

د – خوف من الخسارة المادية. هجر المنظمة يعني الاستغناء عن ميراث الآباء، لأن أصحاب الممتلكات من الشهود لا يتركون ممتلكاتهم سوى للمنظمة أو للأقرباء الذين ينتمون إليها.

س- خوف من المسيحية وكنائسها. لقد تبرمج فكر الشهود على أن مجمل الطوائف المسيحية وثنية ترزح تحت سلطان إبليس؛ وعليه فإنّ السؤال الذي يخطر ببال كل شاهد، إلى أين أذهب؟ مع الشهود تحت الدلف وبدونهم تحت المزراب.

أما التلمذة فتقوم على محورين، المحور الأول يعتمد على استعراض نصوص وآيات الكتاب المقدس وتطويعها في إعطاء صورة عن مسيحية خربة ومشوهة. والمحور الثاني، يعتمد على تصوير الحق الإلهي بعدسة برج المراقبة الفاسدة، وبالتالي إعطاء صور وتفاسير مزيفة لكلمة الله.

بعد ذلك يصبح المتحكّم في حياة مشايعي برج المراقبة غرضان أساسيان هما، الاجتماعات وخدمة الكرازة. الاجتماعات، وعددها ثلاثة في الأسبوع وتقام في ما يسمونه "قاعة الملكوت"، وتتطبّع بروح مخالفة لروح العبادة والتمتّع بحضور الرب، إذ أنها دراسية أكثر منها تعبّدية وهدفها الأساسي تحضير الشهود للعمل الدعائي. قالوا عنها: "لذلك يجتمع شهود يهوه ثلاث مرات اسبوعيا لزيادة فهمهم للكتاب المقدس ولتعلم كيفية الكرازة برسالته وتعليمها للآخرين". [28]

والكرازة، أو "خدمة الحقل" كما يسمونها، هي إلزامية وعلى المشايعين ممارستها وتقديم تقارير مستمرة حولها. وتحذر المنظمة من التقاعس في الخدمة أو خداع في التقارير، "يجب أن نحرص على عدم تزوير الوقائع عند تقديم تقرير عن نشاطنا في خدمة الحقل. كما انه لا ينبغي أبدا أن نحرف الحقيقة عن حالتنا الصحية أو أي أمر آخر متعلق بنا عند ملء طلب لخدمة خصوصية"[29]. وما ينتجه المشايع يقرّر بقاءه في المنظّمة أو استبعاده منها. وبسبب خوف الشهود من الطرد، وأملهم بمركز مرموق في "العالم الجديد"، ينتجون للمنظّمة عملاً يفوق كل وصف.

يذكرنا النظام المهيمن وسط جماعة شهود يهوه بالجهاز ألمخابراتي لبعض الأنظمة القمعية. التجسس عندهم فريضة والوشاية فضيلة، الزوجة تشي بخطايا زوجها، والأب بخطايا ابنه والعكس. لكن الأهم والأخطر من الخطايا الأدبية هي المعارضة الفكرية للنظام والأيديولوجية. وتحذر المنظمة شهودها من التستر على أخطاء الغير "أننا نلحق أذى كبيرا بالخاطئ إذا ساعدناه على إخفاء خطاياه...صحيح أن الخاطئ قد يخشى التأديب، لكن هذا التأديب هو أعراب عن محبة يهوه...إذاً احرص على جعل الخاطئ يعترف بخطيته لشيوخ الجماعة ... من المهم خصوصاً أن نكون مستقيمين وصادقين مع الذين يتولون القيادة ... صدقين مع هيئة يهوة حين نجيب خطياً عن بعض الأسئلة". [30]

نعود مجدداً إلى قضية Douglas Walsh لنرى الترهيب والتهديد بالطرد في تصريحات فريدريك فرانس:

"المدعي العام: هل توجد مخالفات صعبة تبرر طرد الأعضاء وعدم قبولهم ثانية؟

فرانس: نعم، بالحقيقة أن الطرد قد يقود الإنسان إلى الإبادة إن بقى خارج المنظمة ولم يندم ويغير سلوكه. لن يكون له رجاء بالحياة في العالم الجديد. هنالك سلسلة من التصرفات تجلب معها الفصل الذي لا رجوعا عنه..."

لم يتناقض موقف هايدن كوفينغتون مع موقف فرانس في هذا الصدد:

"المدعي العام: إنّ الذي يعبر عن رأيه يتم استبعاده ويعتبر مخالفا للعهد؟

هايدن: هذا صحيح

المدعي العام: ويكون، كما صرّحت حضرتك بالأمس، مستحق الموت؟

هايدن: اعتقد...

المدعي العام: هل تجيب بنعم أم لا؟

هايدن: أجيب بنعم وبلا تردد

المدعي العام: هل تسمي هذه ديانة؟

هايدن: بالتأكيد

المدعي العام: وتسمي هذه مسيحية؟

هايدن: بالضبط

المدعي العام: وافقت حضرتك بصراحة وعلانية، على طرد المعارضين وتحميلهم العواقب الروحية والنفسية الناتجة عن ذلك؟

هايدن: نعم، لقد صرّحت بهذا واكرر التصريح".

لدى منظمة برج المراقبة مواقف متشددة تجاه بعض الممارسات في الحياة الاجتماعية والدينية تلزم أتباعها برفضها، أما المعترض عليها فلا مكان له بين "جماعة يهوه". من هذه الممارسات:

1 - الاحتفال بالأعياد المسيحية، الميلاد والقيامة. بحجة أنها عادات وثنية تتعلق بالدين الباطل.[31]

2 - الاحتفال بعيد الميلاد الشخصي،والحجة في ذلك، أن"أهم يوم في نظر عبدة الشيطان هو يوم الميلاد. لماذا؟ لأنهم يعتقدون أن كل شخص هو إله إذا اختار أن يعتبر نفسه إلها. لذا فإن الاحتفال بيوم الميلاد الشخصي هو بمثابة الاحتفال بولادة إله". [32]

3 - تقديم التحية للعلم. "إنّ الانحناء للعلم أو أداء التحية له، اللذين غالبا ما يرافقهما النشيد الوطني، هما عمل عبادة يدل أنّ الشخص لا ينسب الخلاص إلى الله". [33]

4 - الخدمة العسكرية ولو أدى ذلك إلى دخول السجن. [34]

5 - الاشتراك في التصويت والانتخابات في البلدان الديمقراطية. وحيث التصويت إلزامي يترك القرار للشاهد، مع وجوب الأخذ بتحذير العبد "اعتبر يهوه رغبة الإسرائيليين في حاكم منظور بمثابة رفض له". [35]

6 – نقل الدم إلى الجسم تحت أي ظرف من الظروف، حتى لو أدى ذلك إلى الموت.


 

العبد والماسونية*

قال البعض بوجود علاقة غير مباشرة لجمعية برج المراقبة بالماسون، وقال غيرهم بانتماء تشارلز رصل إليهم. * وللأطروحتين بواعث عدة منها، أنّ رصل وأتباعه أقاموا اجتماعاتهم لعشرات السنين في قاعات الماسون، [36] وأنّ رموز الماسون زينت مؤلفات رصل، كما أنّ رمز مجلة برج المراقبة قديماً وحديثاً له علاقة بالماسون وفرسان الهيكل. * زد على ذلك انحدار رصل من عائلة ارتبط تاريخها بتجارة الأفيون وقد قام أحد أفرادها، وهو ويليم رصل سنة 1832 بتأسيس جماعة "فرسان الموت" Skull & Bones، وهي جماعة شيطانية خرجت من رحم الماسونية وضمت العديد من الشخصيات المرموقة في الولايات المتحدة.

وأسوق أمامنا ثلاثة إشارات أساسية في هذه المسألة:

1 – كان لرصل تعلق مشبوه وغامض بهرم الجيزة أو الهرم الأكبر، الذي يشكل عاملاً أساسيا في عبادة الماسون المرتبطة بالديانات القديمة. وقد اعتقد بعلاقة تقوم بين الهرم والنبوّات المتعلقة بنهاية العالم *، فسماه "حجر الشهادة الإلهي"، وقال: "الهرم الأكبر هو بمثابة مستودع مليء بالحقائق العلمية والتاريخية والنبوية، وشهاداته تتوافق تماما مع الكتاب المقدس...الحكمة الإلهيةتقف خلف شكلها الهندسي ومخططاتها وإنها عامود الشهادة كما سماها النبي ["يكون علامة وشهادة لرب الجنود في أرض مصر"(إشعياء 19: 20)]". [37]

2 - الإشارة الأوضح نراها في عظة ألقاها رصل في محافل للماسون، قال فيها: "...وأنا ماسوني حر ومعترف به ... لدي أصدقاء من الماسون، وأدرك أن الماسونية تحتوي على حقائق ثمينة... لهذا يندهش أصدقائنا الماسون حين نتحدث إليهم عن الهيكل ومعانيه وكيف يصبح المرء ماسونياً صالحاً، وعن الهرم، رمزكم الفعلي، وما يعنيه الهرم الأكبر...".[38] عظته يمكن التأمل بها من منظورين، أن يكون رصل اتبع نهج الرسول بولس في حديثه إلى أهل أثينا ليوصل إليهم الحق بلغتهم، أو أنه حاول التقريب ما بين الماسونية ومعتقده. وقد تكون النظرة الثانية هي الأقرب إلى الصواب، ولعلّ في تصريحاته الآتية التأكيد.

3 – في عظة أخرى يقرّب رصل بين مسيح المسيحية و"مسيح الماسون" حيرام أبيف، فيقول: [39]"منذ زمن بعيد والأمم المتمدنة تنتظر المسيح العظيم، ملك المجد... لقد انتظر الماسون2500 سنة مجيء نفس الشخصية المجيدة المتمثلة في حيرام أبيف،

-------------------------------

*"الماسون" Free-masons ، أي "البناؤون" هم جماعة دينية سرية غامضة، ترجع نشأتهم إلى اسطورة سابقة للميلاد، حيث عاش المهندس والشهيد الماسوني الأول حيرام أبيف باني هيكل سليمان. هو عندهم مثل "المسيح القادم"، يأتي ليعيد بناء هيكل سليمان في فلسطين. عُرف الماسون بشكل خاص بعد تدمير أورشليم، حينها تشكلت الحركة بهدف إعادة بناء الهيكل، لهذا فإن غالبية رموزهم ومصطلحاتهم تتعلق بالهندسة المعمارية. ينتسب للماسونية أشخاص من كل طبقات المجتمع، من قادة أديان وطوائف، إلى سياسيين، فعلماء، فأصحاب رؤوس أموال، ومشاهير، وفنانين. أهم أهدافها اثنان: أ - السيطرة على العالم بواسطة منظمات خلقتها هي لهذا الغرض كالصهيونية والعصر الجديد ب – التآمر على تخريب المسيحية، بالاعتماد على أساليب شيطانية عديدة ومتنوعة.

* منهم أصحاب قاموس ( Occult Thekrasy ) الذين أدرجوا اسم تشارلز رصلتحت رقم 737 بين مشاهير الماسون.

* انظر الصور رقم 5 و6 في نهاية الكتاب. كان عنوان المجلة قديما "برج المراقبة، صهيون"، ثم أزيلت "صهيون" فيما بعد. واللافت أنهم يترجمون الاسم القديم في المطبوعات العربية إلى "برج المراقبة، زيون" (كتاب " بحث الجنس البشري عن الله"). فهل هي محاولة لإخفاء الانتماء أم مراعاة الشعور العربي أم سوء ترجمة، ولو إننا نستبعد الاحتمال الأخير.

الماسوني العظيم، الذي تعيّن موته و تمجيده ومستقبلهقبل أن تعلنهما الأحرف المنقوشة على حجر قبره. لقد مات، على حد قولهم، موتة قاسية بسبب ولائه للأسرار الإلهية المنقوشة في معبد سليمان"*ويسترسل في تصريحاته جاعلا العهد القديم مصدرا لكل الديانات الكونية ومنها الماسونية: "بالحقيقة، كون اليهود، والمسلمون، الكاثوليك والبروتستانتوالماسون الأحرار يؤسسون إيمانهم على العهد القديم، فهذا أساس يؤدي إلى تفاهم أفضل".ويأتي على ذكر الماسونية وكأنها جزء من الكيان المسيحي: "لا ننسى الماسون، الأتباع القدامى، المشيخيين، الميثوديست، الاسقفيين، اللوثريين ، الروم كاثوليك ... الخ".

هذه إشارات لا تجرنا إلى تأكيد أو نفي قطعي لعلاقة قامت بين رصل والماسون، كما ولا يمكننا رصد يد ماسونية أقدمت على تأسيس جمعية برج المراقبة، لكن نظراً لمعرفتنا بأساليب الماسون لا نستبعد أنهم استغلوا انحراف رصل وتلاميذه عن الحق المسيحي فجندوهم من أجل بث تعاليم فاسدة في العالم المسيحي على أنها تعاليم مسيحية حقة. إنّ بطون التاريخ تذكرنا بمؤامرات شبيهة حيكت للمسيحية بأدوات الغنوسية والآريوسية.

دليلاً ملموساً على كونهم أداة في يد الماسونية تم تقديمه في دعوة قضائية رفعت ضدهم سنة 1924 في بلدة سانت غالن بسويسرا، إثر ارتياب البروتستانت في أنشطتهم ومصادرهم المالية الغامضة. تمثل الدليل في رسالة وجهها "أخ" ماسوني من ذوي الدرجة العلية في أمريكا إلى "أخ" آخر في سويسرا، مضمونها:

"سؤالك الثاني بخصوص تلاميذ الكتاب المقدس المتمركزين في بروكلين- نيويورك. بالتأكيد لنا أغراض مع هذه الجماعة. وكما تعلم نمدهم بطرق غير مباشرة بأموال كسبناها أثناء الحرب، الأمر الذي لا يضر جيبهم الواسع. إنهم مُلك لليهود. في الربيع القادم قد يحضر إلى أوربا رجل قانون رفيع المستوى، هو السيد رذرفورد، ليلقي خطب دعائية. وهاأنا انتهز الفرصة أخي العزيز فأناشدك، أن تبذل ما بوسعك لتمنع تعّرض الصحافة ومقالاتها لعمله، مستعينا بأخوتنا في الصحافة السويسرية. بذلك نتجنب تقييماً سلبياً لعمل تلاميذ الكتاب المقدس في سويسرا. نحن بحاجة ماسة إلى هؤلاء الناس كرسل لنا...إنّ السبيل للسيطرة على بلد ما هو استغلال ضعفه وتقويض قوته. أعداءنا هم البروتستانت والكاثوليك في أوربا، وعقائدهم تفسد مخططاتنا، لذلك نعمل ما في استطاعتنا للحد من تزايد عددهم والاستهزاء بهم".*

عند البعض، علاقة شهود يهوه بالماسونية لاتتعدى كونها فرضية تفتقد إلى براهين قطعية. وإذ نرى أن إيجاد براهين تتعلق بأنشطة الماسونية السرية من الأمور الصعبة، نسند حكمنا في هذه المسألة إلى مواقف شهود يهوه من المسيح والتعاليم المسيحية.

--------------------------------

* لشدة عشقه لهذه النظرية، أمر رصل ببناء هرم فوق قبره الواقع شمال مدينة بتسبرغ في مقاطعة بنسلفانيا، وقد زُخرِف بالطريقة النموذجية التي للماسونية، كما وزين بكتاب مقدس وصليب ورمز برج المراقبة. وتتجنب جمعية برج المراقبة التطرق إلى ذكره، فتصور غالبا الحجر الذي بجانبه بمعزل عن الهرم. انظر الصور 3 و4 في نهاية الكتاب.

*"The great Messiah, "King of Glory," has long been waited for by the civilized nations… Free Masons have waited twenty-five hundred years for the same glorious personage, as Hiram Abiff, thegreat Master Mason whose death, glorification and future appearing are continually set before them by the letters upon their keystones. He died a violent death, they claim, because of his loyalty to the Divine secrets typed in Solomon's Temple"

"The fact that the Jews and Mohammedans, Catholics,Protestants and Free Masons all base their faith on the Old Testament of the Holy Scriptures, is ground for the better understanding pleaded for."

"We are not forgettingthe Masons, the Old Fellows, the Presbyterians,the Methodists, the Episcopalians, the Lutherans, theRoman Catholics, etc."

وفي مواقفهم يلحظ المرء قواسم مشتركة كثيرة مع الماسونية، منها: التقبيح بعقيدة الثالوث، والطعن في لاهوت المسيح. إنكار حياة ما بعد الموت، ونفي العذاب الأبدي. تحقير الأعياد المسيحية كالميلاد والقيامة. إلغاء كلمة كنيسة واستخدام تعبير "محفل" للإشارة إلى تجمعاتهم. إلغاء التناول من مائدة الرب. القول بتحريف الكتاب المقدس. أما على الصعيد التنظيمي فهناك تشابه مع الماسونية في القيادة الديكتاتورية، وحث المشايعين على تقديم الطاعة العمياء والولاء الكامل، والالتزام بالوحدة بأي ثمن، وتجنب كل انتقاد للدستور والنظام. هناك تشابه في القمع الفكري، والسيطرة بواسطة الإرهاب النفسي، ومعاقبة المخالفين وفصلهم، وفي الحفاظ على السرية التامة، والتجسس على المعارضين والوشاية بهم. أما من الناحية الأيديولوجية فلا تفوتنا الربط التي تقوم بينهم وبين منظمة "العصر الجديد" New Age ، وهي إحدى أوجه الماسونية العصرية. ومن هذه الاعتقادات، إمكانية الوحدة الأخوية بين طبقات المجتمع المختلفة في ظل سلام عالمي، وحلول "نظام عالمي جديد".

-----------------------------------

* نُشرت الرسالة بدايةً في الصحيفة السويسرية Der Morgenبتاريخ 18. 05 .1923وكانت قد حصلت عليها من "الأخ" الماسوني السويسري Herbert von Bomsdorff-Bergenبعد انفصاله عن الماسونية سنة 1923. ونشرتها صحف ألمانية، منها August 1925 ، Ludwigshafener Abwehr Nr. 2

  • عدد الزيارات: 16467