الإصحاح التاسع والثلاثون: عناية الله - الفرس
(ع 19- 25) الفرس.
تعطي هذه الأعداد وصفاً للخيل كأداة حربية قوية. وكان الإسرائيليون يستخدمون الخيل للحرب فقط. أي لجر المركبات الحربية أو للفرسان. ولكن كلن استخدام الخيل علامة على أنهم فشلوا في الاتكال على الرب. وفي المستقبل عندما يتوبون عن شرهم ويرجعون للرب سيقولون "لا نركب على الخيول ولا نقول أيضاً لعمل أيدينا (الأوثان) آلهتنا" (هوشع 14: 3).
وكانت الوصية الناموسية في (تثنية 17: 16) أنهم إذا اختاروا ملكاً فيجب أن لا يكثّر الخيل. ولكنهم خالفوا هذه الوصية. فعندما دخلوا الأرض بقيادة يشوع، أحرقوا مركبات الكنعانيين وعرقبوا خيلهم (يشوع 11: 6، 9) لكن داود عندما ضرب هدد عزر، أبقى مئة حصان لأجل المركبات (2 صموئيل 8: 4) أما سليمان فقد توسع جداً في جلب الخيل والمركبات (1 ملوك 4: 26).
ورمزياً تمثل الخيل السلطة الإمبراطورية سريعة الانطلاق ولكنها في الوقت نفسه تحت سيطرة التدبير الإلهي بصفة عامة – وفي الجزء الأول من نبوة زكريا يرى النبي مشاهد مختلفة لخيول ذات ألوان متعددة وتدعى أرواح السماء وبهذه الصفة كان لها عملها في الإمبراطوريات الأربع الأممية العظمى التي وصفها دانيال النبي. وعندما يذكرون بعد ذلك في (زكريا 6) نجد الخيل الحمر غير واردة لأن الإمبراطورية الكلدانية كانت قد مضت عندما رأى زكريا الرؤية (زكريا 1: 8، 6: 1-7).
وفي سفر الرؤيا أيضاً نجد خيلاً والراكبين عليها يمثلون السلطات المتممة لمقاصد الله التدبيرية – قارن (رؤيا 6: 1-8 مع 9: 7، 9، 17). وفي (رؤيا 19) نرى الرب يسوع الذي يدعى أميناً وصادقاً. آتياً على فرس أبيض لكي يُجري دينونة البرّ على الأرض (رؤيا 19: 11-21) يقول الرب لأيوب: "هل أنت تعطي الفرس قوته، وتكسو عنقه عرفاً؟" "أتوثبه كجرادة. نفخ منخره مرعب.. الخ".
إنه لوصف رائع لاشك. ولكن الغرض كله هو إشعار أيوب بهول غباوته في زعمه التحدث عن الله!.
بنقلة طبيعية من الحديث عن خفة النعامة، يأتي بنا الرب إلى الحيوان الذي يتجسد الخفة والقوة والرشاقة: إلى الفرس، وعلى الخصوص فرس القتال، فيسأل أيوب عما إذا كان قد منح الفرس قوة ومزج القوة بالرشاقة والجمال، ووثباته رشيقة كالجراد، صهيله ونفخ منخره يبعثان الرعب في القلب. وأي جلال أعظم وأشد خوفاً من ثورة فرس الحرب الذي يتشوق إلى القتال؟ ليس من شيء يستطيع أن يرده عن اندفاعه لملاقاة الجيوش الغزية. تقعقع الأسلحة على جانبه، تهدهده عتادات راكبه. وهو ينهب الأرض "يلتهمها" في سرعته الجنونية. وما صليل المعارك إلا موسيقى في سمعه، من بعيد يستروح القتال، صياح القواد وقعقعة السلاح، هذا حيوان، ليس وحشياً بالضبط لكنه مزود بكل قوة وخفة أشد الحيوانات الوحشية. فهل أسهم أيوب في خلق مثل هذا المخلوق العجيب؟
لقد كان الفرس، وبخاصة في الأيام التي يتحدث عنها سفر أيوب، وفي الشرق، يستخدم بصفة أولية في القتال. وقد حذر الله شعبه من الثقة في عامل القتال الجبار هذا "باطل هو الفرس لأجل الخلاص" "هؤلاء بالمركبات وهؤلاء بالخيل أما نحن فاسم الرب إلهنا نذكر" أجل، فالله "قد تعظم، الفرس وراكبه طرحهما في البحر" يتعظم الرب على كل مخلوقاته فليذكر أيوب كيف أنه هو شخصياً مخلوق تافه، وليتضع قدام ذاك الكائن على الكل إلهاً. فإن خلاصه لن يأتي من الخيل بل من الرب في الأعالي.
- عدد الزيارات: 20304