الإصحاح التاسع والثلاثون: عناية الله - النعامة
(ع 13- 18) النعامة.
"جناح النعامة يرفرف (فرحاً). أفهو منكب رأوف أم ريش؟" وقد وردت العبارة الثانية في هامش الكتاب المشوهد هكذا "أم هل هو جانح اللقلق؟" والواقع أن هذا هو المقصود من العبارة. فهي تشير إلى النعامة في الجزء الأول منها وإلى اللقلق في الجزء الثاني، وهي عبارة عن مقارنة بين النعامة بأجنحتها المرفرفة وغباوتها البادية في عدم المبالاة بصغارها وبين اللقلق الذي هو أكثر الطيور التي خلقها الله عطفاً وحناناً على أولادها فلا يوجد في الدنيا طائر يحنو على صغاره ويهتم بها مثل اللقلق، وهناك من الناس في العالم من يسمحون لهذا الطائر الجميل أن يعشش في أي مكان يريد، ولا يسمحون لمخلوق أن يزعجه أو يمسه بأذى، وإلا عرض نفسه للقصاص .
هذا هو الطائر الذي يقارن هنا بالنعامة وهذا هو مبلغ حنانه على فراخه، في حين أن النعامة تترك صغارها لحال سبيلهم إذ تضع بيضها في الرمال، وتتركه هناك يفقس أو يباد، فهي لا تهتم به إطلاقاً "لأنها تترك بيضها وتحميه في التراب، وتنسى أن الرجل تضغطه، أو حيوان البر يدوسه. تقسو على أولادها كأنها ليست لها. باطل تعبها بلا أسف. لأن الله قد أنساها الحكمة" ومن ذا الذي ينازع الله، فالله الذي يمنح طائراً معيناً صفة عجيبة ممتازة من العطف والحنان، يجرّد طائراً آخر من أعمّ الغرائز وأكثرها شيوعاً، وهي غرائز الأمومة، في الوقت الذي يمنح هذا الطائر بالذات، وهو النعامة، قوة هائلة وسرعة فائقة، حتى أنها تستطيع أن تكسب الرهان في سباق الخيل، إذ "تضحك على الفرس وعلى راكبه".
إن كل الأشياء مهما تكن وحشية ومجردة من الحاسيات كما يبدو، هي مخلوقاته لن ينساها. وهنا نوع منها، النعامة التي تقطن البرية، وتتمايل أجنحتها وهي تسابق الريح سرعة، وأرجو أن تلاحظ أنه لا توجد إشارة مطلقاً إلى الطاووس كما يظن بعض علماء الكتاب. إنما الفكرة في (ع 13) هي هذه: إن النعامة لا تستخدم جناحيها وريشها لحماية فراخها والعناية بها، فإنها في واقع الأمر لا تكترث ببيضها إذ ذاك تفرّ من العدو الحقيقي أو الوهمي. وهنا كائن قد جرّده الله كما هو واضح من كل غريزة الأبوة. لكن واحداً. من هو؟ يعنى بالأفراخ العاجزة .
- عدد الزيارات: 20297