Skip to main content

الإصحاح الثامن والثلاثون: إعلان خصائص القوة أو سجاياها

الصفحة 1 من 5

يتكون هذا الإصحاح من 38 عدد، ذلك لأن الآيات الثلاث الأخيرة منه تتبع في الواقع الإصحاح الذي يليه إذ نبدأ هناك في الدخول إلى عالم الحيوان في الطبيعة، في حين كل ما نلاقيه في إصحاحنا يدور حول ما يسمى عالم الجماد، ولكن الجماد جزء من خليقة الله تماماً كالحيوان، ومع ذلك فإن الطبيعة الحيوانية تسمو فوق كل شيء ليس فيه حياة. نعم، فإن الحياة شيء عجيب للغاية حتى وإن كانت في حيوان، مهما كان صغيراً، فإنها تميزه عن كل شيء ليس له حياة إطلاقاً.

والآن يطالعنا هذا الإصحاح بالرب نفسه متكلماً. لقد تكلم الرب بعد ذلك في جبل سيناء بكيفية تناسب الناموس، فإن ناموس الله إذ أعطي للإنسان – الإنسان الخاطئ كما كان الحال عندئذ – فلابد أن يكون خدمة موت ودينونة (2 كورنثوس 3: 7. 9). وهنا نلاحظ أنه بسبب ما يوجد من نقص في القانون البشري قد يفلت الإنسان المذنب، وعلى ذلك فبقدر ما يكون القانون محكماً بقدر ما يضمن الوصول إلى كل مستحق للقصاص. وناموس الله من هذه الناحية كامل للغرض الذي أعطي من أجله كدستور للإنسان الساقط على الأرض، لكبح جماح الإنسان والحد من زوغانه. وإلا فالدينونة والموت جزاؤه.

ولكن هنا سبب آخر يتكلم الرب من أجله، لأنه كانت هناك غاية أو عاقبة للذين يؤمنون، ولابد أن يعرفوا أن الله يعنى بهم، وهذا أيضاً بغض النظر عن الشعب القديم ومعاملات الله الخاصة بهم (لأن أيوب كما نذكر لم يكن من هذا الشعب) وأن عين الله ترعى كل خليقته على وجه الأرض، بغض النظر عما إذا كانت صغيرة أو كبيرة، شرسة أو مسالمة لا فرق، لأنها جميعاً مخلوقات الله، ولله علاقة دائمة بها كما يرينا هنا. ذلك كان درساً عظيماً جداً لأيوب. لقد نسي أن الله يهتم بذات شعور رؤوسنا لأنها جميعاً محصاة عنده، ولا يسقط عصفور واحد إلى الأرض بغير علمه. ولكن الله يتناول هذه الأمور كلها بحسب عظمته الخاصة، وعظمته فوق عقل الإنسان، وفوق متناول إدراكه، ولذلك كان هذا بالذات هو غرض الوحي هنا. وهو أن يبين لأيوب غباوة تجاسره على الحكم على معاملات الله ومحاولة إسناد العيب إليها لحظة واحدة. ولعلنا نذكر أن في أحد الإصحاحات (ص 23) يذكر أن أيوب تمنى لو أن الله تخلى ولو لفرصة وجيزة عن طبيعته المرهبة وسمح له بالدنو منه لشرح قضيته والدفاع عن نفسه أمامه. وها نحن نرى الرب يوافيه بالجواب. ولسنا بحاجة إلى القول أنه الجواب لكل شخص، لكل شخص عنده خوف الله في كل عصر وجيل، إن نور المسيح لا يقلل إطلاقاً من قيمة هذا السفر بل بالعكس ينبغي أن ندرك مرامي هذا السفر إدراكاً أعظم بفضل ذلك النور.

الأعداد 1-18

في إصحاح 31: 5 يصيح أيوب "ليجيبني القدير!" (قارن ما قاله له أليفاز في ص 5: 1) لكن الله الذي كان يظن أنه لا يسمع ولا يمكن الوصول إليه يستجيب لرغبته ولكن ليس كما كان يظن أيوب. لأن الرب بدلاً من أن يجيب على أسئلته نراه يسأله بدوره عدة أسئلة. ونحن نرى الرب يسوع يتبع هذا الأسلوب في أحيان كثيرة مع المتحدثين إليه (مثلاً لوقا 10: 25، 26، 20: 2-4، 21-24)  لقد كان أيوب في حاجة لأن يذله بسبب مدحه وافتخاره بذاته (ص 31: 37) وهذا هو ما فعله الرب معه بأسئلته إذ جعله يقيس مدى صغره وجهله العميق، (قد يخدع الإنسان نفسه بما عنده من معرفة ولكن عندما تكون المعرفة صحيحة يعرف الإنسان حقيقة نفسه ويصل إلى هذه النتيجة). لذلك نرى في أغلب الأحيان أن أعظم العلماء هو أكثر الناس تواضعاً – وقال واحد من المؤمنين: عندما يصغي الإنسان، يتكلم الله.." والله في صبره ترك لأيوب وأصدقائه فرصة الكلام والتعبير عن أفكارهم الخاطئة، ثم يكلف أليهو بأن ينقضها. وأخيراً سكت الجميع وتكلم الله ولا شك أن له الكلمة الأخيرة. ليتنا نتعلم نحن أيضاً أن نفرض السكوت على أرواحنا المضطربة حيث يمكن أن يسمعنا الله صوته.

الأعداد 19-38

إن الخليقة هي أول شهادة يشهد بها الله عن نفسه، وكل إنسان بدون استثناء مسئول أن يميز بالعقل "أموره غير المنظورة.. قدرته السرمدية ولاهوته". إن التأمل في مخلوقاته دون الاعتراف بالذي صنعها وتمجيده يجعل الإنسان بلا عذر (رومية 1: 19، 20).

إن الله يدعونا مع أيوب للإعجاب بالكون الجميل، ومن يستطيع أن يتحدث عن عجائب الخليقة نظير الذي صنعها؟ إن الذي خلق النور الذي "ربط عقد الثريا" ووضع "سنن السموات" (ع 31-33) هو الذي تنازل ليهتم بنفس واحدة مثل نفس أيوب، وهو لاشك يهتم أيضاً بنفسي ونفسك، كما تقول ترنيمة: "إن الخاطئ البائس له قيمة في عينيه أكثر من نجوم السماء التي لا عدد لها"؛ إن الناس في كل الأزمنة اهتموا بفحص السموات وبعضهم كرسوا حياتهم لها. أليس من الأكثر فائدة أن نكرس حياتنا لفحص الكتب؟ (يوحنا 5: 39)، لأنه إن كانت "السموات تحدث بمجد الله" (مزمور 19: 1) فإن الكلمة تشهد لنعمته.

* *  *

يوضح هذا الإصحاح خصائص القوة أو سجاياها الإلهية. من حكمة وصلاح، على النقيض من عجز أيوب وجهله. ومن هنا فقد كان محصوراً بأن يعترف بافتقاره إلى الصلاح في اعترافه "أنا حقير".

وينقسم إلى الأجزاء التالية:

(ع 1- 3) دعوة الله لأيوب.

(ع 4- 38) أسئلة عن أعمال الخليقة.

(ع 39- 41) إعلان عنايته تعالى بمخلوقاته.

دعوة الله لأيوب
الصفحة
  • عدد الزيارات: 15565