الإصحاح الثامن والعشرون: الحكمة التي تفوق كل تقويم - الإعلان
(ع28) الإعلان.
"هو ذا مخافة الرب هي الحكمة والحيدان عن الشر هو الفهم". وهذا هو عين الشعور الذي يستولي على النفس عند تجديدها فالإنسان المتجدد قد لا يعرف شيئاً أكثر من ذلك. فهو يرى كم كان غائصاً في الشر ولكنه الآن قد حاد عنه. والتطلع الحقيقي للمسيح كفيل بإحداث هذه النتيجة بعمل روح الله ومخافة الرب. ذلك ما يدوم ويثبت حتى عندما لا تكون النفوس مشغولة بشرها وتتكلم عن مخافة الرب والحيدان عن الشر.
ولكن ذلك ليس الإنجيل تماماً، وهو ليس العلم اليقيني بأن جميع شرنا قد دين في شخص المسيح على الصليب. وإن خطايانا قد محيت محواً كاملاً. وإننا قد صرنا أولاداً أبيض من الثلج بدم المسيح أمام الله. ذلك هو الإنجيل، كلمة الحق التي بعد قبولها يقبل الإنسان الروح القدس للتمتع بالحق والشهادة له. التمتع به أولاً ثم الشهادة له بعد ذلك. ليس التحدث عنه للآخرين أولاً. كلا. ليس هذا هو الشيء الأول كما قد يتصور البعض بعض الأحداث في الإيمان. ولكن الشيء الأول هو التمتع بالحق مع شكر الله وحمده في السجود له والتعبد هذا ما نأتي إليه أولاً. وهذا هو تأثير عمل روح الله الحقيقي في النفس. وهو يؤدي عادةً إلى نشاط كبير في الخدمة والكرازة للآخرين دون أن يجعل مشغولية المؤمن بحاجات الغير أكثر من مشغوليته بالنعمة والحق اللازمين لنفسه طوال الطريق.
ما هي إذن الحكمة الحقيقية؟ ما هي بحسب إعلان الله؟ واضح كل الوضوح إنها ليست مجرد الحق، بل هي الحق مطبقاً على الضمير، الحق الذي يضع الإنسان في مكانه، وبذلك يؤهله ويمكّنه من أن يتقبّل ما يقوله الله. هو ذا مخافة الرب هي الحكمة (الرب أدوناي، الحاكم المطلق والسيد). الحكمة التي معناها الانحناء في خضوع قدام ذاك الذي في حضرته يغطي السرافيم وجوههم، والذي صرخ أشعياء من حضرته قائلاً "ويل لي لأني هلكت". وهذا الخوف ليس هو مجرد فزع وارتعاب، بل توقير، وخضوع، وسجود. هي تشمل التوبة كما تتجلّى في أقوال اللص "أولاً أنت تخاف الله؟" فمعرفة الله هكذا تمهيد لمعرفة رحمته ونعمته. وفيما يتعلق بنا معرفة الإنجيل كاملة، والإعلان المسيحي الذي يصاحبه. هي ليست معرفة عن الله بل الإتيان إليه تعالى، وتعلم نعمته ومحبته. وهذا أكبر من مجرد المعرفة. هو مفتاحها، وهي الحياة الأبدية.
إن استطاعة أيوب للكلام هكذا تبين أنه كانت له هذه الحكمة بدرجة ما، ولذلك لم يكن يوضع في زمرة الأشرار. ولكن ما أضعف ما أدركه عن تلك الحقيقة السامية التي تحدّث عنها غير أنه بعد وقت قليل سوف تقوده مخافة الرب إلى "الحَيَدَان عن الشر". الحيدان عن قلب شرير، الحيدان عن ذاته. هذه هي الحكمة الحقيقية، له ولنا ونستطيع، ولنا هذه الحكمة أن نمسح الأرض، وننقب في أغوارها السحيقة، ونعبر البحار. ونحلّق في السموات العلى إنما لكي نجد الله ونشاهده في كل مكان.
هذا الطابع الأدبي هو الذي بالذات يميز كلمة الله دون سائر الكتابات الأخرى. فهو يتجه صوب ضمير الإنسان، وتنشئ فيه "مخافة الرب"- "خوف الرب" الذي هو "نقي، ثابت إلى الأبد".
- عدد الزيارات: 18125