Skip to main content

الإصحاح الحادي والعشرون: جواب أيوب لصوفر - نجاح الأشرار

الصفحة 3 من 9: نجاح الأشرار

(ع7-16) نجاح الأشرار.

"لماذا تحيا الأشرار، ويشيخون، نعم ويتجبرون قوة. نسلهم قائم أمامهم معهم وذريتهم في أعينهم" فلم يكن الأمر مجرد حلم يطير أو طيف يطرد كما ادعى صوفر، شيء يعبر فلا يعود يوجد. كلا بل بالعكس في نظر أيوب.

"بيوتهم آمنة من الخوف". وكم من بيوت رجال أتقياء يقتحمها اللصوص. وكم من بيوت رجال أتقياء تُحرق وتنهار فوق رؤوسهم وقد يكون بجوارهم رجال أشرار من أحط نوع ولكنهم لا يقعون في مثل هذه المتاعب أطلاقاً!.

ولكن هناك النهاية الرهيبة التي تنتظرهم، اليقظة الفجائية المرعبة التي يحدثنا عنها ذلك الرجل الغني "الذي رفع عينيه في الهاوية وهو في العذاب". أه إن هذا الشيء خطير، ولكن ما من أحد كان يمكنه أن يرفع عنه الستار سوى رب الخليقة. ما من أحد غير الرب كان يمكن أن يرسم هذه الصورة، وما من أحد كان يمكنه أن يتحدث عنها بعلم اليقين وتوكيد قبل مجيء الرب. ولنلاحظ أن هذا ليس وصف ما سيكون عليه الحال بعد القيامة. بل هذا ما يتم فعلاً بعد الموت مباشرة ولم يكن ذلك الإنسان رجلاً شريراً كما كان يبدو في أعين اليهود، لم يكن رجلاً سكيراً أو لصاً أو سارقاً أو أي شيء من هذا النوع. كان رجلاً محترماً في الهيئة الاجتماعية. وكل ما هنالك أنه كان إنسانا عائشاً لنفسه وفي العذاب لا نسمعه يلعن أو يهزأ، بل نراه يعترف بأبيه إبراهيم في وسط عذاباته، والرب هو الذي يصف لنا ذلك. وهو قلق مهتم بأنفس إخوته الخمسة، ويريد إنقاذهم من العذاب. وبالإجمال كان الرجل من النوع الذي يحتل في تقدير الناس مكاناً محترماً، ولكنه كان عديم الإيمان. عديم التوبة، لا صلة له بالله ولا ينتظر المسيّا. كان قانعاً بالاستمتاع بثروته أما اليعازر المسكين فيكفيه في نظره ما تقدمه له الكلاب من عناية.

"بيوتهم آمنة من الخوف وليس عليهم عصا الله". ولكن العصا سيأتي دورها. "ثورهم يلقّح ولا يخطئ. بقرتهم تنتج ولا تسقط" كل شيء ناجح.

"يسرحون مثل الغنم رضعهم، وأطفالهم ترقص" كل شيء منتعش ومبتسم. "يحملون الدف والعود ويطربون بصوت المزمار". والحق إنه لشيء خطير أن نجد هذا كله لدى الناس الأشرار الناسين الله لكن انظر ماذا بعد ذلك. "يقضون أيامهم بالخير في لحظة يهبطون إلى الهاوية. فيقولون لله ابعد عنا".

إن أقوال أيوب أخطر وأصدق بكثير مما حاول صوفر أن يصورها بعباراته العنيفة. "وبمعرفة طرقك لا نُسر، من هو القدير حتى نعبده وماذا ننتفع أن التمسناه" وليس المقصود أنهم يقولون ذلك بأفواههم للنا ولكن ذلك ما يقوله سلوكهم لله.

ومن ثم فهناك قوة عظيمة في القول الذي نقرأه في مكان آخر "قال الجاهل في قلبه ليس اله" لربما لم ينطق هذا الجاهل بمثل هذا القول ولو مرة واحدة في حياته "ليس اله" ولكن ذلك ما يقوله قلبه. والله يقرأ لغة القلب. والعبد الشرير يقول في قلبه "سيدي يبطئ قدومه" ولربما كرز ونادى بما يسميه "المجيء الثاني". نقول ربما وعظ به بلسانه ولكن ذلك ما كان يقوله قلبه. فلم يكن في الحقيقة منتظراً المسيح على الإطلاق، بل كان مسروراً أن يرى باقياً بعيداً. ولم تخطر على باله قط صلاة مثل هذه "تعال أيها الرب يسوع" والواقع أنه لأمر خطير للغاية كيف يعرف  الرب الأفكار وكيف يقرأ القلوب ولذلك كان من الأهمية بمكان أن ندين ذواتنا ونتطلع إلى الرب لكي يكون المسيح نفسه أمامنا باستمرار حتى نمتلئ بفكره ونتصرف بمحبته وننقاد بروحه الذي يعطي القوة والنعمة اللازمة للذين يتطلعون إلى المسيح.

"هوذا ليس في يدهم خيرهم. لتبعد عني مشورة الأشرار". كان أيوب ابعد عن أولئك الناس الأشرار من أصحابه الثلاثة فمن المحتمل جداً أن هؤلاء الأصحاب الثلاثة كانوا يحبون أن يكونوا على وفاق مع الناس الناجحين في هذه الحياة، فإن ذلك في الواقع شركاً عاماً يتعرض الكثيرون للانزلاق إليه؟ إن قلوبنا مدعوة لأن تنشغل بالأمور التي يقدرها المسيح وأن تكون مع أولئك الذين يحبون المسيح. ليس معنى هذا أن قلوبنا لا تتجه بالحنان والعطف إلى أردأ الناس واشرهم. هذا واجبنا بلا شك وبكل يقين. ولكن حبنا للمؤمنين مختلف عن ذلك كل الاختلاف. إنه حب المؤمن لعائلة الله، وهو حب أسمى بكثير من المحبة المتعلقة بالروابط الطبيعية الجسدية. نعم، إن عائلة الله اقرب إلينا. وهم كذلك طوال الأبدية، ونحن يسعدنا أن نسير في هذا الإيمان ونحبهم من الآن.

وأيوب ينظر إلى الجانب الآخر إلى حالة نجاح الأشرار، وفي مقدرة تشبه مقدرة صوفر يذّكره بأن الأشرار كثيراً ما ينجحون ولا من يردعهم يشيخون، أي تطول أعمارهم، ويتجبرون قوة. من حولهم تنمو أسرهم وتزدهر، وكل محيطهم آمن وليس عليهم عصا الله. قطعانهم وبقرهم في تكاثر، أولادهم، بعكس هذا المتكلم الثاكل، يقفزون حول الدار مثل قطيع من الحملان، ومن الدار يرن صوت العود والمزمار. كل أيامهم في نجاح حتى تجئ النهاية، حتى ولو قال هؤلاء الناس لله "ابعد عنا وبمعرفة طرقك لا نسرّ" ونظير فرعون يتساءلون "من هو القدير حتى نعبده وماذا ننتفع إن التمسناه" وبينما يصف أيوب هذا التحدي الدنس لله، التحدي الذي يقول عليه الزمن دون توبيخ، فإننا نراه حريصاً على إظهار مجانبته لمثل هذا الفجور "هوذا ليس بيدهم خيرهم" أي أن كل ما بين أيديهم إنما هو من الله وليس من عندهم. "لتبعد عني مشورة الأشرار"(ع16). كل هذا حق، ويؤيد التعليم الذي نستقيه من (مزمور73)، حيث نرى قديساً تحت التدريب نظير أيوب.

الدينونة لا تظهر إلا في أولادهم
الصفحة
  • عدد الزيارات: 18715