الأصحاح الرابع - عدد 13
فأخذ بوعز راعوث امرأة ودخل عليها، فأعطاها الرب حبلاً فولدت ابناً ( ع 13)
انظر ماذا فعل بوعز. لقد أخذ الفتاة الموآبية، التي لا شيء لها. وإذ قد رفع شأنها بعد أن كان وضيعاً فإنه يقول للشعب «أنتم شهود اليوم ... راعوث الموآبية ... اشتريتها لي امرأة». فأغنى من في الأرض يأخذ امرأة فقيرة، كانت تستجدي قوت يومها، ويقول إنه اشتراها لتكون له امرأة. عندئذ خلع الولي الآخر نعله، وأشهر بوعز أمام شيوخ الشعب أنه يفك، وبهذا صار الأمر مقرراً بصفة نهائية ومحددة ولا مجال للرجعة فيه.
مما لاشك أنه قد صار على راعوث من تلك اللحظة أن تتصرف بما يقتضيه هذا المقام العجيب الرفيع الذي وضعت فيه كعروس لبوعز. فهل يمكن أن يدور بخلدك احتمال أن تخجل راعوث من الاعتراف ببوعز كعريسها؟ وهل يمكن أن تتوقع أن تشعر راعوث بالعار أمام الآخرين حين تظهر مع بوعز كزوجها، ذلك الرجل جبار البأس، الذي خلصها من حالتها التعيسة وحياة العدم، الذي لم يكفِه أن يحسن إليها بإحسانات مادية، بل أعطاها نفسه بجملته وما له ليكون لها الكل. لهذا السبب لا نقرأ عن فاصل زمني بين إعلان بوعز أمام الشيوخ وبين زواجهما. هكذا أيضاً نحن لا نقرأ عن رحلة رفقة عبر البرية إلى أن تقابلت مع اسحق، بل نقرأ فقط عن لقائه بها (تك 61:24-67).
ما هو رجاء الكنيسة؟ وما هو رجاؤك أنت؟ ما الذي ترجوه في السماء؟، هل تريد بيتاً لك؟ شكراً لله فنحن لنا هناك ما هو أفضل من البيت، هناك شارع المدينة من ذهب، وسورها من يشب (رؤ 18:21-20) ولكن ليس هذا هو رجاؤنا، بل الرب المبارك نفسه. إن النعمة لا يكفيها أن تعطينا بيتاً، مهما كان هذا البيت جميلاً. ولكن الرب لا يمكن أن يعطينا ما هو أقل منه هو ذاته شخصياً. إنه «ابن الله الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي».
أخي، أختي... لنتفكر في هذا. فنحن قريباً جداً سنكون مع الرب. ألا يدعونا ذلك لأن نحيا هنا باذلين أنفسنا لأجله؟ ألا يحق أن نقول للعالم «ليس لي أي تعامل معك، فأنا هنا غريب ولست منك. وما أنا هنا إلا لكي أشهد على الشر الذي يجري فيك». وهنا تكفينا ابتسامة الرضا من ربنا المعبود مكافأة لنا على هذا، ونحن نسمعه قائلاً «نعما أيها العبد الصالح والأمين. كنت أميناً في القليل فأقيمك على الكثير. أدخل إلى فرح سيدك». أختي، إن الرب آتٍ سريعاً، فهل تعيشين لهوحده؟ أخي، إن الرب آتٍ سريعاً، فهل تحيا له وحده؟
نعم، لا تخجلوا البتة من المسيح، الرب المبارك، الذي هو آتٍ سريعاً، ولربما اليوم. وعندما يأتي لن تكون هناك فرصة لكم كالمتاحة الآن لديكم لكي تعيشوا له بالكلية وليس لذواتكم في عالم لا يعيش إلا لنفسه ويرفض حقوق سيدنا.
والآن، وقد تم الفكاك كاملاً، فإن أعماق الله يمكن أن تستعلن. فلم تعد راعوث هي الملتقطة المسكينة، التي تلتمس حبات حنطة في حقل بوعز، بل هي شريكة في كل ما لجبار البأس هذا. كما أنها لم تعد أرملة الميت، فقد اشتراها بوعز لنفسه امرأة، فصارت مقترنة بالحي الذي فيه القوة. وهي تدرك الآن أن كل ما كان يربطها بالماضي قد انقطع، سواء روابطها بموآب أو بالموتى، قد انفصمت كل الوثُق، وصارت الغريبة الموآبية المسكينة هي الأولى بين أمهات إسرائيل. فقد تُنسى راحيل وليئة، إذ حلت محلهما امرأة، يمكن أن تبني إسرائيل. وهاهي تندرج في سلسلة النسب الملكي، فقد صارت أم عوبيد جد داود، الذي منه حسب الجسد جاء يسوع المسيح -عمانوئيل- الوارث لكل شيء. وهكذا تمت مقاصد الله، ونهر النعمة الصغير الذي تتبعناه من بداية قصة راعوث هاهو قد صار الآن محيطاً من المجد الأبدي. ومن سوى الله كان يستطيع أن يخرج من موآب كل هذا. فقد بدأت معاملات الله مع هذه الأرملة المسكينة وهي لا تزال في موآب.
- عدد الزيارات: 20591