الأصحاح الرابع - عدد 3-4
ثم قال للولي إن نعمي التي رجعت من بلاد موآب تبيع قطعة الحقل التي لأخينا أليمالك. فقلت إني أخبرك قائلاً اشترِ قدام الجالسين وقدام شيوخ شعبي. فإن كنت تفك ففك، وإن كنت لا تفك فأخبرني لأعلم. لأنه ليس غيرك يفك وأنا بعدك. فقال إني أفك ( ع 3 و4).
قبل أ ن يتحقق فداء راعوث كان لابد لها أن تجد أجوبته لثلاثة أسئلة:
أولاً: هل هناك وليٌّ آخر؟ ليس السؤال هل هناك شخص غني، عنده شفقة كبيرة على نعمي وراعوث. فمثل هذا إن لم يكن ذا قرابة لهما فلن يكون له حق الفكاك. لذلك كان لابد للرب يسوع أن يشترك في اللحم والدم ليصبح فادياً لنا (عب 14:2). كان ينبغي أن يصير إنساناً حتى يبذل نفسه فدية لأجلنا (1تي 5:2 و6). ولكن الله عيَّن الناموس ليكون الولي الأقرب، كما رأينا في ع2. ولكن «ليس الروحاني أولاً بل الحيواني، وبعد ذلك الروحاني» (1كو 46:15).
ثانياً: هل هذا الولي قادر على أن يخلص راعوث ونعمي؟ كان بوعز له حق الفكاك، كما كان في قصده أن يفعل ذلك، ولكن ماذا لو لم يكن لديه ما يكفي لدفع الثمن؟ هل كان امتلاكه هذا الحق، وحسن نواياه تكفي؟ كان القريب الأقرب - الذي هو الناموس - قادراً على أن يفك الميراث، ولكنه عجز عن أن يفدي راعوث ونعمي الوارثتين له. أما بوعز، جبار البأس (1:2) فقد كان قادراً على دفع الثمن. وقد دفع ربنا يسوع ثمن فدائنا، وكم كان عظيماً. «الأخ لن يفدي الإنسان فداءً. ولا يعطي الله كفارة عنه. وكريمة هي فدية نفوسهم فغلقت إلى الدهر» (مز 7:49 و8). «فإنكم تعرفون نعمة ربنا يسوع المسيح أنه من أجلكم افتقر وهو الغني، لكي تستغنوا أنتم بفقره» (2كو 9:8). وفي متى 46:13 نرى تصويراً لهذا الثمن الباهظ الذي كان على الرب أن يدفعه، فكالتاجر باع كل ما كان له، فأخلى نفسه (في 6:2-8). بل إنه كابن الإنسان أطاع، ونحى جانباً قداسته- ونحن نقول هذا بكل حذر - حين حمل خطايانا في جسده، وجُعل خطية لأجلنا، حتى أنه ترك من الله، ثم أخيراً وضع حياته. حقاً لقد باع كل ما له ليشتري ويفتدي الكنيسة، فياله من مخلص.
ثالثاً: هل كان الولي مستعداً لأن يفك؟ كان بوعز له الحق في أن يفك، وكانت عنده الإمكانيات اللازمة لذلك، ولكن ماذا لو أنه لم يكن يرغب في أن يفعل ذلك؟ لم تكن هناك قوة على الأرض تستطيع أن ترغمه على أن يفدي راعوث المسكينة، ويفك ميراثها. هكذا أيضاً بالنسبة للرب يسوع، كان قصده أن يفدينا. ويعطينا الكتاب براهين كثيرة على ذلك، إذ يتكلم كثيراً عن محبة المسيح. لم تكن مجرد شفقة تلك التي دفعته ليفدينا، بل هي المحبة محبة المسيح التي بلا حدود - كانت محبته قادرة على أن تقهر كل شيء، حتى الموت تحت قضاء الله القدوس الذي يكره الخطية (نش 6:8 و7). أما الناموس فلا يعرف المحبة، وإنما يعرف البر فقط، لهذا فهو ليس على استعداد لأن يفدي.
طبقاً للنص الماسوري فإن نعمي كانت قد باعت أرضها. ولكن معظم الترجمات نقلت الفعل في المضارع - "تبيع" - وهذا في الواقع ما يتفق مع القرينة (اقرأ عددي 5 و9). والفارق بين الفعل في المضارع وفي الماضي هو في تحريك (أي تشكيل) حرف واحد. لذلك يمكن استخدام زمني الفعل كل محل الآخر وبنفس معناه. إذ أن النسخ الأصلية العبرية كانت تغفل حركة الحروف أو تشكيلها وتكتب الكلمات بدون تشكيل، ثم تم تحريك الحروف في المخطوطات التي كتبت بعد ذلك بعدة قرون. لذلك فكلتا القراءتين صحيحة نصاً، وكلتاهما صحيحة من جهة قيمتها الروحية أيضاً.
إن ثياتيرا، التي هي كنيسة روما الكاثوليكية في العصور الوسطى، قد باعت بالفعل مركز المسيحية الحقيقية، وصفتها السماوية، واستبدلتها بحكومة على الأرض، إلا أنها بقيت على تمسكها بحق الكنيسة الواحدة، وإن كانت قد أفسدته، إذ خرجت عن المكتوب بتعليمها بأنه لا خلاص خارج الكنيسة. فكل شيء فيها جماعي، وليس فيها شيء فردي. وهذا لا يتفق مع الكتاب المقدس. صحيح أن الكنيسة تشغل مساحة كبيرة من صفحات الكتاب المقدس، ولكن تبقى أمور كثير فردية يتناولها المكتوب. فكل فرد يجب أن يأخذ فردياً اختبار التحول والرجوع إلى الله. ويجب أن يكون لنا سلام شخصي مع الله، وأن ننال الروح القدس، وأن نعترف بسلطان الرب يسوع على حياتنا الشخصية. كل هذه أمور لا تتصل بالكنيسة. والرب يسوع ليس هو رب الكنيسة، بل هو رأس الكنيسة، وما نحن سوى أعضاء جسد المسيح، وقد صرنا كذلك فقط بعد أن تغيرنا وبعد أن وجدنا السلام مع الله، وختمنا بالروح القدس (1كو 12،13).
وكرد فعل لتعليم روما هذا رفضت البروتستانتية - التي هي ساردس - كل ما هو جماعي، وجعلت كل الأشياء فردية أو شخصية. فلم تعلم فقط بأن الإيمان يجب أن يكون شخصياً، ولكنها من جهة الكنيسة أنشأت كنائس كثيرة، ولكل واحد أن ينضم للكنيسة التي يختارها. فأينما وجد الإنسان الجماعة التي تتفق مع فكره فإلى هناك ذهب.
حقاً لقد باعت نعمي قطعة الأرض التي لأليمالك، الأرض التي كانت فيها تُحفظ حقوق الرب، إذ معنى اسمه "إلهي ملك". ولكنها كانت لا تزال تبيعها أيضاً، فلم يعد هناك اعترافاً في الكنيسة بالمركز المسيحي. كما أصبحت حقيقة الكنيسة الواحدة - كنيسة الله الحي- مرفوضة. ومركز المسيحي حُطَّ به إلى مركز اليهودي تحت الناموس، حتى أن الرب لم يعد يستطيع أن يعترف بهؤلاء الذين ادعوا أنهم مسيحيون بأنهم كذلك فعلاً، بل يصفهم بأنهم "موتى". الانقسامات الكثيرة بين المؤمنين - التي تصفها كلمة الله بأنها من الجسد، والذات، والطبيعة القديمة - أصبحت ينظر إليها باعتبارها أمر حسن، حتى قيل "إن الكنائس المختلفة تعكس شيئاً من مجد الله، إذ أن كنيسة واحدة لم تكفِ لأن تفعل هذا"..."هي مثل أوتار العجلة، تشد إطارها، وترتبط جميعها في محورها".
إن الناموس، كمبدأ المسئولية، يستطيع أن يفك الميراث، بل هو يريد ذلك. فهو يستحضر الحق الإلهي إلى الضمير، ويطالب بإطاعة هذا الحق. إنه يستطيع أن يحث النفس التي اهتدت على أن لا تبقى بعد في عبودية الخطية، بل أن تثبت في الحرية (غل 1:5). يستطيع أن يقول للنفس أنها جلست في المسيح في السماويات، وأنها يجب أن تحيا هكذا عملياً. ولكن متى وضع أحد نفسه تحت الناموس، حتى لو كان مولوداً ثانية، فإنه لن يستطيع أن يثبت في الحرية. فالذين هم تحت الناموس هم في مركز العبيد (غل 1:5). علاوة على ذلك فإننا عندما نأخذ مركز الإنسان الطبيعي على الأرض فكيف نستطيع أن نحيا عملياً كمن أُقيموا وأُجلسوا في السماويات (أف 5:2 و6). إذا كان شخص عبداً للخطية (رو 23:7) - وهو في هذه الحالة لا يكون منتسباً إلى كنيسة الله الحي، إذ أنه لا يكون قد ختم بالروح القدس - فإنه لا يستطيع أن يأخذ مكانه كعضو في جسد المسيح، حتى ولو دعا نفسه مسيحياً ألف مرة. إذاً لابد أن يعتق الإنسان، تماماً كما يعتق الميراث.
- عدد الزيارات: 20596