الأصحاح الرابع - عدد 18-22
وهذه مواليد فارص. فارص ولد حصرون. وحصرون ولد رام. ورام ولد عميناداب. وعميناداب ولد نحشون. ونحشون ولد سلمون. وسلمون ولد بوعز. وبوعز ولد عوبيد. وعوبيد ولد يسى. ويسى ولد داود ( ع 18-22).
ينتهي في الواقع سفر راعوث عند العدد السابع عشر من هذا الأصحاح. فقد وصلنا إلى المركز الصحيح، أي الاتحاد بالمسيح المقام والممجد، الذي يرمز إليه بوعز. كما يعني هذا أننا قد صارت لنا الشركة العملية مع الآب ومع الابن كعابدين. وسلسلة النسب التي أمامنا الآن هي تذييل، وهو تذييل له أهميته. فتاريخياً يقدم لنا راعوث وقد صار لها اسم في سلسلة نسب الرب يسوع. وهذا ما يؤكد عليه إنجيل متى في الأصحاح الأول. ولكن أيضاً سلسلة النسب هذه لها مغزاها الروحي. ولكي نفهمه علينا أن نتأمل معاني الأسماء الواردة فيها.
إنه لمن الرائع حقاً أن نُستحضر إلى المركز الذي لكنيسة فيلادلفيا وحالتها العملية. ولكننا أيضاً نعلم من واقع اختبارنا أنه من السهل جداً أيضاً تركه. لذلك وجه الرب تحذيره إلى أولئك الذين في فيلادلفيا «تمسك بما عندك لئلا يأخذ أحد إكليلك» (رؤ 11:3). فمن «يتمسك» يدعوه الرب «غالباً». إن أولئك الذين استُحضِروا إلى فيلادلفيا، وكذلك الذين يستحضرهم الرب الآن، ليسوا أفضل من «القديسين...والمؤمنين في المسيح يسوع» الذين كانوا في أفسس، الذين بعد ذلك بفترة وجيزة قال لهم الرب «عندي عليك أنك تركت محبتك الأولى» (رؤ 4:2). لذلك فهي مسئولية خطيرة علينا أن نبقى في هذا الوضع وهذه الحالة التي أتى بنا الرب إليها. ولكن هذا ما لا نستطيع أن نفعله من ذواتنا، بل إن هذا في الواقع أصعب من حفظ ناموس جبل سيناء، وهو الذي استعصى حفظه على الجميع. ولكن هناك قوة تستطيع أن تحفظنا ثابتين. إنها قوة «القادر أن يحفظكم غير عاثرين، ويوقفكم أمام مجده بلا عيب في الابتهاج» (يه 24). إنها قوة الله التي تعمل فينا لتثبت إيماننا (1بط 5:1). إنها القوة التي تغلب العالم (1يو 4:5).
سبق أن رأينا أن فارص هو رمز لهذه القوة الإلهية التي تعمل فينا وتثمر فينا وبنا ثمراً به يتمجد اسم الرب (أف 16:3 و20، كو 10:1،11). وفي سلسلة النسب هذه من فارص نرى كيف نستطيع أن نغلب.
صحيح أن قوة الله تعمل فينا، ولكنها هنا تذكر بالارتباط بمسئوليتنا، فنجد أمامنا عشرة أسماء، منها خمسة مرتبطة بمصر والرحلة عبر البرية، والخمسة الأخيرة مرتبطة بسكنى الشعب في الأرض. وكما نعلم فإن الرقم "خمسة" يتكلم عن مسئولية الإنسان كخليقة الله، وهي بلا شك مسئولية مع معونة من الخالق، ولكن أيضاً تحت رقابته. والروح القدس يركز هنا على الرقم خمسة. والواقع الذي لا جدال فيه أن هناك أسماء قد أُغفل ذكرها ليبقى عددهم عشرة أي حاصل ضرب خمسة في اثنين. فمن مواضع أخرى نستطيع أن نعرف أن داود مات، وتقلد سليمان الملك في السنة الخمسمائة والتسعين لخروج إسرائيل من أرض مصر لذلك فالأسماء الخمسة الأخيرة في هذه السلسلة تغطي معاً مدة 540 سنة. من هذا نستنتج أن الروح القدس اختار هذه الأسماء الخمسة عن قصد خاص ليستخدمها لإيضاح فكرة معينة من خلالها.
يعني اسم فارص "اقتحام". وقصة ولادته توضح لنا ما هي نتيجة القوة التي تعمل فينا (تك 27:38-30). وفي فارص، مع أخيه زارح، نرى ما يوضح لنا أننا نلنا طبيعة جديدة عندما ولدنا ثانية، مع بقاء الطبيعة القديمة فينا. «لكن ليس الروحاني أولاً بل الحيواني، وبعد ذلك الروحاني» (1كو 46:15). فقد مد زارح يده خارجاً أولاً، وظنت القابلة أنه هو الذي سيولد أولاً، ولكن فارص اقتحم المشهد وولد أولاً فصار بكراً. فمع أن الإنسان الذي في رومية 7 مولود ولادة ثانية، ولكنه يشبَّه بزارح. أما الإنسان في رومية 8 الذي يسلك حسب الروح وينقاد بالروح فمرموز إليه بفارص، الذي فيه يتم حكم الناموس - أي الطاعة - بواسطة القوة الإلهية التي فيه. بينما حسبت الطبيعة القديمة -أي الذات- ميتة، حتى أن الروح القدس الذي يعمل في الطبيعة الجديدة يمكنه أن يحفظه في هذا المركز العجيب الذي استحضر إليه.
والنتيجة لهذا كله هي "حصرون" الذي معناه "محصور" وقد قال الرب عن أورشليم «أكون لها سور نار من حولها، وأكون مجداً في وسطها» (زك 5:2). «أورشليم الجبال حولها، والرب حول شعبه من الآن وإلى الدهر» (مز 2:125). «ملاك الرب حال حول خائفيه وينجيهم» (مز 7:34). وفي أيوب 9:1 و10 يشتكي الشيطان لأن الله سيَّج حول أيوب. فعندما تكون الحرية لكلمة الله لتعمل، والمجال مفتوحاً أمامها كما رأينا في فارص، فإن النتيجة الحتمية هي أن الله سيسيِّج حولنا. فلا يستطيع عدو أن يمسنا، وعندئذ سيولد "رام" الذي معناه "مرتفع"، ونصير كموسى الذي كان مع الله على الجبل أربعين يوماً، فرأى مجد رحمة الله وطول أناته، فنعكس بالتالي هذا المجد وهذه الرحمة على الآخرين (خر 4:34-7 و29 و30، 2كو 18:3). وهكذا ولد رام "عميناداب" الذي معناه "شعب المعطي المسرور" كما يعني أيضاً «الشعب المنتدب»هذا المعنى معبر عنه في نشيد الأنشاد 12:6 حيث يقول العريس «فلم أشعر إلا وقد جعلتني نفسي بين مركبات قوم شريف» (أي قومي المنتدبين). ولكن يبقى المعنى الذي ذكرناه أولاً عن هذا الاسم صحيحاً. فنحن قد أقبلنا إلى معرفة الرب كالمعطي الأعظم عندما ارتقينا إلى مكانه الأسمى. فهناك في السماويات عرفنا الغنى الذي لنا، والنتائج العظيمة لعطائه لنا، فارتبطت قلوبنا بهذا المكان، وكم هو جيد حقاً أن نكون هناك معه. ولكن مازال هناك ما هو أعظم، فقد ولد عميناداب «نحشون» الذي معناه "رائي". فمن قمة الجبل الآن نستطيع أن نرى الأرض على امتدادها وفي كل جمالها وبهائها كما فعل موسى (تث 1:34-4)، ونثق أننا يوماً قريباً سنمتلكها كلها. فعندما نكون في شركة مع الرب يكشف لنا الروح القدس أموراً عجيبة عن المستقبل من المكتوب. وعندما نشغل المركز الذي لفيلادلفيا فإن الرب يقول لنا «هاأنا آتي سريعاً». فهذا هو آخر ما يمكن أن يقال لنا ونحن في رحلة البرية.
ثم بعد ذلك يأتي سلمون، ومعناه "ملابس" أو "ثياب". ومن إنجيل متى 5:1 نعرف أن سلمون قد تزوج برحاب. وبالتالي فإنه يأخذنا إلى الأرض. وهناك في الأرض نعرف أننا اكتسينا بأفخر الثياب. فقد أنعم علينا «في المحبوب» (أف 6:1) فأدركنا ما هي الثياب. إنها المحبوب ذاته «الذي فيه لنا الفداء بدمه. غفران الخطايا» (أف 7:1) فهو الذي أسلم نفسه لأجلنا، وهاهو الآن جالس ممجداً عن يمين الآب. ولم يقتصر الأمر على خلاصنا، بل صارت هناك القوة التي تعمل لحسابنا، وهنا يأتي «بوعز» "الذي فيه القوة". تلك هي ذاتها القوة التي أقامت من الأموات ذاك الذي مات لأجلنا، وأعطته مكاناً عن يمين الله «فوق كل رئاسة وسلطان وقوة وسيادة، وكل اسم يسمى، ليس في هذا الدهر فقط، بل في المستقبل أيضاً» (أف 18:1-23). كذلك نرى أننا قد أحيينا معه، وأُجلسنا في السماويات في المسيح يسوع (أف 5:2 و6). أخيراً، وبعد أن نفهم هذا كله فإننا سنخدم ونسجد، وتكون لنا الشركة العملية مع الآب والابن، مدركين أننا موضوع المحبة والنعمة، وهذا ما رأيناه في معاني أسماء "عوبيد" و"يسى" و"داود". علاوة على ذلك، يكون عندنا الإدراك لحقيقة أنه بالرغم من أننا أفسدنا كل شيء أعطاه لنا الرب إلا أنه ما كان ممكناً أن نفسد عمله.
واسم "يسى" معناه "يهوه الكائن"، وهو يتكلم إلينا عن ربنا يسوع المسيح، الذي هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد (عب 8:13). لقد قال بفمه الكريم «...أبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها» (مت 18:16)، فهو لابد وأن يحضر الكنيسة لنفسه «مجيدة لا دنس فيها ولا غضن أو شيء من مثل ذلك» (أف 27:5). بهذا فإننا نأتي إلى اليقين الذي لا يتزعزع ولا يتبدل من جهة كل ما هو من الله. وفقط ننتظر ربنا يسوع آتياً ليأخذ كنيسته لتكون له، وليدخل بها إلى بيت الآب، حيث الراحة الكاملة، ليس فقط لضمائرنا، بل لأجسادنا أيضاً. وسنبلغ كمال الفرح ونحن نرنم الترنيمة الجديدة قائلين «مستحق أنت أن تأخذ السفر وتفتح ختومه لأنك ذبحت واشتريتنالله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة. وجعلتنا لإلهنا ملوكاً وكهنة» (رؤ 9:5).
هذه هي الطريق، وتلك هي الوسائل التي بها نُحفظ في المكان والحالة التي أتى بنا الرب إليها بواسطة «القوة التي تعمل فينا» عندما نفتح نحن المجال أمامها لتعمل فينا وبنا.
لنطلب إلى الرب فيزيد إيمانك وإيماني، حتى ينتصر على هذا العالم الحاضر الشرير (1يو 4:5) ويكون منتظراً للعالم العتيد. فالعالم الحاضر قد رفض ابن الله، وأما العتيد فسيعرفه. العالم الحاضر قد باعه بثلاثين من الفضة. العالم الحاضر قد صلبه. كل ما فيه هو «هموم هذا العالم وغرور الغنى». وفيه يقبل الناس مجداً من بعضهم البعض. إنه كل يوم فيه يبيعون ويشترون، إنه الزرع والحصاد، إنه الأكل والشرب. هذا هو ما صَلَب رب المجد، وكان المعتبَرون كثيراً في هذا العالم هم الضالعون أكثر في صلبه. ومازال إلى اليوم هؤلاء المعتبَرون كثيراً هم الذين لا يريدون له أن يملك عليهم، ولا يطلبون مجيئه ثانية. ولكنه لا محالة آتٍ يوماً على هذا المشهد كلص في الليل.
أيها الأحباء، لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم. اذكروا امرأة لوط، ولنكن من أولئك الذين ينتظرون سيدهم متى يأتي إليهم، الذين ماتوا مع المسيح، الذين لا يفتخرون إلا بصليبه. لنكن من هؤلاء الذين يقدرون قيمة الدم الثمين، دم ابن الله، الذي سفكه العالم، والذي عنه سيعطي حساباً. ليكن عندنا الاستعداد لأن نكون مرفوضين من العالم، فسيعترف هو بأسمائنا المحتقرة أمام ملائكة الله، ثم نقف أمامه قريباً بلا عيب في ابتهاج وفرح عظيم.
وليكن اسمه الكريم مباركاً من الآن وإلى أبد الآبدين
حول بوعزنا الحقيقي على مائدته
كنيسةُ اللهِ عارُكَ في العالم جسدُك الواحدْ نرفِّعُ اسمكَ |
|
يا ربَنا حولَكْ أضحى لهمْ ذُخرُ ورأسُه أنت يا من أحبنا |
- عدد الزيارات: 20593