السلام الكامل
ثم أننا نرى في الإصحاح الرابع من إنجيل يوحنا الذي نحن في صدده، أن المؤمن لا يتمتع فقط بالحياة الجديدة التي حصل عليها بل بينبوع ماء داخله ينبع إلى حياة أبدية. وبقوة الروح القدس المُعطى لنا نحصل على سلام كامل نشعر به وإذ ذاك لا يسعنا إلا أن نعبر عن سرور نفوسنا المفدية لمدح مخلصنا الله. وفي الواقع لا نرى هذا الأمر بين أولاد الله إلا عند نفر قليل جداً منهم، لأن الناس في الغالب عندما يعرفون المسيح فإنهم يضعون الناموس موضع الروح القدس وبهذا الوضع يسقطون في شراك الريب الذي كثير ما ينتج عن سوء استعمال الناموس بهذا الوضع الخاطئ، بدلاً من التمتع والقوة والسلام في المسيح وفدائه – الأمور التي هي ثمار شهادة الروح القدس للمسيح وثمار سكناه في المؤمن وهنا فقط نستطيع أن نلمس السجود المسيحي. وهو قائم على كمال إعلان النعمة في المسيح الذي مات وقام وصعد. ويستطيع المؤمن أن يتمتع بهذه النتائج المباركة كلها وذلك بقوة روح الله ولكن ليس هذا هو الكل، فالله روح ولذلك فإن السجود المسيحي ينكر الرسميات "الله روح. والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا" وإذ تعلن لنا طبيعة الله كما في هذه الآية فإننا نستنتج الحاجة الأدبية للسجود له تعالى بالروح والحق وليس بحسب نظام أرضي أو مشورة أرضية.
هذا هو إذن مصدر وأساس وصفة السجود المسيحي. على أننا إذا تقدمنا إلى التعاليم الواردة في العهد الجديد، فإننا نرى عنصراً آخر. ففي (1 كو 14) نرى السجود بالاقتران مع الجماعة، ومنه نتعلم المبدأ الذي بموجبه يُقَدّم السجود ومن هم الذين يقدمونه. وهذا عنصر هام يجب أن نضيفه إلى معرفتنا عن الله. على أنه ليس من ينازع لحظة واحدة في ضرورة الكرازة بالإنجيل أو في أن يتكلم المؤمنون بالحق، لأن هذين العملين واجبان بحسب الكتاب المقدس وفي الإصحاح المذكور (أي 1 كو 14) نرى الروح القدس يجهز كل ما يحتاج إليه صالح الكنيسة وخير النفوس. فلنا فيه بكل وضوح مبدأ وحقيقة خدمات المسيحيين. أما بين غير المؤمنين فالحالة لا تدعو إلى شهادة عن الكيفية التي بها يُقدّم السجود المسيحي لله، إذ قد رأينا مما سبق أنه غير مستطاع في أحد أن يقدم سجوداً مقبولاً لله إلا المسيحيون – أما العالم فهو بموجب تعليم الكتاب المقدس خارج دائرة هذا السجود ولكن ليس هذا معناه أننا نوصد باب الاجتماع في وجه غير المؤمنين ونمنعهم من الاجتماع معنا، إذ واضح من كلمة الله أن بعضاً من غير المؤمنين يحضرون حيث تجتمع جماعة الله، على أنهم ليسوا أهلاً لتقديم السجود اللائق المقبول لدى الله لأنهم لم يحصلوا على الطبيعة الجديدة، ولا على الروح القدس الذي هو القوة الوحيدة للسجود. فلا هم يعرفون الفداء الذي هو أساس السجود ولا الله وأبا ربنا يسوع الذي هو مع الابن غرضاً للسجود. ومن كل الوجوه نرى أن العالم بالضرورة خارج حدود السجود المسيحي. أما إدخاله ضمن هذه الحدود فهو جزء من خطيئة وخراب النصارى.
- عدد الزيارات: 2629