الشكر في السجود لله
ثم أننا نتعلم من (1 كو 14) المركز الذي يشغله الشكر في السجود لله، وهذا ليس بالارتباط مع المؤمن الفرد فقط، أو مع طائفة خاصة، بل مع ترتيب وعمل الله في الجماعة. لذلك نقرأ القول "فما هو إذاً. أصلي بالروح وأصلي بالذهن أيضاً. أرتل بالروح وأرتل بالذهن أيضاً" (عدد 15) ومع ما للترنيم من أهمية إلا أن المقصود به ليس الصوت الرفيع. بل أن الأمر الجوهري وكما يخبرنا (عدد 15) الذي ذكرناه هنا – هو أن "نرتل بالروح ونرتل بالذهن أيضاً" ويا له من برهان كامل على أن الرب يتطلب من شعبه خدمة معقولة! لذلك يقول لنا الرسول في (عدد 16) "وإلا فإن باركت بالروح فالذي يشغل مكان العامي كيف يقول آمين عند شكرك لأنه لا يعرف ماذا يقول". ولو أن السجود المسيحي دخل فيه التكلم بلسان غير معروف، سواء في تقديم الشكر أو البركة لله، فإنه يعاكس ناموس بنيان الجماعة لأنه حينئذ يغلق الباب في وجه الذين لا يقدرون أن يقولوا عن فهم "كلمة آمين". وقد ذكرنا هاتين الآيتين لنتبين منهما أن الشكر وتقديم البركة لله، نظير الترنيم وسائر أجزاء السجود المسيحي المعروف لنا، كانت كلها موجودة من البداءة عند الجماعة المسيحية.
ولكن هنا صعوبة. تطلّع أيها القارئ إلى اليمين أو اليسار، تطلّع حيثما شئت وقل لي أين تجد الجماعة المسيحية؟ أين هو اجتماع أولاد الله معاً باسم الرب يسوع، ومشغوليتهم بتقديم الشكر والبركة والحمد والترنيم كما في هذه النصوص؟ على أن اجتماع جماعة الله لهذه الغاية من الأمور الجوهرية في السجود المسيحي. قد يوجد في اجتماع ما نخبة من أفاضل الرجال انتُخِبوا لإدارة الخدمة، ونظام متقن للترنيم والصلوات، ولكن هل هذا هو سجود عائلة الله؟ وإلا فكيف يتأتى أن يكون ذا صبغة مسيحية؟ إن الله ينتظر من أولاده سجوداً بالروح، فهل بعد ذلك نقول أيها القارئ أنه فرق طفيف بين أن يشترك في الخدمة كثيرون وبين أن يقوم بها شخص واحد معين؟ ولكن مهما كان هذا الفرق عظيماً فإنه ليس بالأمر الجوهري، بل لب القضية أن تكون للروح القدس حرية مطلقة ليستخدم من يشاء. إذاً فالمسألة ليست مسألة شخص واحد أو أشخاص كثيرين. فقد يحدث في بعض الأحيان أن الروح القدس يستخدم واحداً أو اثنين وفي بعض الأحيان يستخدم أكثر من ستة بطرق مختلفة. على أن الذي يتطلبه الكتاب المقدس هو أن يكون لنا إيمان بحضور الروح القدس مبرهنين على ذلك الإيمان بأن نترك له حقه اللائق به ليستخدم من يشاء. وللمرة الثانية نقول أن المسألة إذاً ليست مسألة شخص أو أشخاص، أو شفاه كثيرة تقدم الحمد أو تبارك أو تشترك في أجزاء السجود المسيحي. فالوجهة الحقيقية الجوهرية هي أنه ما دام الروح القدس حاضراً فيجب أن نعتمد عليه وعلى حريته في أن يستخدم هذا الأخ أو ذاك كما يشاء. وإنه لمظهر غريب مُخجِل أنه في اجتماع ما، حيث يوجد كثيرون من الأشخاص الروحيين، لا يشترك سوى واحد أو اثنين في السجود للرب ومع ذلك فمهما كان عدد المتكلمين في أي اجتماع كثيراً أم قليلاً فإن الطريق الكتابية الوحيدة، الذي بمقتضاها يُقَدَّم السجود المقبول، هي حيث تتحد كل الجماعة في حرية الروح بالقلب والذهن في تقديم تسابيحهم وتشكراتهم لله بالرب يسوع المسيح. والروح القدس – إذ يعمل في الجماعة بواسطة الأفراد – قد يرى من المناسب أن يستخدم واحداً أو اثني عشرنأنه مادأن لينطقوا بعبارات الحمد الموافقة لفكره الإلهي والمتفقة مع حالة الجماعة وسواء استخدم الروح القدس جميع الأفراد ليكونوا آلات لتقديم السجود، أم اقتصر على بعض منهم فليس أحلى لدى قلوبهم جميعاً من الإحساس بأن الروح القدس يتنازل فعلاً ليقود الواحد، ويقود الجميع!! أجل – فالنقطة الجوهرية في الأمر هي أن نترك له كل الحرية ليقود الجميع لمجد المسيح.
وتَعِنّ لنا ملاحظة عملية نريد أن نقولها بمناسبة السجود وهي أنه ينبغي علينا أن نحرص من أن نُدخِل في وسط الجماعة آراءنا الخاصة عن السجود الذي نقدمه لله. قد يطلب أحد الأفراد أن ترنم معه الجماعة ترنيمة يُسَرُّ هو بها، وقد تكون تلك الترنيمة جميلة وصحيحة وذات مغزى روحي في ذاتها، ومع ذلك قد يخطئ في طلبها إذ لا تكون مناسبة على الإطلاق للظرف الذي يريد أن ترنم الجماعة فيه تلك الترنيمة. ثم قد يحدث أن يحضر بعض المتمردين – سواء كانوا معروفين أم غير معروفين – ليروا، بروح حب الاستطلاع، ما هو السجود. فهل في حالة كهذي تتسرع أيها القارئ وتقرأ إصحاحاً أو تطلب ترنيمة لذيذة خوفاً من استغرابهم للصمت وقتاً بعد آخر؟ على أنني لست بحاجة لأن أقول لك أن هذه خطوة لا مبرر لها ولا يليق بأناس يؤمنون بحضور الروح القدس أن يخطوها. قد يتوهم البعض بأن هناك حرية لأتصرف بمقتضاها بكيفية تروق لي ولكن من الذي يضع مثل هذه الآراء في ذهني؟ وهل تظن أيها القارئ أن الروح القدس يعبأ بما يقوله أو تفتكره أولئك الذين من خارج عن الذين هم من داخل؟ أليس هو على العكس مملوءاً بأفكاره الإلهية الخاصة عن المسيح وبأن يبلغها لنا؟ ولذلك فإن الأمر الذي يليق بنا أن نعمله في مثل هذه الظروف هو أن نرد الطرف عن أنفسنا وعن أخوتنا وعن المتمردين ونتوجه إلى الله لكي يعطينا بعمل روحه القدوس شركة في أفكار روح الله عن الرب يسوع المسيح.
وعندئذ ما أبسط أن تبعث منا تشكراتنا القلبية لله من أجل مراحمه الخاصة علينا وعلى جميع القديسين! وما أزكى الشعور الذي يُوجده فينا الله عن سروره في المسيح! وما أسمى عبارات الحمد التي نرفعها لأجل نعمته الغنية! نعم ويا له من شعاع مبهج جذاب للمجد العتيد بل ولشخص المسيح نفسه! كل هذا، وكثير غيره، ليس سوى ذرات هينة وقد يسمح الرب بأن نشعر بهذا جميعه كلما رأى ذلك مناسباً. وعندي أنه مهما كان السجود ضعيفاً، ويتفق قط مع حالة الجماعة الراهنة، فإنه في نظر الله أفضل من أي نظام سامي لا يرتبط به عمل الروح القدس بصفة فعلية.
أما من جهة الانتقاد فلا أستطيع أن أتصور جماعة الله هي المكان الموافق لأن يقوم فيه كائن من كان ويُظهِر براعة حكمته فيها. بل على العكس هي – بغض النظر عن كل الظروف – المكان الذي يُظهِر العظيم حقارته أمام الله. على أنه يأتي أوقات وحالات يكون الحكم فيها على ما يُقال في الاجتماع ليس أمراً لائقاً فقط بل واجباً وحتمياً، ومع كل فإن جماعة الله ليست هي المكان لمثل ذلك الحكم. وأرجو أن يسمح لي القارئ بأن أطبق على مثل هذه الحالة ما قاله الرسول بصدد خطأ آخر "إن كان أحد يُظهِر أن يحب الخصام فليس لنا نحن عادة مثل هذه ولا لكنائس الله" إذ كيف يستطيع أي شخص أن يستدل من كلمة الله على طريقة كالتي نندد بها؟ ومن أين يأتي بهذا الاستدلال؟ على أنني لست أحصر كلامي هنا في هذه الآية على علاتها، ولا في الملاحظات العامة التي أوليتها عنها، بل أنا أتكلم عن فحوى وخلاصة وغرض كل ما أُعطي لنا في الكتاب. وعليه، فما دام الانتقاد غير مصرح به فلا تكون نتيجته إذن سوى الضرر. إذ ماذا ينتج لنا الانتقاد في جماعة الله سوى بذر الشقاق والنزاع حيث يجب أن يسود الاتحاد والاتفاق؟ ومع ذلك فكم حدث هذا الأمر! وإنني بروح الحزم أحذر جميع قرائي ضده كل التحذير. كلنا معرضون لأن نخطئ في الاجتماع، وكلنا نستحق في بعض الأحيان إلى إصلاح لأخطائنا، ولكن – كقاعدة عامة – الانتقاد على أخوتنا أمر خارج مطلقاً عن دائرة الجماعة المسيحية. فلكل واجب حقيقي وقت خص ومكان خاص ولن يكون من الصواب أن نصلح بعضنا البعض في وقت الاجتماع مهما كانت النية حسنة.
- عدد الزيارات: 2968