الخضوع لكلمة الله
على أننا إذا خضعنا لكلمة الله فإننا في الحال نكتشف أن الكتاب المقدس قد أعد لنا حلا يتفق بالضرورة مع حالتنا الناقصة بالنسبة لعدم وجود شيوخ نظير أيام الرسل. وقد سمح الرب في حكمته أن تشعر الكنيسة الأولى بالفراغ في هذه الناحية لذلك ألهم الرسل أن يكتبوا رسائل للكنائس التي لم يوجد فيها شيوخ كرسائل تسالونيكي وكورنثوس مثلاً. وقد اشتهرت كنيسة كورنثوس بعدم ترتيبها، فكان وجود الشيوخ ينفع إزاء هذه الحالة. ومع ذلك فلا نجد أقل كلمة أو إشارة إلى الشيوخ في الرسالتين اللتين كتبهما الرسول لتلك الكنيسةو ولو أنه وجد وسطهم شيوخ أغما كان الرسول يناقشهم الحساب ويوبخهم على نقص اهتمامهم التقوى ونشاطهم في المناظرة على القديسين الذين هم بينهم. على أننا لا نجد أقل أثر لهذه الأفكار. وفوق ذلك نحن نعلم أن الرسل لم يكن من دأبهم أن يقيموا شيوخاً للتلاميذ هناك، كانت كنائس عمّرت مبلغاً من الزمان ساعد على إنماء بعض المؤهلات الروحية في أفراد من تلك الكنائس. أما تلك التي كان أفراد قديسيها حديثي العهد في الإيمان، فكان لا بد من مرور وقت كافي لكي يبرز الأكفاء لهذا العمل. وبالنسبة لوجود حالات مماثلة في كنائس أخرى نظير كورنثوس فمن النادر أن نقرأ عن الرسل أنهم انتخبوا أو عينوا شيوخاً.
ومن الجهة الأخرى لنا في آخر إصحاح من الرسالة الأولى لأهل تسالونيكي تعليم مهم جداً للقديسين. فمع أن هذه الكنيسة كانت حديثة العهد نظير كورنثوس إلا أن القديسين كان عليهم أن يعرفوا الذين يتعبون بينهم. ومن الأقوال الآتية نرى أنه قد وُجِد بين القديسين في تسالونيكي من يتعبون في تدبير شؤونهم في حالة عدم وجود شيوخ. يقول الرسول "ثم نسألكم أيها الأخوة أن تعرفوا الذين يتعبون بينكم ويدبرونكم في الرب وينذرونكم وأن تعتبروهم كثيراً جداً في المحبة من أجل عملهم" (1 تس 5: 12، 13) فحصولنا على من يدبروننا في الرب لا يستدعي وجود شيوخ، أي أننا نستطيع أن نحصل على هؤلاء المدبرين في حالة عدم وجود شيوخ معينين قانونياً ولنا في العددين اللذين اقتبسناهما من (1 تس) ملاحظة يجب أن نلفت إليها، إذ أنه لا يوجد بيننا شيوخ كما لم يكن بين التسالونيكيين في زمانهم. وينبغي أن نضع في قلوبنا ما في تلك الملاحظة من نصائح: لا يخفى أن بيننا وحوالينا عدد غير قليل من الذين يعتقدون، لسوء التعليم الذي وصل إليهم، أنه ما لم تتوفر في التعيين المراسيم المعتادة فلا يمكنهم الحصول على من يدبرونهم في الرب – وهو اعتقاد فاسد. لقد كان الرسول، أو النائب الرسولي، عندما يعين أحد الأشخاص بصفة رسمية لخدمة التدبير، يعطي للكنيسة التي يعيَّن فيها ذلك الشخص ضمانة قاطعة بأهلية هذا المدبر – وبذلك لم تكن الأهمية المعطاة لأولئك الشيوخ الرسميين قليلة. واعتماد الرسول أو نائبه لمثل هؤلاء الأشخاص كان له قيمة عظيمة في الكنيسة ونتائج خطيرة بين المتمردين. على أن الله عرف (سبحانه وتعالى) كيف يعد تعليمات خاصة للجماعات التي لا توجد فيها مناظرة رسمية. ويا لغني رحمته التي أعدت هذه التعليمات للأوقات التي لا يوجد فيها شيوخ نظراً لعدم وجود رسل! ولكن لنلاحظ أن كنيسة كورنثوس كانت غنية بالمواهب في حين لم يوجد بينها شيوخ. ثم أن التسالونيكيين لا يظهر عليهم أنهم حصلوا، نظير إخوة كورنثوس، على قوات ظاهرة مختلفة في حين لم ترد كلمة واحدة في رسالتي بولس لهم يستفاد منها أنه وُجِد بينهم شيوخ أو أساقفة. ومع ذلك فقد كان في كورنثوس بيت استفانوس الذين خصصوا أنفسهم لخدمة القديسين. والرسول يطلب من الأخوة في كورنثوس أن يخضعوا لمثل هؤلاء ولكل من يعمل ويتعب كما يطلب أيضاً من التسالونيكيين أن يعرفوا الذين يتعبون بينهم ويدبرونهم في الرب وينذرونهم. وواضح أن قيام أولئك الأشخاص بعمل التدبير أو الإنذار لم يتوقف على كونهم تعينوا بواسطة الرسل رسمياً، الأمر الذي لم يكن مستطاعاً بالنسبة لحداثة عهدهم في الإيمان كما أسلفنا القول. لا شك أنه لو تُرِكت الفرصة للمسيحي ليوازن بين القوات الروحية الحقيقية وبين الخدمة الخارجية لما تردد لحظة في أيهما يختار. نعم إن الحصول على القوة الروحية مضافاً إليها التعيين الرسمي يكون حسناً جداً فيما لو شاء الرب أن يمنحهما معاً. على أننا نرى في تلك الأيام الأولى أن بعض الأفراد كانوا يباشرون بالصواب خدمة الرب (أي خدمة التدبير التي نتكلم عنها) قبل حصولهم على موافقة الرسول (أي عملية وضع اليد). ونجد أيضاً أن الرسول يشجع نظير هؤلاء ويسلمهم بحرارة لمحبة واعتبار القديسين قبل موافقته عليهم بل بالأحرى بدون الحصول على تلك الموافقة. وكم هو ثمين لنا لو أننا رجعنا إلى ذلك المبدأ وتصرفنا بمقتضاه.
وحتى في وسط قديسي كورنثوس وتسالونيكي برز بعض الأشخاص الذين أظهروا مقدرة روحية في إرشاد وتدبير أولئك القديسين وهذه هي خدمة الأشخاص الذين ذكر عنهم بوجوب خضوع المؤمنين لهم (1 كو 16)، وفي تسالونيكي أن يقدروا من "يدبرونهم في الرب" (1 تس 5). ومثل هؤلاء الأشخاص لم يتعبوا فقط – لأنه قد يوجد بعض الأفراد المشغولين في عمل الرب ولكنهم ليسوا مدبرين في الرب – بل أظهروا قوة لمواجهة الصعاب في الكنيسة، وللقضاء على كل ما من شأنه أن ينتقص النفوس، ولكي يرشدوا ويشجعوا الضعفاء، ويفسدوا على العدو جهوده ومساعيه. فلم يخافوا أن يثقوا بالرب في أوقات التجربة والخطر ولذلك استخدمهم مانحاً إياهم قوة التمييز وشجاعة ليتصرفوا في ما قد لاحظوه. وقوة التمييز كانت إحدى المؤهلات التي أهلتهم لخدمة التدبير في الرب. وقد وُجِد أمثال هؤلاء في تسالونيكي كما في كورنثوس أيضاً. ومع ذلك فلا نجد أدنى إشارة، في الرسائل لهاتين الكنيستين، إلى أن أولئك الأشخاص قد تعينوا رسمياً كشيوخ بل على العكس نرى فيها دليلاً قوياً على عدم تعيين شيوخ في هاتين الكنيستين. وقد كانت العادة التي اتبعها الرسل في تعيين الشيوخ (كما قلنا سابقاً) هي أنه لا بد من مرور زمان كافي للكنائس حتى يبرز بينهم من لهم مؤهلات الشيوخ. وما كان الرسل يعينون إلا عند جولاتهم على الكنائس أو في حالة إرسال نائب رسولي من قبلهم ينتخب الأشخاص اللائقين ومن ثم يقلدهم هذه المهمة أمام الكنيسة التي لم يكن لأحد سوى المتمردين أن يعارض في إقامة أولئك الأشخاص.
- عدد الزيارات: 2618