السجود الحقيقي
ولست أرمي في كلامي إلى دخول بعض الأشخاص المرائين خلسة بين الساجدين الحقيقيين – إذ لا شك أن أمثال هؤلاء قد يدخلون خلسة في أي مكان. لكن النقطة الرئيسية التي أشدد فيها هي غلطة وخطية إدخال العالم في السجود الإلهي عن طريق مبدأ فاسد أصبحنا لا نرى أعم منه في يومنا الحاضر ولا أحبّ منه في نظر الكثيرين – على انه واضح أن مثل هذا السجود المختلط بالعالم ليس هو سجوداً مسيحياً ولو أن له صفة المسيحية، وقد نرى الكثيرين يقبلونه ويبررون قبوله باعتباره سجوداً مسيحياً. وها نحن نرى أن رب هذا السجود الباطل قد أصبح موسوماً بأنه ثمرة روح جافة انتقادية خالية من المحبة، بدلاً من أن يراه المنتقدون – كما هو في صورته الصحيحة – رغبة القلب البسيط في تنفيذ مشيئة النعمة: أي أنه لا بد من الحصول على حياة بالروح، إذ لا أقل من أن تكون الحياة الإلهية وقوة الروح القدس عاملين في الساجد.
ثم أنه لا ينبغي أن يكون تمييزنا لمكان وجود السجود المسيحي أمراً صعباً – ولو أنه من السهل أن يعرف الواحد المكان الذي لا يوجد فيه هذا السجود الصحيح، إذ كيف يتسنى وجوده حيث لا يتوفق الاعتراف بجماعة الأمناء المنفصلين عن العالم؟ وحيث لا يُرَحب بالروح القدس ليعمل حسب الترتيب المدون في الكتاب المقدس؟ وحيث يستطيع أي شخص أن يكون عضواً؟ وحيث نرى المعروفين بأنهم غير مؤمنين يشتركون أو يقودون أكثر الخدمات خطورة؟ والنتيجة الثابتة هي أنك ما دمت لا تقوى على رفع العالم إلى مستوى الإيمان فإن المؤمنين الذين يختلطون بالعالم اختلاطاً دقيقاً لدرجة يصعب معها التفريق بينهم وبين غير المؤمنين ينزلون إلى مستوى العالم. ولذلك ها قد رأينا بأعيننا كيف أن العمارات الجميلة، والمراسيم الخداعة والموسيقى التي تستفذ الإنسان، والأناشيد الخيالية تدخل تدريجياً حيث لا تُعرَف ماهية السجود أو حيث ننسى ماهيته. ومن ثم فقد احتاجوا عند هذه الحالة إلى نظام تشريعي لأن التوكل على نعمة الله يبدو في عرفهم إقداماً وجرأة.
وفي حالة كهذه قد نرى عباداً مسيحيين – لأنني لا أريد أن أبالغ في انقراضهم تحت هذه النظامات – على أننا مع ذلك لا نجد سجوداً مسيحياً – وهل تشك أيها القارئ فيما أقول! ربما كان الشك الذي يعتريك يُعزى إلى عدم معرفتك بماهية السجود الحقيقي. وقد وصلت الحالة في زماننا الحاضر لدرجة ضاع معها المعنى الحقيقي للسجود من أمام نظر الكثيرين وأصبحت أفكارهم من جهته غامضة وغير ناضجة ومظلمة فكم من الذين يسمّون البناء الذي يجتمعون فيه ليسمعوا المواعظ باسم مكان السجود وحتى عندما يذهبون لسماع المواعظ فإنهم يظنون ويقولون بأنهم متأهبون لغرض السجود؟ أليسوا كثيرين أيها القارئ؟ وألا يقوم هذا دليلاً على أن الفكرة الأصلية للسجود مجهولة عندهم! ولكن لا عجب في ذلك! نعم نحن نرى أن التبشير بالمسيح قد ازداد في هذه الأيام وقد علقنا عليه آمالاً كباراً في إنهاض وربح النفوس ولكن أين ترى نجد إعلاناً كاملاً عن إنجيل نعمة الله؟ نعم أن التبشير بالمسيح هو في الحد ذاته أمر نشكر الله عليه فها هي النفوس تتجدد وعلى قدرة مدى الشهادة الصحيحة العادية تتعلم حقيقة خطاياها والخطر المحدق بها على أنه يعوزنا أن يُنادى بإنجيل الله مناداة صريحة. إنجيل الله كما نراه معلناً في الرسائل، وأن تذاع الأخبار المفرحة ليس فقط لأن عمل المسيح قد أبطل الخطية بل أن المؤمن قد أصبح في حياته الجديدة ونسبة جديدة مع الله، وأنه قد حصل على الروح القدس ختماً وتصديقاً على تلك النسبة. وحيث تُعرَف هذه الحقائق فإن السجود يصبح حينئذ الثمرة المحتومة. البسيطة لهذه المعرفة. وإذ يتحرر القلب بالنعمة فإنه يتوجه لله بالحمد والتسبيح.
- عدد الزيارات: 3029