الانتباه إلى حيل الشيطان
وأحب أن أهمس في آذان الذين قد شغلوا المركز الصحيح بهذا القول: أحذركم من أن بعض المبادئ المغلوطة والتعاليم الفاسدة، والطرق الشريرة، قد تدخل خلسة بينكم إذ نحن نعلم حيل الشيطان. وإنني أذكركم بكل حزم بهذه الحقيقة السامية وهي كما أن روح الله هو روح الحق كذلك هو روح القداسة أيضاً. لذلك عندما تأبى الجماعة أن تنحني لكلمة الله، مفضلة أن ترضى بالسمعة الرديئة عوض أن تحكم عليها من أجل خاطر المسيح، فأول واجب تقوم به هو تقديم الشهادة كاملة، ثم الإنذار الخاص والعلني، ولننتظر بصبر في أناة أمينة وخوف حق حتى تصلح الحال. أما إذا كانت الجماعة ترفض هذه الخطوات، وتفضل بمحض اختيارها راحتها الخاصة وإرادتها الذاتية على كلمة الله، فالانفصال في هذه الحالة ألزم لنا من النظامات الكنسية العادية، لأن أعظم خطية في نظر الله هب أن الذين يعرفون حقه تعالى، ويُظهرون أنهم يتصرفون بمقتضاه – نعم خطية عليهم أن يتركوا ذلك الحق لأي سبب كان. أفلا ينبغي والحالة هذه أن ننفصل عن هؤلاء بخوف ورعدة أمام الله، أكثر من انفصالنا عن اجتماعات أولئك الذين لم يدركوا قيمة اسم الرب لجماعة قديسيه؟
وفي الوقت نفسه إذا وجدنا جماعة مهما كانت صغيرة أو كبيرة، يجتمع أفرادها معاً معتمدين على حضور الروح القدس غلا يجب أن نتسرع في إلصاق تهمة الخطأ بهم، إذ من الواجب أن نتأنى في الحكم على جماعة ما، أكثر من التأني في الحكم على الفرد. ومفروض أن أفكارنا ومشاعرنا يجب أن تتفق بالضرورة مع فكر الله. وإذ ذاك نجد أن انتظار الرب في مثل هذه الظروف أهم وأجدى أمر لدينا. ولكن إذا كانت خطية الجماعة معروفة وواضحة، وقد رفضت جميع الإنذارات، فإنها كلما أرادت أن تأخذ مركز جماعة الله كلما كان بعدها عنه أمراً يُرثى له، وخير لنا وأبقى أن نعدل عن الوجود فيها إذ قد أصبحت في حالة الاعتراف الباطل. وإن كلمة الله ينتظر الحق في قديسيه أفراداً فإنه تعالى ينتظره في جماعته أيضاً – إذ هي المكان الذي ينتظر فيه إعلان صفاته بين الناس وليس فقط بنيان قديسيه، وهو – تبارك اسمه – يحافظ في كل مكان على مجد ابنه العزيز. إنني أسلم بكل الصعوبات الناشئة من نظام الكنيسة الإنكليزية بعد الارتداد البابوي العظيم، ومن انتشار الجماعات المنشقة تبعاً لذلك، ومن المساعي الحديثة المتفرعة. وإنني أحذر كل من يقرأ كتابي هذا ضد فكرة الدفاع عن معتقداتنا الخاصة سواء ورثناها عن آبائنا أو اخترعناها من ذواتنا – فلا ندفع عن أمر ما بحجة أنه حديث ولا حتى لأنه عتيق – سواء كان وليد زمن قريب أم أكل الدهر عليه وشرب. ولنرجع إلى الأساس الذي قد أخطأنا نحن المسيحيين إذ تركناه وابتعدنا عنه، ولنرجع إلى الطريق الذي نعلم أنه حسن وحقيقي لأنه طريق الله، ولنقف على الأساس الإلهي الوحيد الموضوع للكنيسة، غير واثقين في أنفسنا بل متأكدين أننا صائبون وآمنون في استيداع أنفسنا لله ولكلمة نعمته ولذلك نتشجع ونتقوى. وإذا كانت صفة الصعوبات والمخاطر والتجارب التي تحوط بنا تثبت حاجتنا إلى الكتاب المقدس، فسوف نعلم أيضاً كيف ينطبق ما في الكتاب على ظروفنا في جدة نشاطه وقدرته، وبذلك تتشجع نفوسنا في الالتصاق بالله أكثر فأكثر.
وأراني قد أطلت الكلام في "الجماعة" لدرجة لا أستطيع معها التوسع في موضوع الخدمة، ولذلك سأختصر فيه لاسيما وأنه سيعرض لنا فيما بعد موضوع المواهب والوظائف. وسأذكر بعض الملاحظات البسيطة عن الخدمة قبل ختام هذه المحاضرة.
رأينا فيما سبق أن الكنيسة صادرة من المسيح المقام الممجد – صادرة بواسطة الروح القدس المُرسَل من السماء ليربط الجماعة ويؤسسها على الأرض. ورأينا أن هذه هي الجماعة الوحيدة التي يوافق الله عليها، والني على كل عضو فيها أن يوافق عليها كذلك إلى أن يأخذها الرب من هذا العالم. وفي الفصل الموضوع في رأس هذه المحاضرة نجد أقوال وحركات الروح القدس في الجماعة. وأريد أن أذكر هنا بعض المبادئ العامة فأقول أول كل شيء: كما أن الكنيسة إلهية كذلك الخدمة إلهية أيضاً – إذ هي لا تصدر من المؤمن ولا من الكنيسة بل من المسيح بقوة الروح القدس.
وهذتا يفتح الباب في الحل: فالرب هو الذي يدعو، وليس الكنيسة، وهو الذي يرسل وليس القديسون، وهو أيضاً الذي يراقب وليس الجماعة – وكلامي هنا يدور حول خدمة الكل حول خدمة الكلمة. على أن هناك بعض خدمات يجوز للكنيسة أن تنتخب من يقوم بها: فمثلاً يجوز للجماعة أن ترشح الأشخاص الذين تظنهم نافعين في ملاحظة المصاريف، وتوزيع الإحسان. فلها أن تنتخب بحسب حكمتها الصائبة من يقوم بهذه الخدمة، والرب يوافق على هذا الاختيار. وهكذا حصل قديماً كما نقرأ في (أع 6) حيث قيل أن الجمهور انتخب والرسل وضعوا الأيادي على الذين انتُخِبوا ليخدموا الموائد. كما حصل أيضاً في كورنثوس. حيث انتخبت الكنائس (2 كو 8: 19) بعض الأخوة كمندوبين عنها، وكما حصل أيضاً مع كنيسة فيلبي إذ انتخب أبفرودتس ليكون رسولها وخادم حاجة بولس (في 2).
ولكننا لن نجد انتخاباً من هذا القبيل فيما يختص بخدمة الكلمة. كلا! بل على العكس نرى أن الرب تطلع مرة إلى شعبه الخائر المشتت فأشفق عليهم وأمر تلاميذه أن يطلبوا من رب الحصاد أن يرسل فعلة لحصاده (مت 11) والإصحاح الثاني عشر من هذا الإنجيل (مت 12) يرينا السيد له المجد كرب الحصاد، الذي بمقتضى هذا اللقب يرسل تلاميذه بنفسه. وبعد ذلك نراه يعدهم للخدمة المسيحية حينما كان عازماً أن يتركهم. وهكذا نرى في (مت 25) (حيث يذكر الرب مثل الإنسان المسافر إلى كورة بعيدة) نفس هذا الحق، فنرى الرب يوزع المواهب لخدامه. وهذا يجعل الأمر حاسماً فعلاً: لأن الفرق بين الذي تعترف به كلمة الله وبين الذي نراه في أيامنا الحاضرة هو أن خدمة الكلمة، سواء في دعوتها أم في ممارستها، هي – بحسب كلمة الله – إلهية محضة بخلاف ما حل مكانها بين المسيحيين في يومنا هذا. فنحن نراها وإذا بالكرامة اللائقة بها قد ضاعت – ولاسيما ذلك الاستقلال المقدس عن الإنسان، الأمر الجوهري لممارستها وفوق الكل لمجد الرب نفسه. إن إرسال المبشرين بواسطة الناس هو سلب لحق الرب وخسارة فادحة لخدامه الذين يخضعون لهذه الإرسالية.
- عدد الزيارات: 2660