العضو في الكنيسة
والنقطة الرئيسية التي أتشدد فيها هي هذه: أن الكتاب المقدس يعلمنا أن من يصبح عضواً في كنيسة الله هو عضو في تلك الكنيسة في أي مكان، وكل ما في الأمر أنه يمكنه أن يحمل رسائل توصية للجماعة التي يجيء إليها، لأن كنيسة الله في كل العالم هي هي بعينها. فهل يجوز لنا أيها القارئ العزيز، كجماعة الله، أن نقبل أي أمر نظامي يختلف عن الحكم الكتابي؟ هل ينبغي لنا أن نسمح لمبدأ آخر يناقض المبادئ الكتابية حتى ندير به عبادتنا الجمهورية؟ وافرض أننا عملنا هذا فهل نكون فيه خاضعين لكلمة الله؟ قد تخبرني عن المعرقلات الموجودة الآن، وعن صعوبات كثيرة تصدمك في الطريق، وأنا أسلّم معك فيما تقول، فقط علينا – في مثل هذه الظروف وفي غيرها – أن نتمسك بهذا الحق السامي وهي أن مشيئة الله يجب أن تسمو على جميع الاعتبارات الأخرى. وإذا ما رأينا أنفسنا مصادقين على ما يضاد الكتاب المقدس فليكن همنا حينئذ منصرفاً إلى الكف عن فعل الشر وتعلّم فعل الخير.
وليس من واجبنا (وحاشا لنا ذلك!) أن نؤلف كنيسة جديدة بل مسئوليتنا أن نلتصق بتلك الكنيسة الواحدة الحقيقية، القديمة العهد، جماعة الله كما يصورها لنا الكتاب المقدس. أو ألست قانعاً أيها القارئ بكنيسة الله؟ وإلا فكنيسة من تقنعك؟ وأي الكنيستين تفضل؟
قد تحتج أيها القارئ – أو يحتج غيرك – بأن الأزمنة والظروف التي نجوز خلالها تختلف كل الاختلاف عن سابقاتها، ولذلك تسأل بنغمة الفائز المنتصر وتقول: هل اثنان أو ثلاثة من المسيحيين – يجتمعون في أي مكان يكوِّنون جماعة الله؟ وجوابنا هو أنه لا شك في وجود تغيير محزن. ولكن السؤال الصحيح هو: هل مشيئة الله بخصوص جماعته قد تغيرت؟ وأيهما أصوب وأجدى أن أقبل التغيير الذي أحدثه الإنسان أو أن أقصد توا إلى مشيئة الله حتى لو لم يكن سوى اثنين أو ثلاثة يجتمعون خضوعاً لكلمته تعالى؟ وإذا كنت اجتمع معهم باسم الرب كأعضاء جسده، وكلنا نعتمد على الله في أن يعمل بكلمته وبواسطة الروح القدسن أفليس ربنا يسوع في وسطنا. وكم تكون لنفوسنا من تعزية وفيرة في وجوده وسطنا! ولو أنني سأتبسط في إثبات أن هذا هو ما أعده لنا الرب في الأيام الأخيرة، إلا إنني أريد أن أقول أن حرية عمل الروح بين أعضاء المسيح المجتمعين هي المبدأ الوحيد لجماعة الله، وقد تدون لها في كلمته الكريمة. وليس شيء آخر غير الكتاب يستطيع أن يوافق عليه تعالى سواء كنت أتصرف بمقتضاه أم لا. وطوبى لي إذا كنت أعمل على أن أكون أميناً للرب من هذه الناحية مهما كان حزني لسبب حالة الكنيسة. أما إذا لم أتمم هذا الغرض الشريف فمن واجبي على الأقل أن أعترف بعدم أمانتي. وكلمة الله لا تدع مجالاً للريب في ما هو فكره تعالى – لعدم التغيير – بخصوص جماعته، والروح القدس قد جاء ليقود جماعة الله إلى الأبد. والشيء الذي يعوزنا هو روح الندامة والإيمان. لا شك أن في الطريق معطلات وأموراً معقدة، وعليّ أن أدفع ثمناً غالياً في هذا العالم الشرير في طريق الطاعة للرب يسوع. ولكن هل أنا ليسوع؟ وهل تراني أُقدِّر محبته حق قدرها؟ هل هو عندي أعز من أي شيء في هذا العالم؟ وهل نيره حمل عليّ ثقيل؟ وهل مشيئته حلوة عند نفسي؟ حينئذ أقول: توجد طريق واحدة. وعبثاً نرفع عقيرتنا معترفين باستعدادنا لأن نذهب مع الرب إلى السجن أو الموت، إذ هو لا يطلب منا ذلك، بل الذي يطلبه من كل مسيحي، هو: هل أنت مخلص لمجدي الخاص في جماعة الله؟ وليست المسألة مسألة تسابق في نظامات تختص بها بلاد دون أخرى، وقواد دون غيرهم، ولا مسألة مدرسة خاصة للحقائق، أو خطة خاصة للتأديب الكنسي والسياسة التدبيرية: فهل عاداتي القديمة، أو التقليد – وهل لذتي في هذه الحياة، تمنعني من الأمانة لما أظهره لنا الله بأنه مشيئته تعالى لجماعته.
فإذا عرفت أيها القارئ مشيئة الرب فلا تتردد يوماً واحداً، ولا تنتظر حتى يتضح لك كل شيء. واعلم أنه من عدم الإيمان إذا كان الله يدعو واحداً ليخرج فيقول له: أرني أولاً الأرض التي ستأخذني إليها. فانزع أيها القارئ كل ما تعرف أنه خطأ، ولا تخط في الطريق التي بلا شك تعاكس كلمة الله، واعلم أن "من له يعطى" فهل رفضت ما تعلم أنه لا يتفق مع تلك الكلمة، بل بالحري يقاومها؟ وانظر "ألا تتعلق إلا بالكلمة". ولكن دعني أسألك: أين كنت قبلاً؟ هل كنت في مكان استطعت أن تقول عنه كمسيحي، لقد شغلت مركزي في جماعة الله، وهل اجتمع معك سائر أعضاء الجسد الواحد، واعتمدتم على الروح القدس ليرشدكم معطين الفرصة لكل من أخذ موهبة ليخدم بها بعضكم بعضاً كوكلاء صالحين على نعمة الله المتنوعة؟ أو أنك اشتركت مع جماعة لم تراع السر بموجب التعاليم الكتابية؟ إذا كنت قد اشتركت مع هذه الجماعة الأخيرة فإننا نرجو الرب أن ينير بصيرتك لترى أنك لست في مشهد إرادته ومجده في الجماعة. ولست أقصد أنك غريب من نعمة المسيح، وخارج دائرة عمل الروح القدس – حاشا لي أن أقصد ذلك!! فإنني أعتقد أن الرب يبارك بعض الأفراد ليس فقط الذين بين الجماعة البروتستانتية، بل الذين هم خارجها أيضاً. وهل تحسبها أيها القارئ قسوة مني في هذا الكلام؟ إنني أعتقد أن الروح القدس يعمل حيثما يرى المجال مناسباً لاستعمال اسم المسيح لخير المؤمن وغير المؤمن. ولست ممن يشكون لحظة في أن الله يستخدم كلمته لتغيير وتعزية النفوس التي بين الروم الكاثوليك لا بل بين كهنتهم ورهبانهم وراهباتهم أيضاً. ولو أن النور قد يصل إلى أمثال هؤلاء على قياس ناقص – لأن المقاومة للحق موجودة عندهم بكل تأكيد بدرجة قصوى. ومع ذلك فقد عمل الله فيما بينهم حتى أيامنا الحاضرة – لا بل في الماضي – بدرجة كبيرة واضحة.
واكتفاء بما أوردناه نقول أن المسألة هنا ليست مسألة استطاعة روح الله في أن يجعل للحق أثره في طائفة دون أخرى، بل الأمر الرئيسي الذي أمام نفوسنا الآن هو: هل نحن ممجدون المسيح بحسب كلمة الله؟ وهل نحن خاضعون للرب في جماعته؟ ومنفذون مشيئته على مبلغ إدراكنا إياها؟ آه أيها القارئ. فلقد نخيب في هذه الخطوات – لا بل بكل تأكيد نحن نخيب!! قد ترى (إذا اجتمعت على المبدأ الصحيح) بعضاً يعتريهم القلق، والبعض لا يعمل ما يجب عليه: فتسمع أفراداً يتكلمون، وكان خيراً لهم أن يصمتوا، وتلاحظ أفراداً صامتين، وكنت تغتبط لو سمعتهم يتكلمون – إذ قد يكونون في هذا مستسلمين لشعور غير صحيح بالمسئولية، يخافون الانتقاد، وأمامهم أمور كثيرة تعوقهم عن التكلم بما يجول في قلوبهم – كل هذا محتمل حدوثه وليس من ينكر إمكانية أو حقيقة الفشل والسقوط. ولكن كيف يؤثر هذا كله على حق الله فيضعفه بأي حال من الأحوال، وكيف يؤثر على مسئولية أولاد الله فيقلل من قيمتها؟
وها أنا أورد مثالاً يسهل فهمه على أي مؤمن: لا شك أن الروح القدس يسكن فيك أيها القارئ – إذا كنت مسيحياً – فهل يا ترى أنت تتصرف دائماً بالروح؟ الجواب لا! ألا يبقى الروح ساكناً فيك إلى الأبد؟ بكل تأكيد هو يبقى ساكناً. إذا أنت دائماً هيكل الله، وما دمت عضواً للمسيح فأنت على الدوام هيكل لله. ومع ذلك فقد تُحزِن الروح القدس أحياناً، غير أن خطيتك هذه لا تنفي عنك مسئوليتك فهي على عاتقك أبداً. هذا مثال ينطبق تماماً على الكنيسة.
لتجتمع الجماعة معاً ولنفترض أن أفرادها مؤمنون، وقد قبلوا الروح القدس، وهم فعلاً ينتظرون إرشاده لهم كجماعة، وأقول "كجماعة" لأنني لست أفترض أن كل فرد منهم يفهم الحق المختص بروح الله، إذ قد يوجد بعض منهم يجهلون هذا الحق، وهو أمر مخجل لهم، ونحن طالما شاهدنا حالات من هذا القبيل. وقد يكون بين الجماعة بعض من القديسين الذين تأثروا بالمشاعر الروحية فاشتركوا معها وكانوا قد نشأوا بين الطوائف المنشقة أو الأسقفية، ولكنهم استمروا مع الجماعة مع قلة تقدمهم في المعرفة، ومثل هؤلاء عرضة لأن يُظهروا آثار ذلك النظام الذي نشأوا فيه روحياً. ولست في حاجة لأن أقول أن اختباراتهم لا تساعدهم ليكونوا دائماً في حالة الخضوع لإرشاد الروح. على أن هذه الظاهرة ليست مقصورة على أمثال هؤلاء القديسين وحدهم، إذ نحن نعلم الضعف الذي قد يوجد بين أولئك الذين تعودوا الحق منذ الصغر – لأن وجودهم حيث هم لا يكلفهم كثيراً، على أنهم لا يشعرون مطلقاً بخراب المسيحية. وأنا أفترض أنهم مؤمنون، فقط هم قد وصلوا إلى معرفة حقيقة مركز الكنيسة بواسطة تعليم والديهم في حين أنهم لا يفهمون ما يسمعون ولذلك يكونون حينئذ عرضة لأن يسلموا جدلاً، وبدون اعتقاد إلهي، بأن كل ما يقوله آباؤهم صحيح وصواب. وكم يجدر أن يكون لجميع الذين يجتمعون على المبدأ الصحيح إدراك فعلي لحقيقة الروح القدس في الجماعة.
ومع تسليمنا بهذه المعطلات، وكثير غيرها، فإن هناك حقاً عظيماً راسخ القدم وهو: كما أن سكنى الروح القدس في المسيحيين أفراداً أمر مؤكد كذلك سكناه في الجماعة التي هي كنيسة الله حقيقة لا ريب فيها. والذي يجب علينا مراعاته – سواء كأفراد أم كجماعات. هو أن نكون خاضعين للروح القدس ليقودنا إلى مجد المسيح. لذلك فابحث وانظر أيها القارئ ما هي رغائبك من هذه الناحية. هل ترغب في أن تكون خاضعاً للرب ولكلمته؟ وهل تظن أن هناك امتحاناً موضوعاً لي كمسيحي، أو برهاناً أعظم على إخلاصي لسيدي، أكثر من خضوعي له في هذه الطريق. وإذا كنت من جماعة الله أفلا ينبغي عليّ أن أرفض كل ما لا يتفق مع الأقوال الكتابية وترتيبات تلك الجماعة.
- عدد الزيارات: 2850