الخدمة الحقة
ولكن ما هي نتيجة ممارسة الخدمة بحسب كلمة الله؟ هي تحرر كامل لكل ما أعطاه الله لأجل خير النفوس وبركتها. ولذلك نجد أن التعليم الجامع المدون في الرسائل يؤيد كل التأييد التاريخ المسجل في سفر أعمال الرسل. وسأشير إلى ما ورد فيهما بكل اختصار.
وسبق أن رأينا في (1 كو 12 - 14) أنه من الأمور الضرورية للكنيسة كجماعة الله، كما أنه غاية حضور الروح القدس فيها، أن تكون له الحرية الكاملة ليستخدم من يشاء لمجد الرب ولبركة المخدومين. والوصية التي يوصينا بها الرسول بطرس في (1 بط 4)، والتحذير الذي يحذرنا به يعقوب في (يع 3: 1) كلاهما يفترض هذه الحرية وإمكانية سوء استخدامها.
وإذ قلنا بعض الكلمات فيما يخص "الذين من داخل" فأحب أن أقول كلمة فيما يتعلق "بالذين من خارج" ومشيئة الرب من جهة هؤلاء واضحة لا لبس فيها. نقرأ في (أع 8) عن الاضطهاد الذي وقع على الكنيسة ومن جرائه تشتت الجميع (ما عدا الرسل) وجالوا مبشرين بالكلمة في كل مكان. ولست أسمي هذا العمل خدمة رسمية بالضرورة، إذ بالطبع كان بعض منهم خداماً للكلمة والبعض الآخر لم يكن ومع ذلك كان الجميع يجولون مبشرين. وهذا يُثبت أن الرب يوافق على ذهاب كل مسيحي في طريق إذاعة الأخبار المفرحة (قارن أع 11: 19 - 21).
وإن كنت قد أشرت إلى مفتتح (أع 8) غير أنني أريد أن أدخل إلى بعض تفاصيله: وفيه نجد فيلبس يبشر بكل حرية. وقد يقول البعض بأن فيلبس كان منتخباً من الكنيسة، على أنه لم يكن منتخباً لخدمة الكلمة بل على العكس قد انتُخِب ليترك الرسل لخدمة الكلمة ولا يرتبكون بخدمة الموائد. وواضح أنه رغبة في إراحة الرسل من العمل العالمي (أي خدمة الموائد) اختار الجمهور السبعة الرجال المذكورين في (أع 6) الذين أُقيموا لذلك العمل الذي هو أقل قيمة من خدمة الكلمة. ودعوة الكنيسة لهؤلاء كانت لغرض هذه الخدمة فقط. أما في حادثة فيلبس فالرب هو الذي كان قد دعاه ليكرز بالإنجيل وكان الرب يبارك الكلمة التي وصلت إلى السامرة وما وراءها (أع 21: 8).
وفي (أع 9) نرى إنساناً في طريقه إلى دمشق بسلطان من رئيس الكهنة ليضطهد المسيحيين اليهود. وهذه هي الوصية الوحيدة التي أخذها بولس من يد الإنسان – أخذ سلطاناً لا ليكرز بالإنجيل بل يبيده لو استطاع إلى ذلك سبيلاً. أما الرب ففي ملء نعمته السامية لم يغير فقط شاول الطرسوسي بل أرسله من أمام وجهه مبشراً ورسولاً ومعلماً للأمم بالإيمان والحق. وهكذا أصبح بولس الرمز الدائم للخدمة المسيحية، فلقد أعطى مثالاً حياً على القول "نحن أيضاً نؤمن ولذلك نتكلم أيضاً" (2 كو 1: 13).
وبعد ذلك نرى الرب يُدخِل في العمل بعضاً من رجاله لاسيما أبلوس الذي مع أنه كان "إنساناً فصيحاً ومقتدراً في الكتب" ولكنه كان في بادئ الأمر يجهل كل شيء ولا يعرف أكثر من معمودية يوحنا (أي الشهادة التي كانت تؤدي للمسيح وهو على الأرض) ومع جهله هذا بالكنيسة وحق المسيحية الكامل إلا أنه كان مؤمناً. لا شك أنه كانت توجد نفوس مخلَّصة قبل مجيء المسيح، ومن الجهالة بمكان أن نرى صعوبة في مثل هذا الفكر. ومع أن أبلوس قبل بالروح القدس الشهادة للرب غير أنه لم يعرف ماهية عمل المسيح الذي علمه إياه رجل صالح مع امرأته وقد ساعداه على تفهم الكتب فأصبح أكثر اقتداراً في الحق من قبل، ولكن لا توجد أية إشارة إلى تعيينه رسمياً قبل القيام بالتبشير. ومع ذلك نرى الرسول بولس يكتب عن أبلوس بمزيد الاحترام ذاكراً اسمه بالاقتران به وببطرس كما جاء في (1 كو 3: 22) ثم نجد أيضاً أن الرسول يكتب للكورنثيين في نهاية الرسالة الأولى ذاكراً لهم أنه كان قد طلب إلى أبلوس أن يأتي إليهم "ولم تكن له إرادة البتة أن يأتي الآن" أفلا يدلنا هذا على حالة تختلف عما يحلم به الناس من سلطان رسولي، وعما يجري في زماننا أيضاً؟ وكل الذي يوضحه هذا المثال إنما هو الطريقة التي حافظ الرب بها على سلطانه. ها هو رسول ملهم يقدم نصيحة لأبلوس ولكن أبلوس لم يسمع لذلك النصح. وقد سجل الرسول هذه الحادثة بدون إيقاع الملامة على أبلوس وفي الواقع أن الكتاب لم يذكر أيهما كان مصيباً في عمله وربما يكون رسولنا العظيم هو المصيب ولكن الوحي لم يذكر لنا شيئاً عن هذه النقطة. وفي أي حادثة ما يخبرنا التاريخ بهذا الحق السامي وهو أن الرب لا زال هو السيد المطلق والمتسلط الحر على خدامه. يريد الإنسان أن يسن قوانين أما الرب، الذي نحن تحت التزام أن نطيعه أكثر من الجميع، فإنه يدرب قلوب خدامه ويعطيهم في هذه الكلمة مبدأ يسيرون عليه كل الطريق. وهل هذا ينطبق عليك وعليّ أيها القارئ؟ وهل أنت خادم للرب، وللرب وحده؟ أم نحن خدام طائفة خاصة؟ إذا لم نكن سوى خدام للأسقفيين أو المنشقين فلا شأن لي بكم. أما إذا كنا حقيقة خدام المسيح فلنحترس متذكرين أنه "لا يستطيع أحد أن يخدم سيدين" فإذا كنا نسعى لأن نخدم المسيح والطائفة التي نحن فيها فأياً نلازم وأياً نترك. المسيح أم الطائفة؟
- عدد الزيارات: 2608