Skip to main content

المسيحي قديس

إذ ما هي حقيقة كنيسة الله؟ إن كنيسة الله هي جسد المسيح بعد أن أكمل الفداء الذي كانت نتيجته أن الخطية قد أبطلت تماماً ونزعت بطريقة مجدت الله وبررت المؤمن. وعلى هذا الأساس قد صار المؤمنون – ليس فقط مولودين من الماء والروح، ومبررين من خطاياهم بدم المسيح بل متحدين به كرأسهم المبارك الجالس عن يمين الله. فكنيسة الله ليست مكونة إذن من مجرد مفديين أو قديسين، لأن كلمة "مسيحي" تسمو في معناها عن كلمة "قديس". إنني أعلم أن كثيرين يظنون أن كلمة "مسيحي" تعني أقل مما تعنيه كلمة "قديس" وربما يعتبرون تعليمنا هذا غريباً لأنهم يعتقدون أن كل من حمل اسم المسيح فهو مسيحي. وأن القديسين على الأرض قليلون جداً – لا بل وربما لا يوجد (حسب فكرهم) قديسون إلا عندما يصلون إلى السماء. أما من جهتي فهو أمر في غاية الوضوح – ولا شيء أكثر منه ثبوتاً ويقينية – أن المسيحي قديس. بل وأكثر من قديس، وذلك على أساس ما قد صنعه الله من الفداء بدم المسيح. فهو قديس متحد بالمسيح عن يمين الله. ومسكن الله بالروح لأن الله قد استطاع حينئذ أن يسكن فيه – إذ أنه بعد أن تم العمل الكفاري. وسفك الدم ورش. استطاع الله أن يسكن هناك – وفعلاً تم ذلك. وإن قال قائل: كيف أعلم ذلك؟ فالجواب هو أن الله قد أخبرنا به في كلمته. قد يتمتع البعض بالأسف تمتعاً ضئيلاً بهذه الحقيقة – وهذا أمر آخر – غير أن التمتع بالحق يتوقف على مبلغ استناد نفوسنا عليه بالإيمان. ومع ذلك فإذا لم نحكم على الجسد، الذي يعوق إدراك هذا الحق والتأكد منه، فلا نستطيع أن نتمتع به وقتاً طويلاً وبدرجة سامية.

وقد بين الله في كلمته أن الكنيسة هي عبارة عن اتحاد المؤمنين وصيرورتهم واحداً مع المسيح – بالروح القدس – بعد أن مات وقام وارتفع إلى السموات. والنتيجة هي أنه ينبغي لنا أن نفكر في ما يتطلبه الله من أعضاء ذلك الجسد ما دمنا نرغب في معرفة كيفية سلوكنا، وعبادتنا، وخدمتنا وشعورنا نحو سائر أعضاء المسيح، وكيف نتصرف في "بيت الله".

والعهد الجديد مشحون بهذه المواضيع وعلى الأخص رسائل بولس. لأنه لم يمكن أن تتكلم الأناجيل عنها بصفة رسمية واضحة، إذ هي (أي الأناجيل) قد تخصصت في معظمها للكلام عن مسيح حي، وختمت بحقائق موته وقيامته وصعوده. وقد نجد فيها استعدادات العمل الجديد، والشهادة العتيدة (بدون أية إشارة لما كان مزمعاً أن يتم) ولكن جميعها تظهر أن بناء الكنيسة لم يبدأ فيه إذ ذاك. أما في الرسائل فنجد إعلانات مؤسسة كلها على ذلك الحق السامي وهو أن البناء يأخذ مجراه والجسد يتكون الآن. لاحظوا نقطة أخرى (أرجو أن أفيض فيها في الخطاب الثاني) وهي أن حق جسد المسيح يرتبط به حق آخر وهو حضور الروح القدس الذي نزل من السماء. وإنني أشير هنا إلى هذه الحقيقة لأظهر العلاقة الكائنة بينها وبين سابقتها. أي حقيقة الجسد الواحد على أننا سنرى خطورتها فيما بعد. والذين لم يتصفحوا جيداً شهادة الكتاب المقدس يشعرون بأهمية وقيمة التعليم الذي يلقيه علينا حينما يبسط لهم هذا الموضوع بأكثر وضوح. وهناك أيضاً حق بسيط آخر وهو مع أن الكنيسة شيء جديد، منفصل كل الانفصال عن كل ما صنعه الله قديماً، غير أنه توجد لدى الله مبادئ أدبية سامية ثابتة يعمل الله تعالى بمقتضاها سواء في العهد الجديد أم القديم. ففي كل جزء من أجزاء الكتاب المقدس حيث يتكلم الروح القدس فيها عن أزمنة ما قبل الناموس، وأزمنة الناموس، كما أيضاً عن زمان الإنجيل، نرى أن الله في هذه التدابير المختلفة يظل هو الإله البار، القدوس القدير، الصفات جميعها تضيء بأكثر لمعان في التدبير الحاضر وتثبت إعلان الله، فضلاً عن المعاملات الجديدة وأعمال النعمة التي لم يمكن إعلانها قبل هذا التدبير. ويا له من نور باهر ظهر لناس عندما أضاء المسيح الذي هو النور الحقيقي! أجل – وما أفصح إعلان الله نفسه في شخص المسيح! ويعوزنا الوقت والكلام في الصليب وموت الحبيب وقيامته وتمجيده، كإعلان الله!!

فلا شك إذن أن كل مجد الله الأدبي يقوم في هذا الإنسان الجديد. أفلا يليق إزاء هذه الإعلانات الكاملة، وإزاء إتمام الفداء الأزلي، أن يكون لما يعمله إله وأبو ربنا يسوع صدى في أفكار وقلوب وسلوك أولاد الله؟ إذا دعا الله شخصاً ليكون خادماً أو عبداً له فهناك مسئوليات خاصة متعلقة بذلك الخادم. ولكن لنفرض أن ذلك الخادم انقلب تماماً فصار غير أمين. وانتهى به الحال إلى العصيان ولذلك قال الله: لا أعود استخدم هذا الخادم وأمثاله بل سأخلق عائلة وأتبنى لنفسي أولاداً، وآتي بشعب من الحالة القديمة إلى هذا المركز الجديد حسب مسرتي الفائقة. لنفرض أن هذا حصل، فماذا إذن؟ من الواضح أن هؤلاء البنين إذا رجعوا ليشغلوا مركز العبيد (ولو بكل أمانة) فلا شك أن هذا هو منتهى الضلال بعد أن أصبحت المسألة مسألة بنين وليست مسألة عبيد، وأي ضلال أردأ من ذلك.

وعلى هذا الأساس المغلوط يشترك النصارى مع العالم ويشغلون أنفسهم بالأمور التي ترضي الجسد وتسره وتعطي الإنسان أهمية. أما الله فقد عمل على أساس آخر، فقد أعطى لنا ذلك الحق المجيد القائل بأنه ليس عنده تعالى سوى رجل واحد (إذ قد انتهى آدم الأول وأعلن خرابه ومات ودفن في قبر المسيح). ونحن المسيحيين نخص الإنسان الثاني. الرب من السماء (1 كو 15) وإذا قيل "إنسان واحد جديد" فليس هذا بالمباينة مع الامتيازات القديمة بل هو تعبير عن توحيد قديسي اليهود والأمم جميعها في جسد واحد – هو جسد الإنسان الثاني وعلى هذا الأساس يعلن لنا حق الإنسان الجديد هذا في أفسس 2.

  • عدد الزيارات: 2676