العهد القديم والعهد الجديد
وتأمل معي أيها القارئ في الصعوبات التي يستجمعها الناس من العهد القديم: على أي أساس يا ترى تقوم تلك الصعوبات؟ (أشير هنا إلى الصعوبات النظامية، وما يبدو لدى ذهن المؤمن غير المتعلم نظامياً وذا سطوة بأي شكل من الأشكال) وما جوهر احتجاجهم التي يجعلون محورها تعاليم العهد القديم وتصرف رجاله في ذلك الحين؟
وهل التشابه الذي يزعمونه بين العهد القديم والجديد تشابه صحيح؟ وكيف نجادل ونتماحك في حقيقة وجود هذا "الإنسان الجديد الواحد؟" أو في كون الكنيسة أمراً جديداً لم يسبق له وجود حتى ذلك العهد القديم؟ ومن الواضح أن سلوك قديسي العهد القديم – كداود أو سليمان أو إبراهيم أو إسحق ويعقوب – لا يمكن تطبيقه على قديسي العهد الجديد بل بالأحرى هو لا يتكافأ مع السيرة التي ينتظرها الله من كنيسته. على أنني لا أتكلم هنا عن الظواهر الأدبية التي تحكم على البطل والفساد أو العناد – إذ ليس مفروضاً أن يستند المسيحي إلى خطايا أولئك ليبرر خطيته – بل عما كان صواباً وطبقاً لمشيئة الله المعلنة في ذلك العهد. وحالما يعرف تعليم الكنيسة كجسد المسيح فكل احتجاج وكل صعوبة لا يبقى لهما مكان. نحن نعلم أن الله يرى ابنه الآن في محضره كالإنسان المقام. وقبل أن يكون المسيح هناك كرأس الجسد (ليس كالابن الوحيد، بل كالإنسان المقام من بين الأموات) لم يكن مستطاعاً وجود جسد له. كما أنه لم يستطع أن يكون في محضر الله كإنسان إلا بعد إتمام الفداء. لقد كان له تبارك اسمه منذ القديم لقب ابن الإنسان بالنظر لما كان عتيداً أن يتخذه من الناسوت إذ أن ذاك الذي هو الله وابن الله كان مزمعاً أن يصير إنساناً حقيقياً.
لكن كيف استطاع أن يأخذ هذا المركز في السماء؟ لقد ولد كإنسان على الأرض وقبل أن يولد في العالم لم يكن إنساناً. فكيف يأخذ هذا المركز في السماء؟ فالمسيح لم يكن رأساً حينذاك ومن باب أولى لم يكن الجسد – الذي هو الكنيسة – موجوداً في ذلك الوقت. وحقيقة أن "الكنيسة هي جسده" تفترض ضمناً أن المسيح صار إنساناً بل ورأساً أيضاً كالإنسان المقام المرتفع. على أنه لم يأت بثمر إلا بعد موته كما نتعلم من مثله عن حبة الحنطة الوارد ذكرها في يوحنا 12 ولكننا لا نكتفي بالأمثال لنستند إليها بل ينبغي أن نتصفح الفصول الكتابية التي تنطق بعبارات جلية في تلك الحقيقة وفيها نجد الكثير. فمثلاً: جاء في نهاية الإصحاح الأول من أفسس قول الرسول "ما هي عظمة قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين حسب عمل شدة قوته. الذي عمله في المسيح إذ أقامه من الموات وأجلسه عن يمينه في السماويات فوق كل رياسة وسلطان وقوة وسيادة وكل اسم يسمى ليس في هذا الدهر فقط بل في المستقبل أيضاً. وأخضع كل شيء تحت قدميه وإياه جعل رأساً فوق كل شيء للكنيسة" فالمسيح قد جعل لكنيسته رأساً فوق كل شيء ولكن بعد أن أقيم من الأموات وأجلس عن يمين الله. فالإنسان المقام هو الرأس الموجود في السماء. وحتى كونه رأساً ذلك لم يتم إلا بعد إكمال الفداء وهكذا أخذ المسيح مركزه في السماء.
وترى ماذا كانت النتيجة أيها القارئ العزيز؟ النتيجة هي أن جسد المسيح سماوي كما أن رأس الكنيسة سماوي ولكن الإنسان لا يجد لذة في هذا الكلام – لا بل وكثيرون من المسيحيين يرونه كلاماً عالياً جداً وصعباً. إذ لو كان ذلك الإنسان شخصاً سماوياً فأين مجال مساعيه وخططه ومشاريعه الأدبية والعلمية والسياسية؟ وأين جميع هذه الأمور التي تملك على الناس عقولهم وأميالهم وأشواقهم؟ وهل يليق أن تكون هذه كلها في السماء؟ وهل المشاريع الحربية – وأحلام الملك العالمي – أمور نجدها في السماء؟ قد تسمع أيها القارئ بلا شك عن الحرب ضد إبليس (الذي قد طرد من السماء). كما سيحاربه الرب بواسطة ملائكة قوته فيما بعد، ولكن لا داعي لأن أقول أنه لا مكان في جسد المسيح لكبرياء الإنسان وطمعه وجهوده.
- عدد الزيارات: 3222