"كانت" أم "صارت"؟
إن أول حجة مؤيدة لنظرية الفجوة (وهي إحدى الحجج التي يعتبرها آرثر كوستانس حاسمةً) هي أن الكلمة العبرية (היה) في تكوين 1: 2 يجب أن تترجم "أصبحت" أو "كانت قد صارت", متضمنة بذلك معنى انتقال هائل من الكمال إلى الدينونة و الدمار أو الهلاك.
الرد على هذه الحجة هو أنه بينما يمكن للفعل (היה) أن يترجم غالباً بمعنى "صارت", فإن ترتيب الكلمات وبنية الجملة في تكوين 1:2 (وفي عدد من المقاطع الأخرى) لا يسمح بهكذا ترجمة. إن كانت يجب ترجمتها بـ "صارت", فعندها ينبغي أن نقول أن آدم وحواء "صارا" عريانين (تكوين 2: 25), وأن الحية "صارت" أحيل جميع حيواتات البرية (تكوين 3: 1).
إن ترتيب الكلمات في تكوين 1: 2 (الفاعل ثم الفعل) يستخدم في معظم الأحيان للإشارة إلى إضافة معلومات ظرفية وغياب التطور المتعاقب المتتالي أو المتسلسل تاريخياً, ولذلك ترجم علماءُ السبعينية الفعل بـ "كانت" وليس "صارت". إضافة إلى ذلك, إن الكلمة العبرية (waw) التي تبدأ بها تكوين 2: 1 هي (waw) ظرفية لأنها مرتبطة بالفعل ("الأرض") وليس بالفعل. ومن هنا, يجب ترجمتها على نحوٍ صحيح بـ "الآن", وقد ترجمها علماءُ السبعينية, الذين كانوا شديدي الحرص في تناول الأسفار الموسوية الخمسة, على هذا النحو[189].
هناك إزائيات واضحة للبنية التي في تكوين 1: 2 نجدها في زكريا 3: 1- 3 ("....وَأَرَانِي يَهُوشَعَ.... وَكَانَ يَهُوشَعُ لاَبِساً ثِيَاباً قَذِرَةً....") وفي يونان 3: 3 ("فَقَامَ يُونَانُ وَذَهَبَ إِلَى نِينَوَى .... أَمَّا نِينَوَى فَكَانَتْ مَدِينَةً عَظِيمَةً ...."). من الواضح أن يَهُوشَعَ لم يرتدِ ثياباً قذرة بعد أن رآه زكريا؛ ولم تصبح نينوى مدينة عظيمة بعد أن دخلها يونان. ومن هنا فإن جميع الترجمات المهمة لسفر التكوين 1:2 صحيحة في تجنبها فكرة "صارت"، لأن الآية تصف ببساطة حالة الأرض تواً بعد خلقها. على ضوء فحوى هذا النص وترتيب الكلمات، تنشأ لدينا أمور معقدة لاهوتية في تكوين 1: 2 إذا أصر المرء على فكرة حدوث تغيير أو انتقال بدلالة الفعل "كانت"، يصبح المعنى: "في الوقت الذي قام فيه الله بالخلق، كانت الأرض قد صارت خَرِبَةً وَخَالِيَةً (أي أن هذا قد حدث قبل خلقها)".
الجبال والجليد والثلج:إن السلاسل الجبلية في عالمنا الحالي تختلف بشكلٍ واسع كبير جداً عن تلك التي كانت قبل الطوفان. فبالدرجة الأولى، إنها تبلغ أربعة أضعاف من ارتفاعها آنذاك، وبعضها قد يزيد ارتفاعه على 28000 قدماً فوق سطح البحر. مثل هكذا جبال لا يمكن أبداً أن تكون قد غُمِرت بطوفان كوني؛ فلو سُوِّيَت تضاريس سطح الأرض الحالية، التي يبلغ حجم المياه فيها 300000000 ميلاً مكعبة، بمستوى الأرض فإن هذا الماء سيغطي الأرض حتى ارتفاع 12000 قدماً فقط. بالدرجة الثانية، إنها تحفل بمليارات المستحاثات النباتية والحيوانية التي دفنت بسرعة إلى أعماق كبيرة بسبب المياه الدوامة في الطوفان الكبير. لم تكن الجبال قبل الطوفان تحوي أية مستحاثات، لأن الله كان قد رفعها قبل خلق أي كائنات حية (تكوين 1: 9- 10، 20- 22). ثالثاً، إنها مغطاة بالثلوج والجليد. قبل الطوفان، أحدثت ظلة البخار العظيمة (تكوين 1: 6- 8) تأثيرات دفيئة، محتجزة انعكاس الحرارة الشمسية (كما في كوكب الزهرة اليوم) وتسببت في مناخ دافئ حتى في المناطق القطبية. إن انهيار هذه الظلة السديمية خلال الأسابيع الأولى من الطوفان (تكوين 7: 11- 12) أخذ شكل ثلج وجليد في المناطق الأكثر ارتفاعاً البعيدة عن خط الاستواء، مسبباً أنهاراً جليدية هائلة، والتجمد المفاجئ لفيلة الماموث والمخلوقات الأخرى، واحتجاز كمية كبيرة من الماء على شكل جليد تحول إلى جسور برية من آسيا إلى ألاسكا وأستراليا. هذا "العصر الجليدي" الكثيف ولكن القصير نسبياً، الذي تلا الطوفان، قد عُدِل بشكل كبير في الألفية الأخيرة، مسبباً ارتفاع مستويات المحيط وغرق العديد من وسائل النقل البحرية والجسور. انظر جوزيف سي. ديلو، "المياه فوق" و ج. سي. ويتكمب، "العالم الذي فَنِيَ". |
[189]- تشارلز سمث, في مراجعة لأرثر كوستانس, "خربة وخالية", في عدد سبتمبر 1971, من مجلة فصلية جمعية بحوث الخلق. أشار ف. ف. بروس في مناضلة منشورة على نظرية الفجوة إلى أنه إن كانت تكوين 1: 2 تدل على حادثة لاحقة للخلق في الأية 1, فإننا يجب أن نتوقع أن الأية 2 تحوي (waw) مترابطة منطقياً مع الزمن الناقص.
- عدد الزيارات: 3949