حجج أخرى لنظرية الفجوة
إضافة إلى الحجج الجدلية الأساسية الأربع لنظرية الفجوة التي ناقشناها لتونا، يسمع المرء أحياناً من يزعم بأن العبارة "املؤوا الأرض" في تكوين 1: 28 تدل ضمناً على أن الأرض كانت يوماً مليئة ولكن الآن يجب أن تملأ من جديد (يُعاد ملؤها). ولكن الفعل الوارد في النص العبري يدل ببساطة على المعنى "يملأ"، بدون أي إيحاء بالتكرار. وهذا ما أيده كوستانس ("خربة وخالية"، ص 8).
بعض الكتّاب يزعمون أن الآية في عبرانيين 4: 3 يجب أن تترجم على النحو: "الأَعْمَالِ قَدْ أُكْمِلَتْ مُنْذُ فجر الْعَالَمِ"، رابطين هذا بالتفسير الكارثي لتكوين 1: 2 ولكن هذا لا يمكن أن يؤيده سياق النص أو استخدام الفعل (انظر عبرانيين 9: 26) [195].
يُزعم غالباً أيضاً أن حزقيال 28: 13- 14 تتطلب وجود عالمٍ مجيدٍ أصلاً قبل حالة (الأرض) الـ "خربة وخالية" في تكوين 1: 2، لأنها تتحدث عن الشيطان وهو يقطن في ".... عَدْنٍ جَنَّةِ اللَّهِ.... جَبَلِ اللَّهِ الْمُقَدَّسِ" ويسير "بَيْنِ حِجَارَةِ النَّارِ" قبل تمرده على الله. ولكن يبدو واضحاً من خلال مقارنة مع دانيال 2: 45 وأشعياء 14: 13 أن "جَبَلِ اللَّهِ الْمُقَدَّسِ" لا بد أن يشير إلى السماء الثالثة في حضرة الله مباشرة وليس إلى منطقة أرضية. يجب ملاحظة أن الشيطان قد " طُرِحَ.... مِنْ جَبَلِ اللَّهِ.... إلى الأرض" (حزقيال 28: 16- 17؛ أشعياء 14: 12). من الواضح أن الربّ يسوع المسيح قد تكلم عن هذه الحادثة عندما قال: "رَأَيْتُ الشَّيْطَانَ سَاقِطاً مِثْلَ الْبَرْقِ مِنَ السَّمَاءِ" (لوقا 10: 18). يجب أيضاً ملاحظة أن "عَدْنٍ جَنَّةِ اللَّهِ" لم تكن حديقةً بأشجار، وورود وينابيع. لقد كانت مركبة من أحجار ثمينة و"حِجَارَةِ النَّارِ" (حزقيال 28: 13، 14، 16). عندما نقارن هذه مع وصف المدينة المقدسة في رؤيا 21: 10- 21، بحجارتها الثمينة المتنوعة، نصل إلى الاستنتاج بأن "عَدْنٍ جَنَّةِ اللَّهِ" عند حزقيال لا تشير إلى عدن الأرضية التي في تكوين 1: 1، بل إلى عدن سماوية، التي منها طُرِدَ الشيطان إلى الأرض. عندما خلق الله "السموات" في بداية اليوم الأول من أسبوع الخلق، فمن الواضح أنه خلق جميع الكائنات الملائكية (بما فيها الشيطان الساقط)، الذين كانوا حاضرين لينشدوا مسبحين معاً ويطلقون صوت ابتهاج لدى خلق الأرض (أيوب 38: 7). في زمن معين بعد أسبوع الخلق أو قبل إغواء حوّاء، تمرد الشيطان على خالقه. ولذلك فالتأثير الأرضي المنظور لسقوطه لم يكن الكارثة في 1: 2، بل اللعنة في عدن الواردة في تكوين 3، التي ألقاها الله على كل الأرض لأن آدم وحواء، اللذان أعطاهما الله كل سلطانٍ وسيادةٍ على الأرض، قد اختارا أن يصدقا ويطيعا الشيطان وليس الله (رومية 8: 20- 23).
[195]- انظر ف. ف. بروس، "الرسالة إلى العبرانيين" (غراند رابيدز: منشورات إيرماندز، 1964)، ص 71.
- عدد الزيارات: 3851