خلق الكون
المقاربة الأساسية لأصل الأنواع
لقد رأينا أن كلمة الله تعلِّم الخلق الفوري والفائق للطبيعة لكل الأشياء. بالنظر إلى الموجودات المادية خاصة، يمكننا أن نضيف المفهوم بأنه لم تُستعمل مواد مسبقة الوجود بالمعنى الأدق، هذا هو معنى العبرانيين 11: 3- "بِالإِيمَانِ نَفْهَمُ أَنَّ الْعَالَمِينَ (aiōnas- وحرفياً "الدَّهرَيْن") أُتْقِنَتْ بِكَلِمَةِ اللهِ، حَتَّى لَمْ يَتَكَوَّنْ مَا يُرَى مِمَّا هُوَ ظَاهِرٌ" (انظر أيضاً رومية 4: 17). هذا بالتأكيد لا يمكن أن يعني أن المواد المادية التي تكوِّنُ كونَنا المنظور تتألّف من جزيئات ذرية "غير منظورة"! بالتأكيد إن الإيمان الروحي ليس مطلوباً لقبول النظرية الذرية للمادة في شكلها الحالي! القصد من هذه الآية الرئيسية في رواية الخلق هو أن قوام المواد المادية المرئية لم توجد في أي شكل من الأشكال، سوى في ذهن الله الكلي المعرفة، حتى نطقَ الله بالكلمة الخلاقة.
يقر العارف وذو الميل الروحي المسيحي بصراحة، بالمطابقة مع العبارة الواضحة في عبرانيين 11: 3، بأن فهمه لترتيب الأحداث والطرق التي وظفها الخالق في جلب العالم إلى الوجود هو بشكل أساسي تعهد إيمان بوحي الله الخاص. إذ "بالإيمان"، وليس بالملاحظة التجريبية، "يفهم" فكرة ex nihilo (الخلق من العدم) للأصول الأولى. وثقته في السيادة المطلقة وإمكانية الاتكال على وحي الله المكتوب في الكتاب المقدس تستند، بدورها، على يقين راسخ بأن ربه، يسوع المسيح، الذي وضع علامة موافقته الإلهية على الأسفار المقدسة، لم يكن مخدوعاً ولا خادعاً، بل نطق الحقيقة الأخيرة (انظر يوحنا 14: 6؛ متى 5: 18؛ يوحنا 5: 46).
بنفس الوقت، وبصدق كامل، لا بد للعالِمِ غيرِ المسيحي أن يقرَّ بأنه هو أيضاًَ يصل إلى الظاهرة الحقيقية والملاحَظة مع مجموعة من الافتراضات والإدعاءات الأساسية التي تعكس "تعهد إيمان" عميق. ليس من عالِمٍ في العالم اليوم كان موجوداً عندما ظهرت الأرض إلى الوجود، وما من أحد منا يملك امتياز مشاهدة العوالم وقد خُلِقَت اليوم! ولذلك فإن شهادة عالِمٍ نشوئي صادق يمكن التعبير عنها بنفس عبارات الآية في عبرانيين 11: 3 ، كما يلي: "بالإيمان، أنا، العالم النشوئي، أفهم بأن العوالم لم تؤطّر بكلمة أي إله، لذلك فإن ما يُرى قد صُنِعَ بالفعل من أشياء مرئية موجودة سابقاً أقل تعقيداً، بعمليات طبيعية بحتة، خلال مليارات السنين".
وإذاً، فهي ليست مسألة حقائق علمية إزاء إيمان المسيحيين! القضية الأساسية، في موضوع الأصول الأوائل، هي فيما إذا كان المرء يضع ثقتَهُ أم لا في الكلمة المكتوبة لله الشخصي الحي ذاته الذي كان هناك عندما حدث كل هذا، وإلا فإنه سيضع ثقته في قدرة العقل البشري، بدون معونة من الوحي الإلهي، ليستقرئ حالاً العمليات المراقَبة للطبيعة في الماضي الأزلي (والمستقبل). فأي إيمانٍ هو الأكثر عقلانية، وإثماراً وإرضاءً؟ بالنسبة لي، بينما كنت أدرس علم الجيولوجيا التاريخي وعلم الإحاثة في جامعة برنستون، كنت ملتزماً كلياً بوجهات النظر النشوئية. إلا أني، ومنذ ذلك الحين، اكتشفتُ أن مفهوم الكتاب المقدس للأصول الأوائل هو أكثر إقناعاً وقبولاً لدي من كل النواحي.
المسيحيون الذين يرغبون بحق أن يبجلوا الله في تفكيرهم يجب ألا يُقبلوا إلى الأصحاح الأول من التكوين بأفكار مسبقة عمّا يمكن أن يكون قد حدث أو لم يحدث (من ناحية المفاهيم الحالية والمتغيرة للعلمية الشكلية). فنحن لسنا مستشاري الله؛ بل هو مستشارنا! "لأَنْ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ أَوْ مَنْ صَارَ لَهُ مُشِيراً" (رومية (11: 34)، "لأَنَّ أَفْكَارِي لَيْسَتْ أَفْكَارَكُمْ وَلاَ طُرُقُكُمْ طُرُقِي، يَقُولُ الرَّبُّ. لأَنَّهُ كَمَا عَلَتِ السَّمَاوَاتُ عَنِ الأَرْضِ هَكَذَا عَلَتْ طُرُقِي عَنْ طُرُقِكُمْ وَأَفْكَارِي عَنْ أَفْكَارِكُمْ" (أشعياء 55: 8- 9).
- عدد الزيارات: 3864